أحلام اليقظة وكيفية التخلص منها

0 1006

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 30 سنة، ومشكلتي أنني أعيش أحلام اليقظة، حيث عندما أنظر لشخصية تكون ناجحة في عملها أو جميلة أظل أتمنى لو كنت مكانها، حتى الأفلام فإنني آخذ موقع البطلة فيها، وأحس بالضياع وأنني لست ناجحة، وأشعر بأنني أعيش في هذه الحياة رغما عني، وشخصيتي ضعيفة جدا ولا أحب الدخول في نقاش مع الناس، لأنني مسالمة ولا أحسن التحدث، وقد فقدت الأمل في كل شيء، فكيف أتخطى هذه المشكلة؟ وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصرف عنك كل سوء وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجعل أحلامك هذه أحلاما بناءة وهادفة ليست مضيعة للأوقات أو مرهقة للأعصاب.

وبخصوص ما ورد برسالتك من أنك تعانين من أحلام اليقظة فهذا يدل على أنك تعانين من مشكلة حقيقية، فأحلام اليقظة عبارة عن دوحة خضراء يستظل تحتها الإنسان بعض الوقت حتى تنخفض حرارة الهجير ثم ينهض ويسير في طريقه.

وأحلام اليقظة أيضا هي مجموعة من الأمنيات والأفكار الجميلة السعيدة التي تعوض الإنسان عن الفشل في الواقع، ولكنها تكون مشكلة إذا تكررت بشكل مستمر وأعاقت عن أداء العمل أو التفاعل الاجتماعي أو أدت بالإنسان إلى العزلة عن الآخرين أو تعطيل الواجبات المطالب بها.

وأحلام اليقظة هي وسيلة من وسائل الهروب الجميل والرائع من الواقع والعيش في عالم آخر بعيدا عن أي تكليف، وخاصة بأن الإنسان في خلال أحلام اليقظة يستطيع أن يحقق ما يعجز عنه في دنيا الواقع، ولذلك فإن أحد أسبابها هو الفراغ الذي تعانين منه والضياع الذي تعانين منه أيضا وفقدان الأمل الذي ذكرتيه في كل شيء، فإنك عندما تشعرين بأنك لا دور لك وأنك لست مهمة في الحياة وأنك لا تقدمين شيئا يلجأ عقلك تلقائيا إلى أن تعيشي في جو رائع وجو جميل ومريح وتحققين الأحلام، وكل ذلك يعيشه الفرد لتعويض فشله في إشباع الحاجات والرغبات الواقعية.

وأيضا قد تكون أحلام اليقظة عبارة عن تعويض لبعض الإعاقات الجسمية أو النفسية، وأيضا قد تكون بسبب الخجل الذي يحدث للإنسان عندما يواجه الحياة من أنه لا يستطيع أن يواجهها فيلجأ إلى أحلام اليقظة حتى يستطيع من خلالها أن يواجه الحياة وأن يتغلب على الأطراف الأخرى.

وعلاج هذه المشكلة إنما يكون أولا بأن تشعري أنك مهمة، وأنك لست ضعيفة، وتصورك أن شخصيتك ضعيفة جدا فهذا ليس بصحيح، وإنما هذا وهم؛ لأنه في الواقع لا يوجد إنسان بمعنى شخصية ضعيفة هزيلة، وإنما عندما يترك دوره ليقوم به الآخرون فإنه يكون حيا على هامش الحياة، وأما لو قام بدوره الذي خلقه الله عز وجل له فإنه قطعا سيكون مهما، ولذلك قد يكون الرجل أو المرأة أمام الناس العاديين لا قيمة له ولكنه في داخل بيته في غاية الأهمية، فالمرأة تكون مهمة جدا لزوجها حتى وإن كانت لا تملك من الجمال مثقال ذرة، والرجل كذلك يكون مهما لزوجته حتى وإن كان أيضا كذلك لا يملك شيئا من مقومات الحياة ولكنه في داخل بيته يشعر بأن له كيان.

ولو أنك بدأت الآن في الدخول في معترك الحياة وإثبات الكفاءة وأنك تستطيعين أن تؤدي دورا جيدا في الحياة وبحثت عن أي فرصة للعمل وإن كانت بسيطة ومتواضعة فذلك علاج أولا لضعف الشخصية وثانيا لمشكلة أحلام اليقظة، ولابد أن يكون عندنا شعور بالرضا بما نحن فيه؛ لأن عدم الشعور بالرضا والسخط على الواقع يؤدي إلى الهروب من المشكلة إلى عالم أحلام اليقظة، ولكن لما أرى أن ما قدره الله فهو كائن وأن قضاء الله خير وأرضى بقسمة الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، فالرضا بتقدير الله تعالى هو أهم عامل من عوامل السعادة، فأنا أشعر بأنني متأقلم مع المجتمع الذي أعيش فيه، ومتأقلم مع ظروفي ولا أعاني من أي نوع من التبرم أو العناد أو الخروج على المألوف، فبذلك لا أكون محتاجا للدخول في أحلام اليقظة.

ومن الأمور التي تعين على علاج مسألة أحلام اليقظة والاستغراق فيها أن نعزز الأعمال التي نؤديها، فإذا كنت تقومين مثلا بإعداد الطعام فاجتهدي في تنويع أنواع الطعام واجتهدي مثلا في إعداد الطعام قبل وقت تناوله، واجتهدي أيضا في ترتيب المطبخ بطريقة صحيحة وجيدة، واجتهدي في ترتيب أدوات الطعام من صحون وملاعق وغير ذلك، فإن ذلك يعتبر نوعا من تعزيز المهارات الجيدة التي تجعلك تشعرين بالرضا من قبل من ينظر إليك، وفي تلك الحال لا تكونين في حاجة إلى أن تعيشي في عالم أحلام اليقظة.

ومن الأمور المهمة جدا لعلاج أحلام اليقظة شغل أوقات الفراغ، إما بكتابة بعض القصص الهادف أو الموضوعات الجيدة والاستمرار في الكتابة، ومن الممكن أن تبدئي بالكتابة المتواضعة ولكن ومع تكرار الكتابة تصبحين كاتبة متميزة.

وأيضا فإن أحلام اليقظة تعطينا فكرة عن الطموح الذي نحن فيه، فلو تحول هذا الطموح إلى واقع وتم فإنه من الممكن أن يستفيد منه الناس بإذن الله تعالى، وفي كل الأحوال تكون أحلام اليقظة مفيدة بدرجات متفاوتة إلا إذا اختلطت بالواقع العملي وأصبحت معيقة للإنسان كما يحدث في حالتك هذه، ولذلك فإن علاجها هو البحث عن فرص عمل وعدم الاستكانة وعدم الخمول، وإنما البحث عن أنشطة تنمي من خلالها مواهبك، وأيضا تستفيدين فيها الطاقة الموجودة، وشغل أوقات الفراغ بشيء مهم ومفيد كالكتابة وغيرها، وأيضا تنمية الإحساس بالكفاءة والتأكيد على شعور الرضا بالحياة اليومية وبما قسم الله تبارك وتعالى لك.

نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، كما أسأله تبارك وتعالى أن يوفقك لكل خير وأن يعينك على فعل ما يرضيه وأن يعافيك من هذه المشكلة، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات