كيف يكون الرضى بالقسمة والنصيب في أمر الزواج مع الأخذ بالأسباب؟

6 935

السؤال

السلام عليكم

بالرغم من رفض أهل العائلتين، فهل السعي في خطوات الزواج تؤدي إلى نتيجة أو يظل الزواج نصيبا وهذا كله تحصيل حاصل؟

أهلي يرفضون مجرد عمل أي خطوة خوفا منهم في أن يتم الزواج، وأنا مصر على موقفي، وأسعى إلى أن يحدث النصيب على أساس أن الزواج نصيب، فهل الإنسان مسير في الزواج أم مخير، وما هي حدود النصيب في الزواج، ومتى يعلم الإنسان أنه لا يوجد نصيب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Reda حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك زوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته، وأن يرزقك منها الذرية الصالحة المباركة.

بخصوص ما ورد بسؤالك فأنت تعلم أن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة، وليس معنى الإيمان بالقدر ترك الأخذ بالأسباب؛ لأن ما قدره الله -تبارك وتعالى- في اللوح المحفوظ، وما كتبه الملائكة في صحفهم نحن لا علم لنا به، وإنما أمرنا في كل أمر من أمورنا أن نتوكل على الله -تبارك وتعالى-، وأن نأخذ بالأسباب، وأن نجد ونجتهد، وأن نستعين بالاستخارة والاستشارة، فهذه أمور كلها معينة لنا على تحقيق ما نصبوا إليه وما نريده.

الآن أمامك فتاة أنت تريد أن تتزوجها، إذا كانت فيها الصفات الشرعية التي بينها لك الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وسمعت عنها وعن أسرتها خيرا، ودرست حالتها من خلال بيئتها ومجتمعها فوجدت أنها مناسبة لك فما عليك بعد هذه الخطوة -بارك الله فيك- إلا أن تستخير الله -تبارك وتعالى-، ثم تتقدم لخطبتها فإن شاء الله -تبارك وتعالى- وقبلها أهلك وقبلك أهلها ووافقوا عليك فتلك إرادة الله تعالى.

واعلم أنهم قد يوافقون عليك في أول الأمر، وأنهم قد يعقدون لك عليها، وقد تدخل بها ثم لا تلبث معها إلا قليلا.

لماذا؟ لأن هذه قسمتك التي قدرها الله لكما، وذلك أنك تسمع كثيرا عن حالات طلاق قبل الدخول، وحالات بعد الدخول، وحالات طلاق بعد الدخول بأشهر أو بعدها بسنوات، وتسمع عن حياة زوجية تستمر عشرات السنين لا يحدث فيها طلاق، هذا كله من قدر الله تعالى، ولكن المطلوب مني ومنك بداية -بارك الله فيك- الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، -كما ذكرت لك- الخطوات:

تسأل وتتبين وتتحرى فإن وجدت أنها مناسبة لك فما عليك إلا الاستخارة ثم أخذ أهلك والتقدم إلى أهلها وطلب يدها منهم، فإن قبلوا ذلك فهذه من رحمة الله تعالى، وإن لم يقبلوا ووجدت أن أعذارهم واهية فلا مانع أن تستعين بآخرين، هب أنك ذهبت وحدك فالمرة الثانية لك أن تذهب بأبيك، لك أن تذهب بعمك ما دمت ترى أن البنت مناسبة، وأنك لهم غير مقنع، ولك أن تواصل الضغط عليهم حتى تأتي الموافقة، ولكن هب أنك حاولت مرات ومرات وكانت النتيجة الرفض المطلق، فمعنى ذلك أنها ليست لك، وأنك مطالب بالأخذ بالأسباب والبحث عن زوجة أخرى؛ لأن النساء غيرها كثير، وأنت لا تدري هل هي قسمتك التي قدرها الله أم لا.

المهم أنك طرقت الباب وأخذت بالأسباب، فإذا كانت لك فسوف تأتيك وتتيسر الأمور لك، أما إن أغلقت في وجهك الأبواب بالطريقة التي لا يمكن قبولها فمعنى ذلك أنك مطالب أن تبحث عن غيرها، فابحث عن واحدة، عن اثنتين، عن أكثر، وثق وتأكد بأنها إن كانت من نصيبك فسييسر الله الأسباب التي توصلك إليها، ولكن أنت مطالب -بارك الله فيك- أن تأخذ بالأسباب العادية -كما ذكرت لك- ليس عليك أكثر من ذلك، إن قبلت -أخي الكريم- فهذه إرادة الله تعالى، وإن لم تقبل فهذه أيضا إرادة الله تعالى، فإذا كان لديك استعداد أن تكرر المحاولة فلا مانع؛ لأن هذا ممكن، فأحيانا قد يرفضون في المرة الأولى ولكن بعد فترة من الممكن أن يقبلوا، وأحيانا قد تذهب إلى خالها أو عمها فيؤثر على أبيها أو أمها فيقبلون بك، هذا كله جائز، يعني هذه كلها محاولات مشروعة، ولا حرج فيها - بإذن الله تعالى- ما دمت تأتي البيوت من أبوابها، كما أمرك الله -تبارك وتعالى-.

وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه المحاولات كلها من قدر الله تعالى، ليس معنى قسمة ونصيب إنك إذا رفضت مرة أن كل شيء انتهى، لا؛ لأنك قد ترفض مرة ولكن تقبل في المرة الثانية، تقبل المرة الثالثة، قد يقدمون لك أعذارا واهية، قد تستعين -كما ذكرت- بأحد المؤثرين على الأسرة فيجعل الله لك نصيبا فيها، ولكن إذا لم يكن لك فيها من نصيب رغم أن كل هذه المحاولات لن تشعر فعلا بأنها لك، ستشعر بأن هنالك حواجز قوية تمنعك لأنها لغيرك وليست لك.

هكذا طلب منا -بارك الله فيك- فأي أمر من أمور الدنيا نحن نجد في الأخذ بالأسباب، والتوكل على الله عبارة عن ماذا؟ الدعاء، الاجتهاد في الدعاء إذا كانت هذه المرأة صالحة، وأنها ستكون خيرا لك في دينك ودنياك أن يجعلها الله من نصيبك، هذا من حقك أن تدعوه، وكذلك المرأة من حقها أن تدعو الله تعالى إذا رأت عبدا صالحا، وتتمنى أن يكون زوجا لها تدعو الله عز وجل، ولكن لا تفعل أكثر من هذا.

الاعتماد على الله -تبارك وتعالى- معناه أنك تأخذ بالأسباب وتدعو الله تعالى وتدع النتائج إلى الله، لك أن تكرر المحاولة مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا -حسب ظروفك- لأن بعض الناس لا يقبل تكرار المحاولة، محاولة مرة واحدة ويقول خلاص لا يمكن أن أذهب، فهذا قدر الله، بعض الناس عنده استعداد أن يضحي أكثر من مرة ويقول هذا من قدر الله.

فقضية الزواج ليست قضية مسير ولا مخير، هذه ليست قضية فيها إجبار ولا إلزام؛ لأنك تتوجه إليها باختيارك وأنت تختارها برغبتك وتفضلها على غيرها بإرادتك، فهي ليست مسألة مسير أم مخير، ولكن مسألة أنها لا يقبلون أو يقبلون نقول: (هذا قدر الله تعالى)، صحيح أن الإنسان مسير كونا وأزلا بمعنى أن كل ما سيقع قد علمه الله وكتبه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، لكن بالمقابل فإن الإنسان مخير فعلا وواقعا في حياته المعاشة، بحيث عنده الإمكانية للاختيار والتصرف بمعنى أنه ليس مجبورا على فعله، بل له مطلق الاختيار، لكن في النهاية لابد أن توافق أفعاله ما كتب له أزلا؛ لأنه لا يخرج شيء عن علم الله تعالى وتصرفه، وهذا يقودك إلى السؤال كيف أفرق بين طريق الخير والشر في حياتي سواء كان ذلك في عباداتي أو معاملاتي، أو زواجي ونحوه، كل هذه الأمور قد ضبطتها الشريعة وحددت معالمها، فمن تبعها سعد واهتدى، ومن تنكبها وتركها، شقي وضل.

فكم من امرأة يظل الرجل عاقدا عليها سنوات وعلى أتفه الأسباب يتم فسخ العقد وتتزوج المرأة غيره ويتزوج غيرها وكأنهما ما عاشا مع بعض سنوات طوالا، قد يظل العقد عدة سنوات وأحيانا عدة أشهر، ورغم ذلك تتفاجأ بأنها ليست لك فيحدث الخلاف على القائمة أو يحدث الخلاف على غرفة النوم أو يحدث الخلاف على الذهب أو يحدث الخلاف على من سيدفع قيمة المأذون، على شيء بسيط جدا وأنت تتمسك وتتشدد وأهلها يتشددون لأنها ليست لك وتفاجأ بأنك لا تقبل أي تنازل فتطلق المرأة أو لا يتم العقد لأنك لست من نصيبها، وهي ليست من نصيبك.

ولكن أنت عندما فعلت ذلك كنت تسلك الطريق الشرعي، وهذا هو الذي أريده منك مع هذه الأخت، فإذا كان أهلها رفضوك وأنت لك رغبة فيها فحاول مرة أخرى، ولكن غير الطريق وغير الطريقة، وغير الأسلوب، وغير النظام، وغير الأشخاص الذين يتقدمون وغير الأشخاص الذين تذهب إليهم، كل ذلك من باب الأخذ بالأسباب، واعلم أنها إن كانت من نصيبك فعلا فسوف ييسر الله لك الوصول إليها، أما إذا لم تكن من نصيبك فاعلم أنها من نصيب غيرك، وأن غيرك ينتظرها، ولعله لم يرها إلى الآن ولم تره، ولكنه سبق في علم الله أنه أوفق لها منك، وأنها أوفق له منك؛ ولذلك جعل الله حبسها عنك؛ لأن هناك من ستكون له -بإذن الله تعالى-.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن يرزقك الله -تبارك وتعالى- زوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته، وواصل المسيرة واستعن بالله ولا تعجز، واعلم أن من توكل على الله كفاه ومن سأل الله أعطاه.

هذا وبالله التوفيق، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

مواد ذات صلة

الاستشارات