السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
تعرفت على شخص عن طريق الإنترنت منذ سنتين تقريبا، وأزعم أنه على خلق ودين، ويعمل في بلد أوروبي، وعندما تقدم لخطبتي كانت الأمور رسمية لكنها فشلت ولم تكلل بالنجاح، لأسباب غير واضحة قد تكون لأننا لم نفهم بعضنا جيدا، رغم أنني متأكدة أنه يحبني كثيرا، ولا أشك في دينه أو أخلاقه.
ومنذ فترة عاد التواصل بيننا لكن بصورة مختلفة كأخوة في الله؛ لأنه تقدم لخطبة فتاة من غزة، وينتظر إتمام ترتيبات الزواج، ولم أصدق هذه القصة لأنه - كما قال - لم ينس ما كان بيننا من حب وأحلام، وأعتقد أنه بهذه القصة يختبرني.
والمشكلة أنني لم أستطع حتى الآن فهم مشاعري؛ لأن بداخلي صراعا كبيرا، وتعيش بداخلي ثلاث شخصيات، فأحيانا أشعر أنني أحبه لأقصى درجة ومستعدة لأن أكمل حياتي معه، وأحيانا أشعر أنه لا يستحقني لأنني أشعر بتردد كبير، وأحيانا أخرى لا أشعر بأي شيء، وهذا يجعلني أعيش في صراع كبير مع نفسي، وقد يكون فعلا مرتبطا، لكن لماذا يبوح لي بحبه الكبير.
علما أنه عندما تقدم لي صليت صلاة الاستخارة أكثر من مرة، وأعلم أن الله أراد لي الخير، رغم أنني أتعذب، فكيف أتصرف مع هذا الشخص؟ وكيف أنساه؟ رغم أن مستواي الدراسي أعلى منه، وأزعم أنه إنسان مثقف دينيا، وأزعم أنني متدينة أيضا وعلى أخلاق عالية بشهادة الأصدقاء والعائلة والجيران، ورغم أنني أقول أنني نسيت هذا الإنسان إلا أنني في أول فرصة أتحدث إليه أو أتحدث عنه أشعر بحنين كبير، فماذا أفعل؟!
وشكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تيسير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تيسير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يرزقك القرار والاستقرار، وأن يمن عليك بزوج صالح يستحقك يكون عونا لك على طاعة الله ورضاه، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
ما دام الأمر قد انتهى والخطبة قد فشلت، والآن لا خطبة ولا زواج، وذهب كل منكما إلى حال سبيله؛ فلا بد أن تخرجيه من حياتك، ولا بد أن تكون هناك آثار تترتب على هذا التعلق، لأن مرحلة الشباب خاصة تكون فيها القلوب فارغة، ولذلك أول ما تستقبل الحب فإنها تستجيب له، فالحب من أول نظرة أو من أول لقاء أو من أول الكلام، أو مع تكرار الكلام تعتبر سمة لهذه المرحلة الخطيرة الحرجة من حياة الشباب والفتيات.
ومنذ مرحلة البلوغ تصبح المرأة في حاجة إلى إشباع نفسي من نوع آخر غير إشباعها مع أبيها وإخوانها، والرجل كذلك أيضا يصبح في حاجة إلى إشباع نفسي وجسدي غير إشباعه مع أمه وأخته، ولولا ذلك لتوقفت عجلة الحياة ولتم القضاء على الجنس البشري بالكلية، ولقد أودع الله في الرجال ميلا إلى النساء وأودع في النساء ميلا إلى الرجال، فهذا الميل يبدأ في مرحلة البلوغ ويظل إلى أن يتزوج الإنسان، حيث يقوم بإرواء هذا الظمأ بطريقة مشروعة وفي الإطار الشرعي المبارك.
وعندما تقدم لك هذا الأخ بعد أن تعرفت عليه وجدت فيه صفات أنت تتمنينها في فارس أحلامك وفي زوجك وفي أب أولادك فوجدتها، وكلمك بلطف، وتعامل معك برفق، مما جعله يحتل مكانة في قلبك، حيث إنه لم يكن له منافس في تلك الفترة، فقلبك كان خاليا فصادف قلبا خاليا فتمكن، ولذلك تعلقت به تعلقا شديدا، وهو كذلك أيضا، لعله في مثل سنك أو أكثر قليلا، حتى وإن كان أكبر منك فإنه أيضا كان يعاني من الفراغ العاطفي، فلما تكلم معك واستراح معك أحبك، وملكت محبتك قلبه، فأصبح كلاكما متعلق بالطرف الآخر، وهذا شيء طبيعي جدا.
ولذلك ما تشعرين به الآن نحوه شيء طبيعي، وما يشعر به نحوك أيضا إنما هو شيء طبيعي بين أي إنسان وإنسان حتى وإن كان من غير المسلمين، بل إننا نحتفظ بمحبة ومعزة لبعض أصدقائنا من مراحل الطفولة، ومن مراحل الثانوية والجامعة، ما زالت في نفوسنا إلى الآن، رغم أن الواحد منا قد يكون زاد على الخمسين، ولكن لا زال يحتفظ لبعض الشخصيات ببعض المودة والمحبة في قلبه.
وبما أن هذا الشاب قد تقدم لفتاة أخرى فلماذا يتصل بك؟ هو يتصل بك لأنه ما زال يحبك، ولكن كيف يتحول هذا الحب إلى طاعة؟ إنه حب المعصية، لا يوجد – ابنتي تيسير - بين الرجل والمرأة فيما يعرف بالمحبة في الله، لأن الطبيعة التي جبل عليها الرجال والنساء طبيعة لا تصلح معها مسألة التقارب في الله تعالى، خاصة إذا كان الرجل غير متزوج والفتاة غير متزوجة، إنما هي طبيعة قائمة على الشهوة والرغبة في إرواء هذه الشهوة، ولذلك إذا تزوجت المرأة برجل وأحبها وكان يصل إلى درجة العبادة ويظل طول الليل وهو يمدحها ويثني عليها، وهي تمدحه وتثني عليه، ولم يحدث بينهما لقاء جنسي أو علاقات جسدية فهذا وهم ولن يحقق أي سعادة أو استقرار أبدا بحال من الأحوال، وإنما هذا الاستقرار وهذه السعادة تحدث بالإرواء الجسدي، ولذلك ثبت أن هذا الإرواء الجسدي يسبب راحة نفسية، وصحة بدنية، وأمنا وأمانا واستقرارا وإعانة على طاعة الله ما دام في الإطار الشرعي.
وأما هذه العلاقة التي يريدها الأخ أن يعيدها فإنما ينبش في أكفان الموتى وفي قبورهم، فلا بد أن نغلق هذا الباب تماما، ما دام قد تقدم لأخت أخرى، فقولي له: (لا يجوز لك أن تتكلم معي، لأنه لا يحل لك شرعا الآن، ونحن كنا نتحدث من قبل لأننا كنا سنكون زوجين، والآن أنت بحثت عن غيري، فدعني وشأني، ولا تثير عواطفي، ولا تحرك مشاعري، ولا تسبب لي العنت والعذاب، لأنك كلما تكلمت معي يزداد عذابي ويشتد علي الألم، والنتيجة عذاب في عذاب وإلى عذاب، ولا حل شرعي من وراء ذلك لأنك تقدمت لغيري).
وإذا كان على استعداد أن يترك الأخت التي تقدم لها – وإن كنت لا أؤيد ذلك – أو كان هذا مجرد كلام ليختبر عواطفك ومشاعرك تجاهه فما المانع أن يتقدم لك مرة أخرى، وأن تجتهدا في حل المشكلات التي كانت سببا في الخلاف، إذا كان من الممكن حلها، فأرى أنه أفضل من غيره، خاصة وأنه – كما زعمت - على دين وخلق وأنت كذلك على دين وخلق.
أما إذا كانت المشكلات تستعصى على الحل، فأرى أن تغلقي هذا الباب نهائيا، وأن تعتذري له اعتذارا واضحا، وأن تطلبي منه ألا يتكلم معك مطلقا، وتوجهي إلى الله بالدعاء، واعلمي أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، سليه ببكاء وتضرع أن يعافيك من هذا التعلق، وأن يخرج محبة هذا الشاب من قلبك.
والأمر يحتاج لبعض الوقت؛ لأن النقش على القلب ليس كالنقش على الورق، والنقش على القلب كالنقش على الحجر يحتاج إلى عوامل تعرية قوية حتى تتم إزالة معالمه، فتستظلين في المعاناة إلى فترة حتى يمن الله عليك بزوج صالح تنسين معه هذا الماضي، وتعيشين في الحاضر أو في المستقبل الجميل الرائع، والخير كل الخير فيما اختاره الله، ومن يترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن يمن الله عليك بزوج صالح، وأن يبصرك باتخاذ القرار المناسب، وما دمت قد استخرت الله وحدث الانفصال بعدها فهي إرادة الله لعل فيها الخير لك وله، لعله لا يصلح لك حتى وإن كان يحبك، ولعلك لا تصلحين له حتى وإن كنت تحبينه، قال الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
إذا حددي موقفك بوضوح، وإذا لم يكن لديه استعداد للعودة أو إذا كانت المشاكل لا يمكن التغلب عليها فاعتذري له اعتذارا واضحا، واقطعي علاقتك به الآن وفورا، حتى لا تعيشي في هذا العذاب وتلك المشقة، وتفرغي إلى دراستك وحياتك.
مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسعادة، وأن يرزقك الزوج الصالح عاجلا غير آجل، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.
والله الموفق.