السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لي صديقة تمر بظروف سيئة، حيث إنها كانت مخطوبة في الماضي لشخص تحبه ويحبها بجنون، ولكن تدخل الأهل حال دون إكمال الزواج، حيث اختلفوا على المهر؛ مما أدى إلى فسخ الخطوبة، ورضخ الخطيبان لقرار الأهل، وتزوجت صديقتي فيما بعد برجل مثقف وحنون، ولكن زواج عقل، والآن مضى على زواجهما 10 سنين إلا أنها ولغاية الآن لم تستطع نسيان حبيبها الأول الذي تزوج وأنجب أطفالا، وأيضا هو غير سعيد برأي من حوله، وهي لم يكتب لها الأولاد، إنها تعيش حالة سيئة، وتراه في أحلامها دائما، وحاليا تفكر بالطلاق خوفا من أنها تخون زوجها بتفكيرها بالماضي، علما أنها ملتزمة دينيا.
ولأنها لا تستطيع نسيان خطيبها الأول فترى أن الطلاق هو الأفضل.
أرجوكم ما الحل؟ فقد نصحتها كثيرا ولم تسمع، ومصرة على الطلاق، فما الوسيلة لنصحها؟
ولكم جزيل الأجر والثواب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يجزيك خيرا عن الإسلام والمسلمين، كما نسأله جل جلاله أن يصلح حال صديقتك وأن يذهب هذه الوساوس عنها، وأن يخرج هذه المحبة من قلبها، وأن يملأ قلبها بمحبته جل جلاله، ومحبة نبيه - عليه صلوات ربي وسلامه – ومحبة زوجها الشرعي، وأن يرزقهما ذرية صالحة.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإن الله تبارك وتعالى جلت قدرته خلق الإنسان وكرمه بنعمة ألا وهي نعمة العقل، العلماء متفقون على أن أعظم نعمة بعد نعمة الإسلام إنما هي نعمة العقل؛ لأن العقل يعقل به الإنسان عواطفه ومشاعره، ويضبط به تصرفاته وأنماط سلوكه، وهذا هو الذي ميزنا الله به عن سائر المخلوقات، كما قال: ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا))[الإسراء:70]، قال جمهور العلماء بأن العقل هو سبب هذا التميز وهذا التكريم والتفضيل.
ولذلك أختنا الكريمة هذه أنا أتعجب أنها ملتزمة دينيا كما ورد في سؤالك، ورغم ذلك فإنها ما زالت متعلقة برجل شاء الله ألا يجعله من نصيبها، فنحن نعلم أن الإيمان بالقدر أحد أركان الإسلام الستة، وأن المؤمن ينبغي عليه أن يعلم أن ما قدره الله فهو كائن، وينبغي على أختنا الكريمة أن تعلم أنه لو كان لها في هذا الشخص الذي تحبه من نصيب لزوجها الله تبارك وتعالى إياه، ولكن شاء الله ألا يكون لها؛ لأن الله كتب له نصيبا مع امرأة أخرى أنجب منها أولادا، وكتب لها نصيبا مع رجل آخر لم تنجب منه ولعلها أن تنجب أو لعل محبتها له وعدم إقبالها قلبيا عليه من أسباب عدم الإنجاب، وهي ستسأل عن ذلك بين يدي الله تعالى.
زواج العقل أفضل من زواج الحب؛ لأن الحب وحده لا يكفي لإقامة حياة زوجية مستقرة، وإني لأعلم عبر هذه التجارب التي نخوضها في الاستشارات وغيرها أن كثيرا من حالات الحب الشديد والعنيف قبل الزواج يترتب عليها فشل بعد الحياة الزوجية، أما الحياة التي تقوم على العقل والحكمة والمنطق فهي حياة أدوم وحياة أفضل وحياة أضبط وحياة أهنأ وأسعد، ولكن نظرا لأنها شغلت بهذا الرجل فما استطاعت أن تحب زوجها الذي أكرمه الله تعالى بصفات طيبة مباركة، رجل مثقف وحنون ولم تنكر عليه شيئا في خلقه أو دينه؛ ولذلك أقول لها: أختي الكريمة ينبغي عليك أن تتوبي من هذه الهواجس وتلك الأفكار.
قد تقول إنها ليست هواجس ولكنها حقيقة أقول: نعم، ولكنك ما زلت تعيشين بتفكيرك في هذه الأشياء، ما زلت تفكرين كل يوم وتتمنين هذا الأمر وهذه مشكلة؛ لأنه كان المفروض منك بمجرد أن تزوجت هذا الرجل أن تطردي هذه الأفكار وأن تخرجيها من رأسك، أما أنت الآن تتكلمين بها وتنعمين بها، وتتمنين أن تعودي مرة أخرى لرجل قدر الله ألا يكون من نصيبك فما الذي يحدث؟ أنت أختي الكريمة ما زلت تستصحبين الحالة الماضية، ما زلت تعيشين في حياة قبل عشر سنوات في عاطفتك؛ ولذلك لا يمكن أن تخرجي منها أبدا بهذه الكيفية، الواجب عليك الآن حتى تريحي نفسك وحتى تتقي الله في زوجك، وحتى تكونين وفية معه بارة به أن تطاردي هذه الأفكار، وأن تقنعي نفسك بأن هذا هو قدر الله تعالى، وما دمت مسلمة وملتزمة دينيا فينبغي عليك أن ترضي بما قسم الله لك، الله عز وجل جعل هذا زوجك شرعا، وجعله من قسمتك، وجعل الأخ الآخر ليس لك بأهل وأنت لست له بأهل، فلماذا تعيشين معه بقلبك وقد أصبح زوجا لامرأة أخرى وأنت أصبحت زوجة لرجل آخر؟!
إن هذا يتنافى مع شرع الله تعالى؛ ولذلك أقول: إن العلاج الأمثل أن تبدأ صاحبتك هذه – نسأل الله أن يغفر لها – في مطاردة هذه الأفكار، كل ما ورد بخاطرها هذا الشيء استغفرت الله تعالى وقامت بتغيير هيأتها التي هي عليها، فإذا كانت نائمة تجلس وتستغفر الله عز وجل، وإذا كانت جالسة تقوم لتمشي وتتحرك وتستغفر الله عز وجل أيضا، وإذا كانت واقفة تتحرك وتستغفر الله عز وجل، وإذا كانت في غرفة تخرج إلى غرفة أخرى وتستغفر الله عز وجل، وتظل تطارد هذه الأفكار وتستغفر الله عز وجل، لا حل لها إلا هذا حقيقة، مطاردة الأفكار هو أعظم علاج - بإذن الله تعالى – هذا العلاج العملي.
أما العلاج النظري المعنوي هو الدعاء، أن تدعو الله تعالى أن يخرج الله محبة هذا الرجل من قلبها، لأني أرى أنها مستسلمة لأفكارها، أنها مصاحبة لتاريخها القديم، ولذلك تفكر في طلاق زوجها الشرعي لعلها أن تتزوج هذا الرجل وقد لا يتزوجها، قد لا يتيسر لها، فرضا أنه مستريح مع امرأته أو غير مستريح ما شأنك أنت بهذا، هذا أمر لا دخل لك فيه – أختي الكريمة – أساسا، لا دخل لك فيه لا من قريب ولا من بعيد، يتعذب أو لا يتعذب هذا ليس شأنك، يعيش مع امرأته في سعادة أو نكدا أو حزنا هذا ليس شأنك، أنت مع زوج إذا طرأت الأفكار هذه على ذهنك وأنت معه ينبغي أن تطارديها وأن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، صدقيني أختي الكريمة والله لو طاردت هذه الأفكار منذ أن تزوجت لكنت الآن ولا في رأسك أي شيء من هذا التفكير، ولكنك أنت تستمتعين بالذكريات الماضية، وتأنسين بها، وتحاولين أن تتبعي سيرة الرجل وكأنك تعيشين معه، وهذا سبب معاناتك وسبب مشكلتك، ولذلك أقول: من الآن عليك بأمرين:
الأمر الأول: الدعاء والتضرع إلى الله والإلحاح أن يعافيك الله من هذا التعلق ومن هذه المحبة، وأن يخرجها من قلبك نهائيا.
الأمر الثاني: إنما هو الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب على صورتين:
الصورة الأولى: مطاردة هذه الأفكار القديمة، كلما وردت بخاطرك تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم وتغيري وضعك؛ لأني أكاد أن أجزم بأنها من الشيطان؛ لأن الشيطان يعدكم الفحشاء، الشيطان يأمرنا بالفحشاء ويعدنا بالباطل والمنكر، والله تبارك وتعالى بين ذلك: ((الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم))[البقرة:268].
فإذن لابد لك أختي الكريمة من طرد هذه الأفكار.
الصورة الثانية: ألا تتبعي أبدا سيرته، لا تتبعي أخباره لا من قريب ولا من بعيد، ولا تشغلي بالك به، وكل ما ورد بخاطرك استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ولا تفكري في طلب الطلاق من هذا الرجل الفاضل، وإنما أخلصي له وأقبلي عليه بقلبك قبل جوارحك، واسألي الله أن يرزقك منه ذرية صالحة؛ لأن هناك كثيرا من علماء النفس يرون أن عدم محبة المرأة لزوجها يكون سببا من أسباب عدم الإنجاب، فأنت مسئولة عن ذلك الآن، فاخلعي عنك هذه الأفكار الشيطانية وعيشي حياة طبيعية ولا تفكري في الطلاق أبدا؛ لأنه لن يكون في صالحك، لا في دينك ولا في دنياك، وأقبلي على زوجك، وطاردي هذه الأفكار القديمة، وسلي الله أن يبارك لك في زوجك وأن يجمع بينكما على خير وأن ينزل محبته في قلبك وأنا واثق من أنك ستعافين - بإذن الله تعالى – وستكونين زوجة صالحة طيبة مباركة، وعما قريب سترزقين بذرية صالحة تحمدين الله تبارك وتعالى عليها.
أسأل الله أن يعينك على ذلك وأن يغفر لك ما سوى ذلك، وأن يرزقك ذرية صالحة، وأن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.