السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب بفضل الله ملتزم وأعلم قدرا من الدين، وقد قسم الله لي أن أكون قصيرا (160 سم).
أعلم أن الله قد خلقني وخلق كل إنسان في أحسن تقويم، وأنه تعالى قد قسم الأرزاق والصفات في كل البشر وأنه يعلم الخير، ولكن مع علمي بذلك ينتابني أحيانا كثيرة شعور بعدم الثقة بالنفس دائما ما يعكر صفو حياتي، وقد يدفعني أحيانا لترك بعض الواجبات بسبب قصر طولي، وأنا الآن في سن الزواج، وأريد الارتباط ولكن قصر طولي يشعرني بأنهم لن يوافقوا بسبب قصري.
فكيف أتخلص من شعور النقص الذي أعانى منه؟ أفيدوني وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (استشارات الشبكة الإسلامية)، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق وأن يهديك صراطه المستقيم وأن يرزقك الرضا بما قدره الله، واعلم أن الله تبارك وتعالى لا يقدر لعباده إلا الخير، ونسأل الله عز وجل أن يمن عليك بزوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته وترزق منها بذرية صالحة، ويذهب عنك هذه الهواجس بفضله ورحمته، إنه جواد كريم.
بخصوص شعورك بالنقص بسبب قصر قامتك فهذا -ابني الكريم محمد- يدل على ضعف إيمانك، ونسأل الله السلامة والعافية.
نعم أنت بفضل الله ملتزم وتعلم قدرا من الدين وتعلم ذلك، ولكن يبدو أن هذا الكلام كله يبدو نظريا بالنسبة لك، لأننا عندما نلتزم وعندما نؤمن بالله حقا فإنا نرضى بكل ما قدره الله تبارك وتعالى وقضاه، والله جل جلاله هو الذي صورنا في الأرحام كيف يشاء، وأنت تعلم أن الله جل جلاله سبحانه لا يسأل عما يفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصاك بقوله: (وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، فرضاك بقسمة الله لك ودفعك لهذه الهواجس التي يثيرها الشيطان في نفسك حتى تظل ساخطا على أقدار الله ما أثارها الشيطان إلا ليفسد عليك دينك ودنياك.
اعلم – ولدي أحمد – أنك لست قصيرا بالمعنى المذموم؛ لأن هذا القصر (160سنتمتر) شيء عادي حقيقة في وصف دنيا الرجال الآن، ولو ذهبت إلى إخوانك في اليمن لوجدت من هو أقصر منك قامة ولديهم من الأولاد أكثر من عشرة وحياته في غاية الاستقرار، رضي بقسمة الله فبارك الله له، هذا نوع من الابتلاء والامتحان والاختبار لك – ولدي وعزيزي أحمد – أراد الله أن يختبر إيمانك بهذه القامة ليرى هل أنت صادق في التوجه إليه أم لا؟ ليرى هل أنت صادق في ادعاء الإيمان به أم لا؟ فأتمنى أن تثبت أنك على الحق وأن تثبت أنك مؤمن صادق الإيمان صحيح العقيدة، وأنك راض بقسمة الله تعالى.
الأمر يحتاج منك إلى قدر من المجاهدة، لا أقول بأنه سيأتي في يوم وليلة، ولكن أقول: إنه يحتاج منك إلى قدر من المجاهدة ودفع هذا الشعور كلما أصابك، فكلما أصابك هذا الشعور بالنقص فعليك أن تستعيذ بالله تعالى، وأن تسأل الله عز وجل أن يقيك شر الشيطان وشركه، فقل: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي، وقل: اللهم إني أعوذ بك من شر الشيطان وشركه.
أو: اللهم إني أعوذ بك من شر الشيطان وشركه، اللهم إني أعوذ بك من همزه ونفثه ونفخه.
أكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وقل: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي، فإن الله تبارك وتعالى جعل ذلك من سنة نبيه الماضية عليه الصلاة والسلام.
فالنفس الأمارة بالسوء تستعين بالشيطان لتعكير صفوك وتكدير حياتك لأنك رجل على قدر من الإيمان، اترك هذه المشاعر السلبية واعلم أن الرجولة ليست بالطول ولا بالقصر وإنما الرجولة بالأخلاق والقيم، والقدرة على إدارة الحياة، والقدرة على كسب المال الطيب المبارك، والقدرة على إسعاد الآخرين معك.
لم يكن القصر عبر التاريخ علة أو عيبا أبدا، ولكن العيب عندما يكون الإنسان ليس براض بقسمة الله تعالى، وعندما يكون عالة على غيره، ماذا ينفع الطول الفارع إذا كان الإنسان عاطلا سيئا بلا عمل ولا يستطيع أن يكسب فلسا؟ ولكن هذا الأمر -بارك الله فيك- أتمنى ألا يكون سببا في تنغيص حياتك لأنه قدر الله الذي قدره لك قبل خلق السموات والأرض، واعلم أن من رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط.
أسألك بربك ماذا ستفعل لو أنك مكثت عمرك كله حزينا؟ هل سيغير من أمرك شيئا؟! أنت قطعا ستقول من أعماق قلبك: لا. إذن فلماذا الحزن؟ ولماذا الكآبة؟ ولماذا الشعور بالدونية؟! لماذا لا أعتبر ذلك حافزا للتفوق وللتميز وللنجاح؟ والله! إني لأعلم رؤساء دول بعضهم من وصل إلى مثل هذا المستوى من قصرك ورغم ذلك يحكم دولة بكاملها، واقرأ التأريخ، فاتق الله تعالى في نفسك، واعلم أن الله تبارك وتعالى ما قدر لك إلا الخير، وحول هذا القصر إلى حافز من خلاله تستطيع أن تتميز بين إخوانك، ولعلك أن تكون الأول على دفعتك وأن تكون متميزا بينهم وأن تحقق أعلى الدرجات فتصبح معيدا ثم دكتورا فأستإذن، ولعلك تصبح ذا شأن عظيم بسبب هذا الأمر.
بعلمك تجبر الناس على احترامك، بأخلاقك تجبر الناس على احترامك، بقدرتك على إدارة نفسك وإسعاد من حولك تجبر الناس جميعا على احترامك.
أتمنى أن توفق لذلك وأن تصرف عنك هذه الهواجس والنزغات الشيطانية النفسية، وأن تعلم أنك على خير وأن الله ما قدر لك إلا الخير، وأن تعتبر ذلك حافزا لكي تكون متميزا وتسجل اسمك في سجل الخالدين، وما ذلك على الله بعزيز. أتمنى لك التوفيق والسداد وأرجو وأؤمل أن تأخذ بنصيحة والدك وأن أسمع عنك خيرا في القريب العاجل.
والله ولي التوفيق.