قضية الأرزاق التي شغلت الناس وموقف الإسلام منها

0 525

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن قضية الرزق من أكبر الهموم التي تكاد أن تمزق الأمة المرحومة، فما تعليقكم على ذلك؟!
وجزيتم خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ N/a حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يوسع أرزاقنا وإياك وأن ييسر أمور المسلمين، وأن يرزقنا وإياك وسائر المسلمين الرضا بما قسم لنا، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).

وبخصوص ما ورد برسالتك، فاعلم أن قضية الأرزاق شغلت الناس قديما ومنذ الأزل، والسبب في ذلك إنما هو سوء فهمها من قبل كثير من العباد؛ لأن الله تبارك وتعالى صاحب العظمة والجلال لو نظرنا في شرعه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنه أولى هذه القضية اهتماما كبيرا لعلمه بتعلق الناس بها، ولذلك أخبرنا جل جلاله بقوله أولا: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ))[الذاريات:56-58]، وقال جل وعلا: (( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ))[هود:6]، ويقول: (( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ))[النحل:71].
فقضية الأرزاق من القضايا التي استأثر الله تبارك وتعالى بها وحده، فلا دخل فيها لملك من الملائكة ولا لنبي من الأنبياء ولا لولي من الأولياء؛ لأن الله جل جلاله يرزق عباده وفق علمه وحكمته وقدرته وتدبيره وإرادته، والدليل على ذلك أنه يرزق الكفرة الذين لا يعترفون بوجوده ولا يؤمنون به ويشركون معه آلهة أخرى، فلو أن أي مخلوق في الكون أساء إليه أحد يحسن إليه لقطع عنه عطاءه، ولكن الله جل جلاله يعلم أنهم يكفرون به ورغم ذلك يرزقهم لأنه كتب على نفسه الرزق، وضمن لكل دابة تدب على الأرض من إنسان أو غيره أن يرزقها، وترك قضية الأعمال ليحاسبهم عليها يوم لقائه، ونحن أمام قضيتين كبيرتين: قضية المضمون وقضية المفروض، وكما ورد في كلام الحسن البصري عليه رحمة الله تعالى: (لا يشغلك المضمون لك من الرزق على المفروض عليك من العمل فتضيع أمر آخرتك ولن تنال من الدنيا إلا ما قد كتبه الله لك).

ونبينا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (إن الله قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)، ومن هذه المقادير قضية الرزق، فهي مقدرة للإنسان قبل أن يخلق، بل قبل أن تخلق السموات والأرض، كل إنسان منا قدر الله له رزقه إما مبسوطا وموسعا وإما مضيقا، وذلك وفق حكمة وعلم الله تبارك وتعالى، وليس ظلما لأحد وحاشا الله جل جلاله أن يكون ظالما، فلقد حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما، ولكن الله تبارك وتعالى بعلمه بالإنسان يرزقه ما ينفعه، وقد يلح الإنسان على الله فيوسع الله له رزقه ولكنه يتضرر بذلك في دينه، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، هذه حقيقة هي أساس السعادة الحقيقية، ولذلك قال أيضا صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العرض -أي: الأموال أو العقارات أو غيرها مما يملكه الإنسان- ولكن الغنى غنى النفس)، فمن أكرمه الله ورزقه القناعة فهو أغنى الناس، ولذلك فإن السعادة أمر نسبي ليس لها من تعريف محدد بقدر ما هي تأقلم الإنسان مع نفسه ورضاه بما قدره الله تبارك وتعالى له.

فإذا رضيت بما قسم الله لي فسأكون سعيدا حتى وإن كان الذي يأتيني دراهم معدودة، وإذا لم أرض بما قسم الله لي فسأكون تعيسا شقيا حتى وإن كانت أرزاقي بالمليارات يوميا أو شهريا أو سنويا، ولذلك فإن القضية هي القناعة.

وقد أمرنا بالسعي وأمرنا بالأخذ بالأسباب والسعي، والأخذ بالأسباب ما هو إلا عبارة عن وسيلة مواصلات تنقلنا إلى أماكن أرزاق الله التي قدرها لنا، وأما كثرة السعي فلا تؤدي غالبا إلى زيادة الرزق، وإنما يقول الله تبارك وتعالى: (( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ))[الملك:15]، فإذن: فامشوا وكلوا، ويقول: (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ))[الجمعة:10].

إذن نحن أمرنا بالسعي، وأمرنا بالأخذ بالأسباب، وأمرنا بالجد والاجتهاد لنصل إلى الرزق الذي قدره الله لنا قبل خلق السموات والأرض، ولذلك مهما حاول الإنسان أن يغير هذه المنظومة فهذا من المستحيل، الرزق ليس له لون وليس له طعم وليس له ريح حتى يستطيع أحد أن يتحكم فيه أو يحول بينك وبينه، الرزق يعرف عنوانك وأنت لا تعرف عنوانه، فأنا رجل أعمل في وزارة الأوقاف يأتيني رزقي في وزارة الأوقاف، وآخر يعمل في وزارة الصحة يأتيه رزقه في وزارة الصحة، وثالث يعمل في وزارة الدفاع يأتيه رزقه في وزارة الدفاع، ورابع يعمل في وزارة التربية والتعليم يأتيه رزقه في وزارة التربية والتعليم، وخامس يعمل نجارا أو حدادا يأتيه رزقه إلى محله الذي يعمل فيه، فأرزاقنا تأتينا إلى أماكننا ما دمنا قد أخذنا بالأسباب.

ولذلك لا ينبغي أن نشغل أبدا بقضية الأرزاق مطلقا؛ لأنها قضية تكفل الله بها وضمنها ووعدنا أن يرزقنا حتى وإن كنا غير صالحين، ولكن الرزق يبارك فيه بالطاعة والاستقامة على منهج الله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى سبيل المثال: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، فجعل الله صلة الرحم من عوامل زيادة الرزق، وهناك أمور كثيرة تؤدي في الزيادة كما أن المعاصي أيضا تؤدي إلى تضييق الأرزاق، إلا أن الرزق لا ينقطع أصلا، فأنت لك عند الله خزانة أودع الله فيها رزقك الذي قدره لك قبل خلق السموات والأرض، ونبينا عليه الصلاة والسلام أخبرنا فقال: (لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها).

وختاما: فإن السعي والأخذ بالأسباب لا يؤدي إلى مضاعفة الأرزاق أو تغييرها وإنما يؤدي إلى الوصول إليها، ويؤدي إلى ما قدره الله؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله، فإذا أراد الله أن يوسع رزقك في هذا اليوم اتسع حتى وإن لم تسع، ولكنك أمرت بالسعي لأن الله أمرك بذلك وهو من الأخذ بالأسباب، والدليل على ذلك أن الله يرزق بعض العباد بدون عمل، كما رزق مريم ابنة عمران ورزق غيرها، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني).

فلتشغل بالعبادة بأداء حق الله الواجب علينا وهو المفروض، ونترك المضمون لله فإن الله لا يضيع أهله ولا يخيب ظن عباده به، ونسأل الله أن يوسع أرزاقنا وإياك وسائر المسلمين.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات