السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا شاب مسرف على نفسي واشتدت علي شهوتي فازداد تفاقم حالتي، وربما بدأت أعذب في الدنيا، حيث تشتت همي وهاجمتني الأدواء من كل جانب، من عجب وكبر ورياء وجهل عظيم بالله، إضافة إلى ذلك تفاهتي إلى أقصى الحدود، فقد أتكلم مع أترابي وأضحك وحدي، فأقرر أن لا أتكلم مجددا، ولكن سذاجتي تجرني لأن أتكلم من جديد.
وهناك رجلان حسبت فيهما الخير أحدهما إمام والآخر محفظ لكتاب الله، وأشعر أنهما الوحيدان اللذان تفطنا لحقيقة نفاقي، وأشعر أنني أحاول التقرب إليهما بأعمالي كالصلاة في المسجد ونحو ذلك، وقد حدثني أحد الإخوة عن التوبة فأخبرته أنني منهار تماما ولا أستطيع فعل شيء، وأشعر أنني مكبل ولا أخاف من الله عز وجل ولا عقابه، وإن سألت نفسي عن حبه فإنني لا أجد جوابا، بل لا أجد قلبي أصلا، وأشعر بالجبن العميق من الشرطة ومن الجهاد ومن أمور كثيرة، فماذا أفعل؟!
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ A حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يلطف بك وأن يبصرك بالحق وأن يحول بينك وبين المنكرات والمعاصي وأن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن كلامك يدل على أنك إنسان موفق شرح الله قلبه بالإيمان وصدره للقرآن، والدليل على ذلك أنك شخصت حالتك تشخيصا دقيقا، وشكواك هذه تدل على أنك من توفيق الله تعالى قد استطعت أن تشخص حالتك تشخيصا يجعلك أهلا لإكرام الله تبارك وتعالى لك؛ لأن أول أمر من أمور التوبة وأول درجة من درجاتها اعتراف العبد بذنبه (أبوء بذنبي فاغفر لي)، كما ورد في سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
وأما الأشياء التي ذكرتها في رسالتك من عجب وكبرياء ورياء وجهل ونفاق وغير ذلك إنما هي أمور طبيعية لكل من خالف منهج الله تبارك وتعالى وأعرض عن ذلك الله عز وجل؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: ((فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى))[طه:123] أي: لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، فأهل اتباع الهدى لا يعرفون الضلال ولا الشقاء، ولا يعرفون التيه الذي تعاني أنت منه، ولا يعرفون الشقاء النفسي الذي هو أقوى من الشقاء البدني، فإنهم لا يضلون عن الصراط المستقيم حتى وإن انحرفوا أسرعوا بالعودة إلى ربهم ومولاهم وسألوه أن يغفر لهم فيغفر لهم جل جلاله سبحانه، ولا يشقون بتفكيرهم كهذا التفكير الذي تفكر أنت فيه، فهذا نوع من الشقاء النفسي القاتل المدمر، ولذلك حل هذه المسائل كلها في يدك ومن يدك.
وآثار المعاصي والإسراف على النفس بالبعد عن الله تبارك وتعالى تظهر في ظلمة يقذفها الله تبارك وتعالى في قلب العبد العاصي، وتيه وضياع وشقاء وحرمان وبؤس وكآبة، ولذلك يدور في شغل شاغل رغم أن الناس يظنون أنه سعيد أو أنه مستريح أو أنه مسرور بما يفعل ولكن يعلم الله تعالى أنه يعاني من ضنك شديد لو وزع على كثير من الناس لوسعهم وزيادة، فعليك أن تتخذ القرار في التوبة والرجوع إلى الله، وقد يكون في ذلك بعض المشقة ولكن على أمثالك أعتقد أنه سهل ميسور بإذن الله تعالى؛ لأن الذي يشخص حاله بهذه الدقة معناه أنه على استعداد أن يغير واقعه وأن يترك هذا الحال المحزن إلى حال يسره وإلى حال يرضي مولاه ويوافق هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
فأول خطوة في طريق العلاج إنما هي التوقف عن هذه المعاصي فورا، ثم بعد ذلك الندم على فعل هذه المعاصي، ثم ثالثا عقد العزم على ألا تعود إليها تحت أي ظرف من الظروف وتحت أي داع من الدواعي، فإذا كان لك من أصدقاء السوء يمشون معك ويزينون لك المعاصي فاهجرهم في الله ومن أجل الله واقطع علاقتك بهم وابحث عن أصحاب صالحين تقضي وقتك معهم.
وإذا كانت هناك بعض الأماكن كلما سرت فيها ذكرتك بالمعاصي أو سهلت عليك الوقوع فيها فاهجر هذه الطرقات وهذه الشوارع وتلك الأحياء، وأذكرك بقصة هذا الرجل الذي قتل مائة نفس عندما أراد أن يتوب دله الناس على عالم فأخبره بأن من أهم شروط التوبة وحتى ينجح عليه أن يترك البيئة الفاسدة وأن يبحث عن بيئة صالحة، فاهجر هذا المكان الذي أنت فيه وهذه الصحبة التي أنت فيها وابحث عن إخوة أخيار تبدأ حياتك معهم وابحث لك عن طريق بديل حتى لا تظل عواطفك مثارة ومشاعرك في حالة عدم الاستقرار نتيجة المعاصي وشؤمها، قال تعالى: ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى))[طه:124].
وعليك بالدعاء حتى يثبتك الله على الحق؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل كما أخبرك حبيبك صلى الله عليه وسلم، فلا تتوقف عن الدعاء لنفسك بالصلاح والهداية والاستقامة، كما عليك بالإكثار من الاستغفار؛ لأن الاستغفار جعله الله تبارك وتعالى مطهرا من الذنوب والخطايا والآثام، وعليك كذلك بالصلاة على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في الحديث: (إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
نسأل الله لك التوفيق والسداد والعون والرشاد، ونسأله تبارك وتعالى أن يأخذ بناصيتك إلى الحق وأن يحول بينك وبين الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وبالله التوفيق.