السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يسرني كثيرا الاتصال بكم لأطرح عليكم مشكلتي، راجية من الله أن أجد حلها لديكم بعد أن اغلقت جميع الأبواب في وجهي.
مشكلتي تتمثل في أنني لا أحسن الكلام، ولا أقدر على القيام بأي محاورة مهما كانت بسيطة، ومهما كان الشخص الذي أتحاور معه فلا أعرف ماذا أقول، ولا كيف أقوله، ولا لماذا أقوله، ومتى أقول، بل حتى متى علي الكلام ومتى علي السكوت.
في البداية اعتقدت أن لدي خجلا أو رهابا معينا، لكني قمت ببعض التمارين التي خلصتني من بعض الأعراض التي كانت تصيبني أثناء الكلام، كخفقان القلب والاحمرار ... لكن الأعراض اختفت، والمشكلة بقيت، فالمشكلة لو كانت خجلا أو رهابا لكنت جيدة على الأقل في البيت مع أهلي، لكني أحاول الكلام بأي شيء في المنزل لأدرب نفسي على الكلام، فأقابل بانتفادات لاذعة، مثل: أنت تافهة، كفي عن الثرثرة، أنت مزعجة ... وأصبحت هذه التعابير تزعجني، وخفت أن تتسبب لي مشكلة نفسية أخرى، توقفت عن محاولة تعلم الكلام والمحاورة بهذه الطريقة.
حاولت الكلام مع نفسي ووحدي لكن الأمر لم ينجح، فأنا لا أدري ماذا أقول ولا أجد الكلام في رأسي أبدا، ولا أستطيع إبداء رأيي حتى في ما يقوله الشخص الذي أمامي، وأكتفي بقول نعم أو هز رأسي أو الابتسام حتى يعرف الشخص المتكلم أني منتبهة له، ولا أقدر على أكثر من هذا، لقد أصبحت بسبب هذا منعزلة، فقد تركتني معظم صديقاتي لقولهن أني مملة، وحتى اللاتي حاولن المحافظة على صداقتنا وجدتهن ينسينني تدريجيا حتى من دون قصدهن، ذلك أنهن لا يجدن عندي ما يذكرهن بي ( حتى بعض لحظات المؤانسة ).
أنا لا أعرف إن كان لهذه المشكلة حل غير أني أريد أن تخبرني على الأقل ما هي مشكلتي؟ ومم أعاني؟ وما هي أسباب مشكلتي؟ ولماذا لا أحسن الكلام كباقي الناس؟ أنا لا أريد أن أصبح ثرثارة، أريد فقط أن أتكلم ليعرفني الناس ولأعبر عن مشاعري، وليعرف الناس شخصيتي ومن أنا، أريد فقط الخروج من هذا السكوت الاضطراري، أريد أن أتكلم متى أشاء وأسكت متى أشاء دون أن أخطئ بحق نفسي أو بحق أي أحد آخر.
أرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم، ولكن أردت أن أفهمكم مشكلتي جيدا؛ لأن أملي بإيجاد الحل لديكم كبير.
وشكرا جزيلا لكم، وبارك فيكم لفتحكم هذه النافدة من الأمل، وجعلها الله في ميزان حسناتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روضة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أيها الأخت الكريمة - إن شاء الله - تفتح الأبواب أمامك، وتعيشين في خير وعلى خير.
أولا: الذي لاحظته في رسالتك أن لديك القدرة والقوة الكاملة على التعبير وبصورة منظمة ومرتبة ومنطقية جدا، إذن لغة العقل والمعرفة لديك مكتملة وكاملة جدا - بإذن الله تعالى - وهذا يجعلنا نطمئن كثيرا، وأن مشكلتك ليست بالحجم الذي تتصورينه، وأنا أعتقد أنه درجة من الرهاب الاجتماعي، ولديك درجة من الخوف الاجتماعي وضعف في الثقة النفسية، ولديك درجة من اهتزاز الثقة بالنفس، لكنك تراقبين أداءك بصورة حساسة.
الذي أود أن أوكده لك أنه يجب أن لا تعيري أي اهتمام لكلام الآخرين، الكلمات اللاذعة التي تقال لك مثل: (تافهة – كفى ثرثرة) هذه لغة في الأصل غير مقبولة، ومن تصدر منه مع احترامي له شخص لا يعرف قيمة التواصل الإنساني، يجب عليك أن تتجاهلي مثل هذا الكلام حتى وإن كان من أهلك، كوني صابرة صامدة، ولا تتفاعلي مع مثل هذه السلبيات.
الشيء الآخر: والذي أراه مهما هو أن تتناولي أحد الأدوية البسيطة التي تساعد في إزالة مثل هذا الخوف والكفاءة النفسية العامة، وذلك دواء يعرف سيروكسات ويسمى في الجزائر باسم ديروكسات، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة نصف حبة أي 10 ملم ليلا لمدة أسبوعين، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الحبة إلى نصف حبة لمدة شهرين ثم توقفي عن تناوله.
أنت تعانين من درجة من الرهاب الاجتماعي حتى وإن قلت أنك لا تشعرين به داخل المنزل ومع أهلك، والرهاب الاجتماعي تبقى منه درجة حتى حين تتفاعل مع من تعرف ومع من تألف، وهو في كثير من الحالات يؤثر على الإنسان خلال العقل الباطني، هذا الدواء - إن شاء الله - سوف يساعدك كثيرا، ويأتي بعد ذلك تحسين المهارات لديك، وخاصة الاجتماعية بصفة عامة، وحاولي أن تقرئي بعض المواضيع القصيرة وركزي عليها، وذلك حين تتاح لك الفرصة للتحدث عنها أو تكون المناسبة أو الموقف لائقا، ولا تتحدثي في موضوع معين، يمكنك أن تطرحي هذا الموضوع أي تكون لك الذخيرة ويكون لك المخزون الفكري التعبيري، يجب أن تتدربي على ذلك من أجل العلاج - قولي مثلا: سوف أزور صديقتي فلانة وسوف أبحث معها هذا الموضوع، حددي الموضوع ولا تزيدي ولا تنقصي – هذا نوع من التمارين المفيدة جدا، يأتي بعد ذلك الإكثار من التواصل الاجتماعي.
ويا حبذا لو كان لديك الفرصة للانضمام إلى إحدى الحلقات الدراسية النسوية خاصة حلقات التلاوة والدروس، وهنا يحس الإنسان بالطمأنينة ولا تتوجه إليه الانتقادات، على العكس تماما بل يقبل الإنسان بكل علله وبعد ذلك سوف تختفي النواقص أو الإخفاقات.
الشيء الآخر هو أن تكون لديك القوة والإرادة لإدارة الوقت، وهي شيء ضروري جدا لرفع الكفاءة النفسية وإعادة الثقة بالنفس، وخصصي وقتا للقراءة ووقتا للعبادة، ووقتا للتواصل، ووقتا للترفيه وهكذا، وهذا يشعر الإنسان بقيمته، وحين ترتفع القيمة الذاتية ترفع القدرة على التخاطب وعلى التحاور خاصة أن لديك رصيدا قويا من المعرفة كما هو واضح في رسالتك.
أنا أعتقد أن مشكلتك بسيطة إذا طبقت النصائح والإرشادات التي ذكرتها لك، مثل الدواء الذي وصفته لك، أعتقد أنك - إن شاء الله - سوف تكونين بخير، وأنت في نظري لست مريضة مرضا أساسيا إنما هو درجة من الرهاب البسيط، واهتزاز في الثقة بالنفس كما ذكرنا لك.
مجرد الازدياد في المعرفة أو من أجل زيادة المعرفة أود أن أنبه أن هنالك أنواعا من مرض الفصام وهو عقلية رئيسية يفقد فيه الإنسان حبل أفكاره ولا يستطيع أن يعبر، ولكن هذا بالطبع لا ينطبق عليك مطلقا لا من قريب ولا من بعيد؛ لأن رسالتك توضح مقدراتك، إذن أنت لا تعانين من علة عقلية أو علة عضوية تمنعك من التعبير.
أرجو أن أكون قد أوضحت لك بعض الشيء وأرجو اتباع الإرشادات السابقة، وواصلي في التمارين السلوكية التي تمارسينها والتي ساعدتك في تقليل درجة الرهاب لديك.
أسأل الله لك الشفاء والعافية، وبالله التوفيق والسداد.