السؤال
إنا فتاة ملتزمة بالصلاة والصيام، وبفضل الله زرت بيته الحرام معتمرة، وأنوي تجديد العمرة هذه السنة، ولكن مررت بظروف صعبة في حياتي الدراسية فلذت بالنت ودخلت مواقع إسلامية، ومنتديات لصناع الحياة في بلدي، وكنت بكامل جديتي، وهدفي رضاء الله وملء الفراغ وإدخال نوع من التغيير على حياتي، فما كان مني إلا أن دخلت الشات وهي لغة العصر لكي أتواصل مع أقاربي المغتربين، ولكن بعد فترة أضفت 3 شباب على بريدي الإلكتروني ولكن كنا نتحدث بحدود الأدب ونحث بعضنا على العبادة لكون مجتمعي يسوده نوع من الاختلاط، فلم ألاحظ أي خطأ فيما يحصل، إلى أن تقدم أحد الشبان لخطبتي، ولكن بسبب أنه من بلد مختلف رفضته، وما مر شهر أو أكثر إلا وطلب الشاب الآخر خطبتي فوافقت أن يأتي وقد أتى وطلبني من أهلي، ولكن لم أستطع الانسجام معه فرفضته.
ومررت بحالة نفسية سيئة ولجأت إلى الشاب الثالث الذي عرف بقصتي، ووقف معي ولكن ما مر أسبوع إلا وفتح معي نفس الموضوع ولكن مرت تسعة أشهر وما زال يعمل جاهدا على توفير الأمور المادية ليتقدم لي، إذ أن أهله أصروا على أن لا يتقدم لأي فتاة إلا إذا جهز نفسه، وأنا الآن حائرة بين أن يعرف أهلي بما يدور بيننا من أحاديث بالتفصيل ولا يرون أي خطأ بذلك وأن أنتظر حتى يحسن نفسه، وبين أن هناك ما لا يريحني من ناحية هذه الفترة وماذا تسمى؟ وهل حرام أم حلال كون أن الأهل يعرفون ما يجري ورغم ذلك ما زال الحديث ضمن حدود الأدب، وقد تأكدت من أغلب كلامه ووجدت أنه ذو خلق ودين ويحافظ على الصلوات في الجامع؟
وهل يفضل أن أنهي هذا الموضوع وأقبل بأن أقابل خاطبين جدد؟ والمتقدمين لي بالطرق التقليدية ليسوا قليلين وأمي تساعدني على ألا أدخل إليهم حتى يأتي الشاب (مع العلم أنني لم أكن أسعى للزواج وما زلت أجد أنها مسئولية مازلت صغيرة عليها) ولكن بطريقة أو بأخرى أحببت الشاب.
وسؤالي: هل أنتظر حتى يؤمن ما هو مطلوب منه حوالي سنة ونصف ثم ننظر للموضوع أم ألغيه الآن وأترك المستقبل لوقته؟ ولاحظت أنني بدأت أشعر بضيق في نفسي بين أن هذا حرام أم حلال.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جورية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير وأن يوفقك لكل خير، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك التزاما وصلاحا وهدى وتقى، وأن يرزقك زوجا صالحا يكون عونا لك على طاعته، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة جورية – فإن لي معك وقفة - اسمحي لي - أبدأ بها فيما يتعلق في الدخول إلى الإنترنت، فالإنترنت – كما نعلم – غابة واسعة وصحراء شاسعة وبحر محيط، ولذلك ما أن يدخله الإنسان بغير هدف ولا غاية إلا ولابد أن يغرق في أوحاله، ولذلك حقيقة نصيحتي التي أحب أن أوجهها لك ولكل أخت تعرفينها ممن لك بينهم علاقة ألا يدخل أحد إلى هذا الجهاز إلا إذا كان قد حدد هدفه مسبقا؛ لأن عدم تحديد الهدف يترتب عليه التيه والضياع وقد تعثري على شيء لم يخطر لك ببال فتتغير حياتك كلها رأسا على عقب، وغالب الذين دخلوا الإنترنت بغير هدى وقعوا على أشياء – خاصة الأشياء المحرمة – وتعلقوا بها فأفسدت عليهم دينهم ودنياهم وأصبحوا يعانون معاناة مرة ولا يستطيعون التخلص من هذا الإدمان إلا بشق الأنفس، وكثير منهم لم ينجح في ذلك، فأنا نصيحتي لك بداية - أختي أو ابنتي الكريمة على اعتبار أنك في مثل سن أولادي – أن تتوقفي عن هذا الأمر بداية وألا تدخلي إلا للحاجة الضرورية، فإذا كان لك حاجة فتوكلي على الله وإذا لم يكن لك حاجة فأنصحك ألا تضيعي وقتك؛ لأنك ستسألين عن هذا الوقت بين يدي الله يوم القيامة، ولعله لا يخفى عليك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن عمله فيما عمل فيه).
إذن أعمارنا سنسأل عنها دقيقة دقيقة، ووالله - الذي لا رب لي ولك سواه – سوف نبكي بدل الدمع دما يوم القيامة على تلك الأوقات التي ضاعت في غير منفعة ولا طائل، لا ازددنا منها علما نافعا في الدين ولا علما نافعا في الدنيا، وإنما أوقات ضاعت سدى وهباء منثورا وأعمار فنيت بغير فائدة، حتى وإن كان هناك فائدة فهي متواضعة جدا للغاية لا تستحق هذه التضحيات الكبيرة التي يقوم بها الإنسان.
فأتمنى بداية أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الزلل ومن هذا الخطأ وأن تعقدي العزم على ألا تدخلي النت إلا إذا كان لك هدفا محددا تقصدين شيئا معينا ولا تفتحي غيره ولا تنظري فيما سواه.
الأمر الثاني أيضا وهي النصيحة المتعلقة بهذا الجهاز، فأعتقد أن الجهاز فيه رجال ونساء، وفيه شباب وفتيات، فلماذا تحرص الأخوات على الكلام مع الرجال حتى وإن كانت ملتزمة؟! اسمحي لي أن أقول لك أختي جورية: أنت فتاة ملتزمة ومحافظة على الصلاة والصيام وزرت بيت الله الحرام وفي نيتك عمل عمرة قريبا، ما الذي جعلك تتكلمين مع الشباب الأجانب الذين ليسوا لك بإخوة وليسوا لك بأعمام ولا أخوال، وإنما هم أناس لا تعلمين عنهم شيئا، هل تستطيعين أن تثبتي لي بأن هذا الأمر شرعي؟ هل هناك أحد من عقلاء الدين - أو مجانين الإسلام - يقول بأن هذا الكلام كله مباح؟! قطعا لا يمكن؛ لأن كلام امرأة مع رجل لفترة طويلة من الزمن يؤدي إلى نوع من التعلق القلبي، وقد تخرج عبارات في بداية الأمر منضبطة ولكن مع طول الزمن سوف تفقد انضباطها وتصبح وبالا على صاحبها يوم القيامة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (وإن الرجل ليتكلم الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا فيهوي بها في نار جنهم سبعين خريفا).
لماذا الشباب بالذات دون الأخوات؟ ألا يوجد هناك آلاف بل الملايين من الأخوات موجودات في هذه المواقع؟ بمقدورك إذا كنت تريدين الخير فعلا أن تتواصلي معهم وأن تتكلمي معهم وأن تفتحي معهم الحوارات الهادفة البناءة؛ لأن المسلمين في أمس الحاجة إلى هذا اللون من الترفيه عندما تتكلم الأخت مع أخت مثلها، تصدقها النصيحة وتواجهها لله تعالى، فهذا بالنسبة لها شيء طيب ورائع، أما الملاحظ والمشاهد – مع الأسف الشديد – أن الرجال لا يتكلمون إلا مع النساء والنساء لا يتكلمن إلا مع الرجال.
هذا يدل على أن قضية الالتزام هذه قضية صورية وليست حقيقية، وأنا كما ذكرت هذا بسبب الدخول بغير هدف، ولكن لو أنك فعلا جادة وتريدين الله ورسوله خصصي اتصالاتك بالنساء فقط، ولا تتكلمي مع أي رجل، لا حوار هادف ولا غير هادف، ولا كلام مؤدب ولا غير مؤدب - يا أختي – لأن هذا كله لا ينبغي شرعا ولا يليق، أنت لو قدر الله تزوجت برجل ووجدته يتكلم على هذا الشات مع امرأة أخرى بالله عليك هل تقبلي هذا؟ ولو تزوجت رجل الآن وأنت في عصمة رجل ووجدك تدخلين بالساعات الطوال على هذه المواقع وتتكلمي مع الرجال هل يقبل هذا؟ إذا كان أهلك يقبلون فهذا لضعف دينهم ولقلة علمهم، ولكن لا يوجد رجل عنده أدنى مروءة أو رجولة أو شهامة يقبل أن زوجته تتكلم مع رجل أجنبي عنها، أو أي امرأة عندها نوع من الفضل والاحترام لذاتها تقبل أبدا أن يتكلم زوجها مع امرأة أجنبية لا في النت ولا في الهاتف ولا في غيره.
إذن هذا الذي فعلته - أختي – كله ليس صوابا وليس صحيحا، ولذلك أقول:
احمدي الله تعالى أن عافاك من هذا البلاء، واتركي هذه المسائل كلها - بإذن الله تعالى – وهذا الأخ الذي أيضا أمامه فرصة رغم أنه أيضا تعارف معك بطريقة غير شرعية إلا أني أقول بأنه رجل صادق لأنه قال لك لا تنتظريني واقبلي من يأتيك من الخاطبين، وأرى أن هذا هو الحل الأمثل.
في حالة إذا كنت ترغبين أن تتزوجي فعلا مبكرا، فأولا أنت كما ذكرت مازلت صغيرة – عشرون عاما – أمامك نساء وصلن إلى الثلاثين ولم يتزوجن بعد، فلماذا العجلة إذن؟ إلا إذا كنت ستتزوجين وتمكثين في بيتك غدا، بمعنى أنك لم تواصلي الدراسة، أما إذا كانت لك رغبة في مواصلة الدراسة ومصرة على ألا تتركي الدراسة إلا بعد نهاية الجامعة، فأنصحك ألا ترتبطي بأي أحد لا بخطبة ولا بعقد ولا بغيره؛ لأن هذه المدة الطويلة - أختي الكريمة – قد تحدث فيها تغيرات وتقلبات وتحدث مشاكل لا يعلم بها إلا الله تعالى، ولذلك – ابنتي جورية – أقول لك هذا الكلام - بارك الله فيك – فإذا كنت سترغبين فعلا في مواصلة الدراسة فأنصحك ألا ترتبطي بأحد – أي ارتباط – أما إذا كنت على استعداد أن تتركي الدراسة لتتزوجي وتصبحي زوجة وأما فلا تنتظري الدراسة وابدئي من الآن - بإذن الله تعالى – إذا تقدم إليك شاب متوفر فيه الصفات الشرعية (الدين والخلق) إضافة إلى القدرة على الإنفاق ورعاية الأسرة والقيام بشؤونها، فإذا ما أكرمك الله تبارك وتعالى برجل صالح صاحب خلق ودين كما أوصاك نبيك الكريم عليه الصلاة والسلام وعلى استعداد الآن أن يتزوجك فتوكلي على الله وابدئي حياتك الزوجية - إن شاء الله تعالى – مبكرا وسيبارك الله لك بركة عظيمة وسيرزقك الله بذرية صالحة تكون عونا لك على طاعته وحجابا لك من النار.
الزواج المبكر خير وبركة، لأنك ستكونين على رأس الثلاثين وما شاء الله تبارك الله أبنائك عمرهم تسع سنوات، وإذا وصلت الأربعين أصبح أولادك وبناتك في سن الزواج كسنك أنت الآن، فالزواج المبكر خير وبركة، فإذا كنت على استعداد ولديك رغبة في ذلك وليس عندك مانع من ترك الدراسة فلا تردي الخطاب الذين يأتونك الآن وابحثي فيمن تتوافر فيه الشروط الشرعية وتوكلي على الله واستعيني بالله.
أما إذا كنت مصرة على أن تواصلي الدراسة فنصيحة أب لابنته لا تتعلقي بأحد مطلقا، لا بخطبة ولا بعقد ولا بغيره؛ لأن هذه أمور غير مأمونة العواقب، ومن خلال هذا الموقع نحن نرى كثيرا من المشاكل والمآسي تحدث نتيجة طول فترة انتظار واختلاف وجهات النظر، لأننا اليوم لنا رؤيا وبعد عام لنا رؤيا أخرى، فما بالك بعد أربعة أعوام قطعا ستكون الآراء هنالك مختلفة تماما!
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد وأن يشرح الله صدرك للذي هو خير وأن يعينك على ما فيه رضاه.
والله الموفق.