أفكار وسواسية وشكوك في العبادات وأمور الدين

0 701

السؤال

أنا شاب في كلية الآداب، الحمد لله أنا أراعي الله، وأحب أن لا أعصيه أبدا، وأزيد من عبادتي له بقيام الليل والنوافل والصوم، ولكن الشيطان دائما يأتي إلي بأسئلة غريبة يكاد عقلي يتشتت، يشككني دائما في كل شيء، إذا كنت أصلي مرة يقول لي إن صلاتك باطلة، وإن ربنا لا يقبل منك، وربنا لا يرضى ولن يستجيب لأي سؤال لي، وأوقات يدخل في أمور ثانية مثل أني أفكر في الدين هل هذا هو الدين الصحيح؟

ويقول لي: أنت مسلم بالفطرة، مجرد أن أهلك السبب. والعياذ بالله يأتي لي أسئلة غريبة تشككني في إيماني وفي ديني! مثلا هل محمد صحيح نبي؟ هل القرآن من عند الله؟ هل كلام المسيحين عن الإسلام صحيح في أن محمدا رجل مؤلف للقرآن؟ -والعياذ بالله- كل هذه الوساوس تحدث لي وأنا أخاف جدا حيث أظن أن هذه الوساوس من الممكن أن تؤدي بي إلى الكفر والعياذ بالله.

فردوا على سريعا واذكروا لي الحل، واذكروا لي كيف أثبت على الطاعة وعلى الإيمان بالله ودينه؟ وكيف أزيد من خشوعي وطاعتي لله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Salahelden حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجعلك من العباد العاملين والأولياء الصالحين ومن الدعاة إليه على بصيرة، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الفاضل صلاح الدين- فإني أحمد الله تعالى أولا إليك أن أكرمك بهذه العبادات وأن من عليك بهذه النعم العظيمة، مراعاة طاعة الله تعالى وكره المعصية، وقيام الليل وصلاة النوافل والصوم، هذه أعمال الأنبياء وأعمال الأولياء، أكرمك الله تبارك وتعالى بها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله يحبك وأن الله قد اصطفاك خاصة في هذه المرحلة الحرجة من عمر الإنسان، وأحب أن أبشرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (عجب ربك من شاب ليست له صبوة)، ومعنى صبوة: أي النزوات والهفوات والعثرات والمعاصي والمنكرات. وأيضا أبشرك بقوله صلى الله عليه وسلم كذلك: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله).

فهذه الأعمال العظيمة التي أكرمك الله بها – ولدي صلاح الدين – إنما هي أعمال يحبها الله تبارك وتعالى، وهي أعمال يتمناها كل مسلم صادق أن يلقى الله تبارك وتعالى عليها، وبما أن الله قد من عليك بهذه النعم وأنت في هذه السن فإن الشيطان يغيظه أن تكون من أولياء الله وأنت مازلت في هذا السن؛ لأنه يقول: إذا طال به العمر فماذا سيفعل هذا الشاب الذي يؤدي هذه الأعمال رغم أنه يعيش في الفتن ويعيش وسط الاختلاط والإغراءات؟ ومن هنا فإن الشيطان يركز عليك – يا ولدي – تركيزا شديدا لأنه عجز أن يمنعك من مراعاة شرع الله وعجز أن يزين إليك المعاصي وعجز أن يمنعك من قيام الليل أو صيام النهار فبدأ يدخل عليك من جهة القلب؛ لأنه عجز عن تعطيل جوارحك عن العبادة والطاعة فبدأ يدخل عليك من جهة ما يعرف بالشبهات، الشبهات هي عبارة عن سلاح يستعمله الشيطان يقذف من خلاله الشبه أمام الإنسان، يقذفها في قلبه كتلك الشبه التي وردت في رسالتك، فكل ما ذكرته في رسالتك –ولدي صلاح الدين– إنما هو شبه يقذفها الشيطان في قلب العبد المسلم، لماذا؟ لأنه – كما ذكرت – عجز أن يحول بينك وبين الطاعة الظاهرة فبدأ يتسلط على قلبك، وسيظل كذلك ولن يتوقف إلا إذا حدث لك ما يلي:

الأمر الأول -أخي الكريم- كأني لمست من قراءة رسالتك -ولدي صلاح الدين- لعلك تقرأ بعض الكتب الخاصة بالشبهات أو تدخل على بعض المواقع التي تطعن في الإسلام أو تستمع إلى بعض المغرضين الذين يعرضون باطلهم من خلال الفضائيات، لأني ألمس هذا والله أعلم قد أكون صادقا أو قد أكون مخطئا أو مصيبا، ولذلك أول شيء -ولدي صلاح- أن تتوقف عن ذلك نهائيا؛ لأن هذه الشبهات إذا استقرت واحدة منها في قلبك فكل هذه العبادات لن تغني عنك من الله شيئا، شبهات خطيرة؛ لأن الشيطان يبدو أنه عرف أنك قوي في عبادتك وأنك حريص على أن تكون متميزا في دينك فسلط عليك قدرا هائلا من الشبهات حتى يفسد عليك هذه العبادة فتؤديها ولكنها لا تقبل لأنك تحمل شكا في الله تعالى أو في دينه أو في نبيه صلى الله عليه وسلم .

ولذلك أقول: إن ما تتعرض له الآن إنما هو هجمة شرسة من الشيطان لعنه الله، ولذلك فأول سلاح تستعمله ضده: عدم الاستماع أو القراءة أو الدخول على أي موقع أو أي جهة من الجهات التي تروج للباطل ضد الإسلام؛ لأن هذه الشبهات خطيرة – يا ولدي - كما ذكرت. هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني - بارك الله فيك – كثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فدائما تكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

ثالثا: كل ما جاءتك هذه الأفكار أو بعضها فاتفل عن يسارك وغير وضعك الذي أنت عليه، بمعنى أنه إن جاءك وأنت نائم فقم واجلس واستعذ بالله تعالى، وإذا جاءك وأنت جالس فتحرك واستعذ بالله تعالى، وإذا كنت وحدك فحاول أن تختلط بغيرك، فيمكنك أن تمشي في نفس الغرفة أو تخرج من غرفة إلى غرفة، أو تخرج إلى الشرفة، المهم أن تغير واقعك الذي أنت فيه لأنه إذا جاءت هذه الأفكار وأخذت من عقلك فترة بسيطة فإنها تتحول إلى قلبك مباشرة، فحاول أن تقطعها في أول أمرها بأي شيء ولو أن تقرأ جريدة أو مجلة أو كتاب أو آيات من القرآن حتى لا تستسلم لها حتى لا تستقر في قلبك.

رابعا: المواظبة على هذه الأعمال الطيبة؛ لأن هذا مما يضيق على الشيطان نفسه ومما يحبط مكائده ويرد كيده إلى نحره، لا تتوقف عن هذه العبادات حتى وإن كانت هذه الشبهات موجودة؛ لأن الشيطان – ولدي صلاح الدين– ما ألقى هذا في قلبك إلا ليمنعك من هذه العبادات، فكونك مستمر عليها معناها كأنك تقول: اخسأ عدو الله فإني أحب الله ولن أخالف شرعه.

أيضا أتمنى لك - أخي الكريم – أن تجعل لك وردا من القرآن الكريم يوميا؛ لأن القرآن كما ذكر العلماء: القرآن للإيمان كالماء للزرع، فكما أن الزرع لا ينبت ولا ينمو بغير ماء فكذلك الإيمان لا يزيد ولا يقوى بغير القرآن وهو أصل الالتزام بشرع الله تبارك وتعالى واحرص على جميع الأعمال الصالحة، وكم أتمنى أن تتدبر قصص الأنبياء والمرسلين وقصص الذين ابتلوا في سبيل الله تعالى كأصحاب الأخدود عندما تقرأ سورة البروج أو قصة ماشطة ابنة فرعون وكيف أنها ثبتت رغم هذه التحديات الخطيرة ورغم أنه فعلوا بها الأفاعيل، هذه الأشياء – يا ولدي – تثبتك على الحق قطعا.

أيضا عليك بالدعاء لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، والله سبحانه وتعالى يحب أن يسأل ويحب الملحين في الدعاء، فألح على الله أن يعافيك من هذا البلاء.

أكثر -يا ولدي- من ذكر الله عز وجل؛ لأن الذكر حصن حصين، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضرب لنا مثلا: مثل الذاكر برجل يطارده العدو فظل يطارده حتى كاد أن يصل إليه فوجد أمامه حصنا مفتوحا فدخل فيه وأغلق الباب دونه فلم يتمكن منه عدوه. فذكر الله حصن حصين – يا ولدي - . أكثر من ذكر الله تعالى وأنت في الطريق من الكلية إلى المنزل أو العكس، تركب -قطعا- وسائل المواصلات وقد تستغرق منك وقتا طويلا، اجعل هذه الأوقات في ذكر الله عز وجل.

كذلك أيضا تنتظم ما بين المحاضرات وبعضها البعض، اجتهد أن تستغل الفراغات في ذكر الله سبحانه وتعالى جل وعلا، واعلم أنك على الحق، واعلم أن طريقك حقك ولا تتشكك في ذلك مطلقا.

أيضا أتمنى أن تقوم بدور آخر وهو دور إيجابي وهو ممارسة الدعوة إلى الله تعالى، حاول أن توظف هذه المعارف وتلك العبادات الطيبة في توجيه الناس إلى الله عز وجل، اعرض الخير على زملائك وعلى أصدقائك واجتهد في دعوتهم والصبر عليهم وتصبر معهم، لعل الله أن يجعلك سببا في إخراج هؤلاء من الغفلة إلى نور الطاعة والانتباه واليقظة.

هذا الأمر -يا ولدي- يجعلك أبعد ما تكون -إن شاء الله تعالى- من كيد الشيطان: ممارسة الدعوة عمل الأنبياء والمرسلين، على قدر استطاعتك، والذي لا تعرفه لا تتكلم فيه ولا تحول نفسك إلى مفتي حتى لا تقع في حبائل الشيطان مرة أخرى، وإنما حث على الطاعة وحث على صلاة الجماعة وحث على صيام النوافل وحث على قيام الليل.

أيضا أوصيك - يا ولدي - بأن تتواجد دائما مع العلماء والدعاة، اجتهد قدر الاستطاعة أن تكون كذلك، محاضرات في بعض المساجد، ندوات تعقد في بعض الأماكن، اجتهد أن تكون مع هؤلاء حتى يقوى عندك العلم الشرعي الذي يربطك بالله وتستطيع من خلاله أن تدفع عن نفسك كيد الشيطان.

أيضا عليك - يا ولدي - بالصحبة الصالحة فإن الصاحب ساحب، حاول أن تتخير لك من إخوانك أو زملائك في الجامعة أو من أصدقائك صحبة صالحة تعينك على طاعة الله، تأخذك إلى مواطن الخير وتدلك على مواطن الفلاح وعلى أعمال أهل الإيمان، إن كنت معها فإنك ستقوى بها، ولذلك سيدنا موسى – عليه السلام – كما تعلم عندما أرسله الله تبارك وتعالى إلى فرعون ماذا طلب؟ قال: (( واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري ))[طه:29-32]، فإن الله تبارك وتعالى -كما ورد- قال: (( قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ))[القصص:35]، فقواه الله تبارك وتعالى بأخيه، فالصحبة الصالحة – يا ولدي – أيضا من العوامل التي تعينك على الثبات وتدفع عنك كيد الشيطان - بإذن الله تعالى -.

الذكر والدعاء لا تنساه - بارك الله فيك – وهذه الوساوس - إن شاء الله تعالى – سوف تزول بهذه الأشياء، والوساوس الآن ولدي لها علاج دوائي تستطيع أن تعرض نفسك على أخصائي نفساني وهناك أدوية مشهورة في الصيدليات ولكن أفضل أن تكون عن طريق بعض هؤلاء، إذا تناولت هذه الحبوب لمدة شهر فإن كل هذه الوساوس سوف تزول من عقلك تماما - بإذن الله تعالى – ولكني أنصح باستعمال هذه الأشياء التي عرضتها عليك وذكرتها لك فإن فيها خيرا وبركة، وإن فيها مقاومة طبيعية وحقيقية لكيد الشيطان، إلا أنه لا يمنع من أخذ الأدوية المركبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع من ذلك، بل إنه قال: (تداووا عباد الله فإن الله ما خلق داء إلا وخلق له دواء علمه من علمه وجهله من جهله).

اجعل والدتك -إذا كانت موجودة- تدعو لك أو والدك أو بعض إخوانك أو بعض الصالحين من عباد الله الذين تحبهم، اجعل هؤلاء يدعون لك، واعلم أنك على الخير، وتأكد من أنك ستنتصر على الشيطان وثق وتأكد من أن الله لا يضيع أهله، ولن يتخلى عنك أبدا ما دمت تلجأ إليه؛ لأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن يجعلك من الدعاة العاملين والأولياء الصالحين.

والله ولي التوفيق.
-------------------------------
انتهت إجابة المستشار ولمزيد من الفائدة يرجى التكرم بالاطلاع على الاستشارات التالية والتي تتناول العلاج السلوكي لوساوس العقيدة: (244914 - 260030 - 263422 - 259593 - 260447 - 265121).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة

الاستشارات