الرسوب المتكرر في الاختبارات .. أسبابه وعلاجه

0 587

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب في السنة الثالثة من كلية الحقوق، وأعاني من مشكلة الرسوب في الامتحان، وما زلت أدرس في الجامعة منذ عام 2002، وأعمل في اليوم حوالي تسع ساعات، وأقوم بدراسة المادة الواحدة أكثر من مرة قبل التقدم للامتحان، وأبذل قصارى جهدي، وعند النتائج تكون المفاجأة وهي علامة الرسوب، علما بأنني أكون قد قدمت بشكل جيد، وهذه المشكلة تؤثر على حياتي الشخصية والعائلية والمهنية، كما تؤثر على نفسيتي، فماذا أفعل؟!

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فراس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك وأن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يوفقك للانتهاء من هذه الدراسة على خير، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه من المعلوم أن الله تبارك وتعالى حكمه عدل وأنه لا يظلم أحدا من خلقه، بل إنه حرم الظلم على نفسه، فقال جل جلاله: ((إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما))[النساء:40]، وقال أيضا سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)، وأخبرنا جل جلاله أنه لا يحب الظالمين وأنه لعن الظالمين وتوعدهم عذابا أليما في الدنيا والآخرة، وأخبرنا أيضا سبحانه بقوله: ((من يعمل سوءا يجز به))[النساء:123]، وقال: ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان))[الرحمن:60].

فالإسلام قائم على العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، فالله تبارك وتعالى حرم الظلم وحرم التجاوز وحرم الاعتداء وحرم ضياع الحقوق، وحرم هضم العباد، ولذلك حرم الكبر لأن فيه نوعا من احتقار الناس وتسفيه آرائهم، هذه هي قواعد دينك الذي أكرمنا الله تبارك وتعالى بالانتماء إليه، والواجب في المسلمين أن يكون هذا حالهم؛ لأن الله تبارك وتعالى ما وضع لنا هذا في كلامه إلا لنعمل به، ولا بينه نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته إلا لنلتزم به ونحتكم إليه، والقاعدة العامة في الناس الأصل أنهم لا يظلمون أحدا ولا يظلمون بعضهم بعضا؛ لأنه ليس هناك حاجة حقيقة إلى الظلم؛ لأن الظلم ظلمات في الدنيا وفي الآخرة، ولذلك فإن المؤسسات التعليمية غالبا ما يقوم نظامها على العدل والإنصاف وعدم ظلم أحد من أبنائها؛ لأنه ليست هناك مصلحة - فيما أعلم - أن يظلم معلم طالبا من طلابه، خاصة وأنه أحيانا قد لا يعلم عن هذا الطالب شيئا بل وقد لا يراه، ولكن قد تحدث بعض التجاوز في حالات فردية نادرة، وأما السواد الأعظم من أعضاء هيئات التدريس في أي جامعة من الجامعات فغالبا لا يتفقون على الظلم، وإن وجد فإنما هي حالات فردية قد توجد لدى البعض دون الكل.

ولذلك فإن المشكلة قد تكون في جانب آخر، وهو أنك تذاكر وتجتهد في إعداد المادة بل وحفظها ثم قد تفاجئ في الامتحانات أنك تكتب غير المطلوب أو أن الكلام الذي كتبته لم يرق للدكتور لأنه أراد غيره، حيث أنه فيما يبدو أنك لست متفرغا للدراسة، فإنك تعمل عملا آخر لمدة تسع ساعات وهو عمل شاق وعمل مهلك، ولذلك أنت تعتبر الدراسة مكملة لما أنت عليه، فهناك احتمال كبير بحكم أنك لا تحضر المحاضرات ولا تستمع إلى شرح الدكاترة والمدرسين فلعلهم يقولون شيئا أنت لم تسمع به، وأنت تعتمد على الكتب والمذكرات وفقط، وأحيانا قد يكون الدكتور يقول كلاما بعيدا عن هذا ويريدك أن تتقيد به، فيترتب عليه أن تكتب ما في الكتاب وهو لا يريده، وهذا يحدث الآن في الجامعات وبكثرة، فقد يشرح الدكتور أحيانا بعض الكلام ويقول هذا الكلام هو الذي منه الامتحان، وقد آتي من الكتاب بسؤال أو سؤالين مثلا على اعتبار أن الطلبة قد اشتروه أو أخذوه من الجامعة، وأما بقية الأسئلة فعادة ما تأتي من شرحه.

وعدم حضور هذه الشروح يترتب عليه أن تجيب إجابات ليست هي الإجابات المطلوبة، ومن هنا يأتي الإخفاق، وقد يكون السبب أيضا أنك تتوهم أنك ذاكرت مذاكرة جيدة وأنك حفظت المادة عن ظهر قلب في حين أن الأمر على خلاف ذلك، فإذا ما دخلت الامتحانات وضعت إجابة ليست مطلوبة أو بعيدة عن السؤال المطلوب، فليس كل جواب يوافق السؤال.

فهذا أمر وارد أيضا وذلك نتيجة ضغوط العمل والأمور النفسية والمهنية التي تعاني منها مما يترتب عليه أنك قد تجيب ولكن الإجابات ليست هي المطلوبة، فأتمنى أن تراجع إدارة الجامعة وأن تتكلم معهم بهدوء ورفق؛ لأن هؤلاء الناس إن أسأت معاملتهم أعرضوا عنك، ولكن تقدم بطلب إلى الجهات الرسمية ذات العلاقة - كإدارة الامتحانات أو عميد الكلية أو إدارة الكلية أو الجامعة - واسألهم عن سبب ذلك، فقد يكون هناك سببا أنت لا تعلمه، وبعد ذلك أيضا بمقدورك أن تنظر في إخوانك – زملائك – الذين يدرسون معك وحاول أن تتعرف على بعض الذين يواظبون على الحضور دائما لتتعرف من خلالهم ما هي المشكلة، قد تكون – كما ذكرت – بعض الأسئلة يوزعها الدكاترة وأنت لا تعلم عنها شيء، أو بعض الموضوعات يشيرون بأنها هامة وأنت لم تسمع بها، فقد تقرأ غيرها وتتركها، أو قد تجيب جوابا ليس مطلوبا.

وفوق ذلك كله أن هذه إرادة الله تبارك وتعالى، فإن الله جل جلاله لا يقع في ملكه إلا ما أراد، ولكنها إرادة كونية – ليست إرادة شرعية – وهذه الإرادة الكونية تتغير بإرادة الله تبارك وتعالى وقدرته، فعليك الأخذ بالأسباب ومراجعة الجامعة أولا لمعرفة لماذا هذا الإخفاق وما هي الأسباب الداعية له؟

إذا عرفت ذلك فأعتقد أن من السهل أن يكون الأمر ميسورا، ولك أن تراجع الدكاترة الذين أخفقت في موادهم، تعرف على الدكتور وتكلم معه ولو أن تأخذ له واسطة حتى تستطيع أن تصل إليه وتتكلم معه، لا لينجحك وإنما لتتفاهم معه حول طريقة الإجابة ولماذا أنت تخفق في حين أن غيرك بفضل الله تعالى ينجح؟ خاصة وأنه مر عليك الآن ست سنوات وأنت ما زلت تدرس، في حين أن الدراسة كلها قد تكون أربع سنوات على سبيل المثال.

فأرى أن تراجع الجهة التي لها علاقة، وأرى أن تستعين بالله عز وجل وأن تأخذ بالأسباب وألا تيأس لأنك أنت الذي تحتاج إلى الشهادة وهم لا يحتاجونها، الجامعة لا يضيرها أن ترسب عشر مرات لأن الطلاب غيرك كثير، أما أنت الذي يضيرك هذا التأخر لأن وراءك مصالح ينبغي أن تقضى لعلها مترتبة على هذه الشهادة.

فأرى أن تجتهد في الدعاء وأن تخلص فيه؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرك أنه لا يرد دعوة داع حيث قال: ((أجيب دعوة الداع إذا دعان))[البقرة:186]، وقال جل وعلا: ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم))[غافر:60]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم عباد الله بالدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد)، وقال أيضا: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال أيضا: (إن الله يحب الملحين في الدعاء)، بل ورد: (من لم يسأل الله يغضب عليه).

فاجتهد في الدعاء والأخذ بالأسباب، وإذا كان والداك موجودين – حفظهما الله – فاسألهما الدعاء لك؛ لأن دعاء الوالدين لولدهما لا يرد، وحاول أن تغير طريقة المذاكرة التي تذاكر بها بعد أن تتعرف على المدرسين وتتعرف على طريقة الإجابة، وحاول أن تربط نفسك بأحد الطلبة المواظبين على الحضور خاصة وأن تنسق معه فيما قبل الامتحانات لاحتمال أن تكون هناك أشياء – كما ذكرت – قالها الدكتور أو المدرس وهي مهمة وأنت لم تسمع بها لأنك لست متفرغا.

نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد وأتمنى ألا يتطرق اليأس إلى قلبك أبدا لأن المسلم لا يعرف اليأس، وإنما المسلم صاحب عزيمة قوية وثابة والذي لا يتحقق اليوم سيتحقق غدا لأن الله تبارك وتعالى لا يضيع عمل عامل، وأسأله تبارك وتعالى أن يفتح عليك وأن يكلل جهودك بالنجاح وأن يوفقك بالأخذ بالأسباب وأن يجعلك من الفائزين المتفوقين.

والله ولي التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات