السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي عدة أسئلة لأني في حاجة إليكم..
تقدم لي شخص الأسبوع الماضي رشحتني له أخت متدينة بالمسجد، وأنه على خلق ودين ومن أسرة متدينة جدا، وعندما جاء إلينا في البيت لكي يراني وهي بالطبع أول مرة لكنه لم يتكلم معي تماما، وكلامه كله كان مع والدي ووالدتي، وهم يقولون: إنه خجول وأنا أيضا خجولة جدا ولا أدرى ماذا يحدث لي عندما يتقدم لي أحد!
لكني كنت أتكلم مع أخته وأعجبتها شخصيتي وكنا نتكلم في الدين والمسجد، وبعد يومين وصلني الرد بأنه صلى استخارة مرتين وغير مرتاح، وهي تقول له: إني جميلة وعلى مستوى وعلى خلق ودين "فاظفر بذات الدين"، لكنه رفض، ومن وقتها وأنا أسأل الله ما هو عدم الارتياح منه بعد الاستخارة هل بي عيب؟ ولكني على يقين تام أن الله سيعوضني خيرا، وعندما سمعت الرد بالرفض قلت: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها).
سؤال آخر: سيتقدم لي شخص آخر خلال أيام، وأنا خائفة جدا، وأدعو الله أن يجعل في وجهي القبول، وأن يرزقني به لو كان فيه خيرا لي، ولكن وقتها لا أجد كلاما تماما -فما هي المواضيع التي يجوز أن أتكلم فيها؟
سؤال ثالث: قال لي شيخ اقرئي سورة الرحمن كثيرا - وأنا أقرأها وأقرأ سورة البقرة كثيرا وأدعو الله أن يعجل لي لأني في حاجة لإنشاء بيت إسلامي وعاطفة الأمومة تقتلني. أرجو أن تدعوا لي بالتيسير والقبول.
كما تعلمون أنا صاحبة استشارات كثيرة جدا أرجوكم ردوا علي بسرعة.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ورجاء أن تتصلي بنا ولا تترددي فنحن في انتظارك وفي انتظار جميع الإخوة والأخوات، فإن خدمة الجميع شرف لنا نسأل الله تعالى أن يتقبله منا خالصا لوجهه، كما أسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك وأن يمن عليك بزوج صالح مبارك يكون عونا لك على طاعة الله ورضاه، وترزقين معه بذرية صالحة طيبة مباركة تكون من العلماء العاملين والأولياء الصالحين.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة أميرة- فإن ما حدث لأخينا هذا حق إذ أن الاستخارة -حفظك الله- قد يترتب عليها بيان أمر لم يكن معلوما للإنسان، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث جابر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعملنا السورة من القرآن).
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحرصون على الاستخارة في كل أمر وإن كان صغيرا، التماسا لبركة الاستخارة وتطبيقا لهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
والاستخارة قد يأتي بعدها بعض المظاهر أو الشواهد أو العلامات الحسية، وذلك كأن يرى الإنسان رؤيا بينة واضحة لها علاقة بالموضوع الذي استخار الله فيه فتكون هذه نتيجة الاستخارة، وقد يشعر بنوع من انشراح الصدر، فهذه أيضا تكون نتيجة لها علاقة بالاستخارة، وقد يشعر أيضا بنوع من الانقباض وعدم الراحة على غير المألوف والطبيعي، فهذا معنى ذلك أنه قد جاءته علامة حسية على أن هذا الأمر الأولى أن يتركه، وقد لا يشعر بشيء أصلا، إلا أن الاستخارة في أصلها ليست متوقفة على شيء مما ذكرته الآن، وإنما الواجب على الإنسان منا إذا استخار الله تبارك وتعالى أن يستخير وأن يمضي في حاجته، وأن يسلك السبيل الطبيعي، فإن كان الخير في هذا الطريق تحقق وتيسر له الطريق والأمر الذي يريده، وإن كان الخير في خلافه شعر بأن هناك عقبات لا يمكن التغلب عليها، ولذلك جمهور العلماء لا يعول على هذه الآثار الحسية، فهناك احتمال موضوع عدم الراحة هذا لا يكون من الاستخارة، وإنما قد يكون من أمر آخر ولكنه تصور بسبب الاستخارة، ومن هنا فإن جمهور العلماء لا يعولون ولا يجعلون الاستخارة متوقفة على أي علامة غالبا، لماذا؟ لأن هذه العلامات كثيرة والتحديات والهموم والمشاكل التي تواجه الناس متعددة.
فقد يكون الإنسان صلى الاستخارة ونفسيته غير طبيعية فتكون النتيجة غير طبيعية فيظن أنها من الاستخارة، إلا أنه قدر الله وما شاء فعل، فلو كان لك فيه من نصيب لما تركك ولما تخلى عنك، خاصة أنك ولله الحمد والمنة متميزة في دينك ودنياك، وكل رجل يتمنى امرأة في هذا المستوى – أحسبك كذلك والله حسيبك ولا نزكي على الله أحدا – فأنت أخت بفضل الله تعالى حريصة فيما نعلم من خلال استشاراتك على تحري الحق ومعرفة الحلال والحرام والتفقه في دينك والوقوف عند مراد الله تبارك وتعالى، وهذه سمات جليلة ورائعة تجعل مثلك تاجا على رؤوس الرجال، عندما يرى امرأة بهذا المستوى فإنها تبشر بخير كثير، ولذلك اعلمي - أختي الكريمة أميرة – أن الله لا يضيع أهله، ولكن القضية قضية أرزاق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه المقادير أرزاق العباد، فهذا غني وهذا متوسط وهذا فقير، وهذا أبيض وهذا أسود وهذا طويل وهذا قصير، وهذا يرزق بأولاد ذكور وأناث، وهذا بإناث فقط أو ذكور فقط، وهذا كما قال الله تعالى: ((ويجعل من يشاء عقيما))[الشورى:50]، وكذلك الزواج أيضا، هذه تتزوج برجل أو برجلين أو بثلاثة، وهذا يتزوج بامرأة أو بامرأتين أو ثلاث، هذا كله من قدر الله الذي كتبه القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
فاعلمي -أختي أميرة- أن حظك من الرجال قطعا سوف يأتيك، ولعل هذا الأخ ليس من نصيبك، ومن أدراك لعله يرجع عليك مرة أخرى إذا كنت من نصيبه وإذا كان هو من نصيبك؛ لأنه أحيانا قد يأتي الرجل فيعقد على الفتاة فيظل عام ثم يتركها وبعد سنوات يرجع عليها مرة أخرى وهي في تلك الحالة هذه قد ترفض من يتقدم إليها لأسباب لا تعلمها، بل إنها قد تقبل ولكن لا يتقدم إليها أحد ثم بعد ذلك يجدها قد انتظرته هذه الفترة فيعود عليها مرة أخرى، بل إن المرأة قد تتزوج برجل ثم تطلق منه ثم تتزوج بآخر ثم تطلق منه لترجع لزوجها الأول.
هذا يدل على أن كل شيء بقدر الله تعالى كما ورد في علمه القديم سبحانه، وأن الناس لا يملكون من الأمر شيئا، وإنما فقط علينا الأخذ بالأسباب.
إذن فهذا الذي ورد في استخارة الأخ هذا أمر وارد لأنك لو كنت من نصيبه لشرح الله صدره لك -بإذن الله تعالى-.
وأما عن الأخ القادم الجديد الذي يتقدم لك الآن فمن حقك أن تسألي الله تبارك وتعالى أن يوفقك القبول وأن يشرح صدره لك شريطة أن يكون فيه خير؛ لأن القضية ليست قضية أن نتخلص من حياتنا لنتزوج ثم تبدأ المشاكل والمعاناة، وإنما نقول: صبر سنة أفضل من العجلة التي تعقبها ندامة؛ لأن الصبر لا يأتي إلا بخير، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا)، فلماذا يتعجل الإنسان في أمر هو قدر الله تبارك وتعالى قبل أن يكون إرادة الخلق؟!
فأنا أقول - بارك الله فيك – لا تتنازلي أبدا عن الشروط الشرعية (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فالدين والخلق هما أساس الاختيار مع القدرة المالية والبدنية على إدارة الحياة وعلى الإنفاق على الأسرة بطريقة طبيعية وطيبة، ولك أن تسألي الله تعالى أن يرزقك القبول وأن يرزقك الزوج الصالح وأن يجعل من ينظر إليك تقع محبتك في قلبه إذا كان فيه خير؛ لأنه كما ذكرت قد تكوني مقبولة عنده ولكنه لا يصلح، فأنت تسألين الله عز وجل الزوج الصالح، وتسألين الله عز وجل أن يرزقك القبول عند الزوج الصالح الذي يعينك على طاعة الله تبارك وتعالى، وهذا أمر -إن شاء الله تعالى- لا حرج فيه أبدا أن تسأل الفتاة أن الله يجملها في وجه من ينظر إليها وأن يوقع عليها محبة منه، فمن جاءها من الخطاب قبلها، فهذا كله جائز شرعا.
أما عن قراءة سورة الرحمن وسورة البقرة، فسورة البقرة كما تعلمين فوائدها عظيمة، وسورة الرحمن كما ورد في بعض الروايات (عروس القرآن)، ولكني لا أعلم أن لها علاقة بقضاء الحوائج، وإنما قضاء الحوائج يكون بالدعاء وصلاة الحاجة، فعليك بالدعاء بارك الله فيك واستعيني بالله تبارك وتعالى، وأكثري من الدعاء وخاصة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصى أحد الصحابة بالصلاة عليه قال: (إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك)، فكل ما أهمك ببركة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام يقضى، كذلك الاستغفار ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا))[نوح:10]ما هي النتيجة؟ ((يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا))[نوح:11-12]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب).
ولكن لا مانع من قراءة سورة البقرة لأنه كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تستطيعها البطلة)، وقال: (البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان ثلاث ليال)، وفيها فوائد عظيمة، وكذلك سورة الرحمن، وفوق ذلك فكل حرف له عشر حسنات كما ورد في كلام النبي عليه الصلاة والسلام إلا أني لا أعلم أن هناك علاقة بينه وبين قضاء الحوائج، وإنما قضاء الحوائج تقضى بأي وسيلة شرعية سواء كان القرآن أو غيره، ولكن توجد هناك أمور أكثر تأثيرا كما ذكرت لك من الاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام والدعاء وصلاة الحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء).
أسأل الله أن يرزقك زوجا صالحا، وأن يعجل بقضاء حاجتك، وأن يتفضل عليك بأن يعجل لك بالزوج الصالح يكون عونا لك على طاعته، وترزقين منه بالذرية الصالحة ليكونوا من عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين.
والله ولي التوفيق.