السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي قد تبدو صغيرة ولكنها عندي كبيرة؛ لأنها تشغل بالي وتؤرق معيشتي، وتشعرني دائما بالنفاق، أنا منذ خمس سنين - بحمد الله وبإذنه وتوفيقه - قمت بتغيير شامل في حياتي، تركت التدخين، وحافظت على الصلاة في المسجد وصحبت بعض الصالحين، ظننت في ذلك الوقت أنني التزمت - الحمد لله - ولكن بقي شيء واحد لم أستطع التخلص منه، هو النظر إلى النساء، حاولت وحاولت، وكلما مشيت قليلا إلى الأمام أرجع ثانية إلى الخلف، وعلمت أن من الوسائل المساعدة على غض البصر هي الزواج، فقررت أن أتزوج - ولله الحمد - تزوجت ويسر الله لي الزواج تيسيرا لم أشهده على أحد من قبل، ولكن حدث العكس، فبدل أن تهدأ شهوتي زادت، ولم أستطع أن أتوقف عن النظر إلى النساء، هذه مشكلة.
أما الثانية فبعد أن التزمت أصبت بوسواس قهري في ذات الله استمر معي إلى ما يقرب من ثلاث سنين، الآن - الحمد لله - انتهى الوسواس، ولكن بقيت آثاره إلى الآن، فأنا أجد الطاعات ثقيلة جدا، ولا أريد أن أتفكر في أي شيء في الدين حتى لا يرجع الوسواس ثانية أو أن يلقي الشيطان شبهة في قلبي فتهلكني.
أنا الآن أشعر بالنفاق لأني لا أستطيع أن ألتزم حق الالتزام، ولا أقدر أن أترك هذا الطريق؛ لأني على يقين أن هذا هو الطريق الصواب.
فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ العلاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك لك، وأن يثبتك على الحق، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يعافيك من النظر المحرم، وأن يذهب عنك الوساوس القهرية، وأن يرد إليك الإيمان، وأن يملأ قلبك بمحبة الله ورسوله، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإني أحمد الله تبارك وتعالى أن أكرمك الله تبارك وتعالى بهذا التغيير الشامل الذي قمت به في حياتك، فهذا عمل رائع، وهذا عمل عظيم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على محبة الله لك وتوفيقه إياك وإكرامه لك في أن تظل في دائرة الإيمان والإحسان، ونسأل الله أن يعينك ويثبتك على الحق.
ولكن كما تعلم أن الشيطان – لعنه الله – كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (قعد لابن آدم بأطرقه كلها فما من طريق إلا ويكون على رأسه الشيطان) بل إن أي عمل من الأعمال يحضره الشيطان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شأن من شؤونه أو أمر من أموره) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.. يحضر مع الإنسان عند الأكل وعند الشرب وعند النوم وعند السفر حتى عند إتيان الرجل أهله، كما قال تعالى: (( واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ))[الإسراء:64]، فالشيطان – لعنه الله – عز عليه أن تتركه بعد هذه الرحلة الطويلة وبعد هذه الصداقة الحميمة؛ ولذلك يحرص على أن ينغص عليك هذه التوبة ويكدر عليك صفو الإيمان.
لقد أكرمك الله تبارك وتعالى بتيسير شأن الزواج؛ لأنك فعلا عندما كنت تنظر قبل الزواج إلى النساء أكرمك الله تبارك وتعالى بالحل الناجع - وهو الزواج – بسهولة وتيسير – كما ذكرت – حتى إنه أكرمك بشيء لم يكرم به كثيرا من الرجال، هذه النعمة العظيمة – أخي الكريم العلاء – كانت تقتضي منك الشكر، والشكر لله تبارك وتعالى بأن تتقي الله تعالى في نفسك؛ لأن هذا الآن يعتبر ضعفا في إيمانك، ويعتبر ضعفا في عزيمتك، ويعتبر عدم وفاء منك لله تبارك وتعالى صاحب الفضل؛ لأن الأصل فيه - بارك الله فيك – أن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن من آثار الزواج أنه يعين على غض البصر، وتحصين الفرج.
كونك الآن مازلت تنظر إلى ما حرم الله هذا يعتبر عيبا فيك، هذا العيب يحتاج منك إلى قرار داخلي؛ لأنك حتى وإن تزوجت كل يوم فإنك لن تستطيع أن تتخلص من هذا إلا إذا قررت داخليا أن تتخلص من هذه المعصية؛ لأنك تعلم أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، وتعلم حكم النظر المحرم، وهذا أيضا سيؤدي بك لعدم الاستقرار مع زوجتك؛ لأنك قد ترى من هي أجمل منها وبذلك تضعف علاقتك مع زوجتك مع تكرار النظر؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام أمرك أن تصرف بصرك.
فمن هنا أقول لك – أخي علاء بارك الله فيك -: إن قرار التخلي عن النظر الحرام هو قرارك أنت شخصيا، ولو لم تبدأ بتغيير نفسك من الداخل كما غيرتها فيما مضى صدقني لن تتغير، الأشياء التي فعلتها والتغيير الذي أدخلته على نفسك رائع جدا، واعلم أن التدخين نفسه أخطر من النظر المحرم، فكونك تغلبت على عادة التدخين الذميمة وتغلبت على عادة ترك الصلاة بمقدورك أيضا - أخي العلاء – أن تتغلب على عادة النظر المحرم، ولكن أنت لازلت تستمرأ هذا - واسمح لي - فأنت لازلت ترغب في ذلك؛ ولذلك لم تدخل هذا في عملية التغيير؛ ولذلك استمرت معك.
أتمنى كما أخذت هذا القرار الرائع بترك التدخين والعودة إلى الصلاة بعد أن كنت تاركا لها، أن تأخذ قرارا رائعا وهو ترك النظر إلى الحرام، وكلما زينت لك نفسك أو سول لك الشيطان أو النفس النظر فغض بصرك واصرف وجهك إلى ناحية أخرى واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، أنت رجل قادر على اتخاذ القرارات القوية والجبارة والرائعة، وهذه تحتاج منك إلى قرار، وصدقني – والله – ستستريح راحة ما بعدها راحة؛ لأن إطلاق البصر أو الطرف في كل ما مرت أمامك لن يزيدك إلا حزنا وغما وكيدا.
واعلم – أخي العلاء حفظك الله – أن هذه المعصية هي التي تجرأ عليك الشيطان؛ لأن الشيطان يبحث عن أي معصية يدخل من خلالها، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الذكر حصن حصين، والعبد الذي يذكر الله تعالى حاله مع الشيطان كحال رجل يطارده العدو فلما وصل إلى حصن كبير دخل فأغلق الباب دونه فلم يستطع العدو أن يصل إليه، فالطاعة حصن حصين؛ ولذلك هذه المعصية التي تقع فيها وهي مسألة عدم غض البصر، الشيطان يستغلها ليتواجد في قلبك بصفة مستمرة، وللإغارة على قلبك وإلقاء تلك الوساوس في نفسك، وإضعاف همتك في العبادة وإشعارا بأن الصلاة ثقيلة، هذا كله من شؤم معصية النظر المحرم؛ ولذلك أقول – وأنا واثق إن شاء الله أخي العلاء – لو أن الله من عليك وقمت بغض بصرك عن الحرام صدقني هذا الوسواس القهري والآثار المترتبة عليه سوف تنتهي نهائيا - بإذن الله تعالى – لأنك الآن تعطي الشيطان سلاحا يقاتلك به وهو سلاح المعصية، أما لو أنك أغلقت هذا الباب فإن الشيطان لن يجد سلاحا ليستعمله ضدك.
وأنا أقول: جرب وأنت الحكم، ابدأ - إن شاء الله تعالى – وخذ القرار بقوة وشجاعة؛ لأن هذه المعصية أقل من التدخين، وهذه المعصية أقل من ترك الصلاة، فأنت قد نجحت في الأكبر فهل معقول أن تضعف أمام الأصغر؟! إن هذا الشيء غير معقول ولا منطقي، ولكن كما ذكرت الشيطان زين لك هذا الأمر ونفسك الأمارة بالسوء حريصة على ذلك حتى لا تتم عليك نعمة التوبة، ولكن قاوم وخالف النفس والشيطان واعصهما، وأنا أعتقد أنك ستنجح في ذلك، وبذلك ستنتهي هذه المشاكل كلها.
كونك تشعر بالنفاق أو غير النفاق هذا كله كما ذكرت من الشيطان فهو لا يريدك أن تفرح بالتوبة ولا يريدك أن تهنأ بالعبادة، وأنت تعينه – كما ذكرت – من خلال عدم غض البصر، فإذا ما غضضت بصرك فأقبل على الله تعالى واجتهد في مقاومة هذا الكسل الذي يأتيك، واستعن على الشيطان بالله تعالى، واستعن على الكسل هذا بالله تبارك وتعالى، وأكثر من الدعاء أن يعافيك الله، وأنا واثق أنك - بإذن الله تعالى – سوف تنتصر على الشيطان وعلى نفسك الأمارة بالسوء.
خذ قرارا شجاعا وقويا بأن تترك هذه المعصية، خذ قرارا أيضا بأن تحافظ على الصلوات مهما كانت نسبة التثاقل أو التكاسل عندك؛ لأن المسألة - أخي الكريم – مسألة (حزم وعزم) فإذا بدأت هذه الخطوة فسيمدك الله بمدد من لدنه وعون منه وستعان على الطاعة والعبادة؛ لأنك صاحب تجربة وصاحب خبرة، انتصرت في مواطن عظيمة وهذه المواطن أقل؛ ولذلك خذ القرار على أن تغير نفسك مرة أخرى، وثق وتأكد من أن الله قال: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11]، وقال جل وعلا: (( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ))[الأنفال:53]، فإذا غيرت ما بنفسك سيأتيك عون الله ومدده وتوفيقه وتأييده، وأتمنى أن تبشرنا بذلك قريبا.
والله ولي التوفيق.