الزواج والحب.. الرضا بالقضاء والقدر والعمل بأسباب التحصيل

0 470

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتنا نحن الشباب أننا عندما نقع في الحب نرى ممن نحب الإيجابيات فقط، ولا تظهر لنا السلبيات، ونظن بأن هذا الشخص هو الوحيد في الكون ولابديل عنه، والحياة بدونه لا شيء.

لكننا نسينا حب الله الذي ليس كمثله شيء، والذي يعطيك ما تريد؛ لذلك يلجأ الشباب إلى هذه الشبكة الإسلامية المباركة للبحث عن استشارات تتناسب مع حالتهم النفسية السيئة، أي تحثهم على الإقبال على ما يريدون فعله، لكنهم عندما يجدون استشارة تنصحهم بالابتعاد عن المحبوب لا يرضون بذلك، والأخطر من ذلك هو عندما يقال لهم: إن الأقدار بيد الله، وإن كانت من نصيبك فالله سيبعد عنها الأنظار. أي: الثقة في الله قد أصبحت شبه منعدمة.

ولا أبرئ نفسي وقد وقعت في هذا المرض، لكن الله تعالى نجاني منه والحمد لله؛ لذلك أريد منكم أن تنصحونا كيف نعيد الثقة في الله ونشعر بالطمأنينة بأن الله سيحتفظ بما كتبه لنا؟

وما رأيكم في أن يدعو الشاب ربه حتى تكون فلانة من نصيبه؟ وما هي آداب ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد النور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يجعلك من الطلبة المتميزين، وأن يجعلك في المستقبل من العلماء العاملين، وأن يمن عليك بزوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإن ما ذكرته من أن الإنسان إذا تعلق بإنسانة لا يرى منها إلا الجانب الجميل والجانب الحسن ولا يرى منها السلبيات والعيوب فهذا شيء طبيعي؛ لأنه كما قالوا: إن الحب يعمي ويصم ومرآة الحب عمياء، بمعنى أنها لا ترى إلا ما يعجبها وما يروق لها، وهذا الأمر ليس خاصا بك وحدك، وليس خاصا بما تعرف من الشباب، وإنما حتى إذا كان الإنسان طاعنا في السن، فمن أحب شيئا تعلق به وتناسى في غمرة الحب وتدفق المشاعر أن ينظر إلى السلبيات، بل إنه يغض الطرف عنها عن عمد، فإذا جاءه ما يسوؤه عن حبيبه أو محبوبه فإنه لا يلقي لذلك بالا، لماذا؟ لأن هذه سمة الحب قديما وحديثا وستظل كذلك إلى ما شاء الله تعالى، هذا في جانب العلاقة ما بين بني الإنسان.

وقديما قال الإمام الشافعي:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا

وكونك تقول: إن الناس قد نسوا حب الله تبارك وتعالى الذي ليس كمثله شيء، فإنك تعلم أنك إذا أردت أن توجد شيئا لابد أن توجد له أسبابه التي تؤدي إلى وجوده، والبيئة التي يحيى فيها معظم الشباب اليوم ليست بالبيئة الإيمانية المطلوبة التي تؤدي إلى توافر هذا الحب العظيم وهو تعلق القلوب بالله تعالى، ولكن إذا توافرت البيئة الإيمانية المطلوبة فثق وتأكد من أنك ستجد محبة الله تبارك وتعالى هي الغامرة للقلب والمسيطرة عليه، ومن هنا فإننا ننصح - بارك الله فيك – لك ولإخوانك من الشباب بضرورة البحث عن البيئة الطيبة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمنا). فإذا وجدت هذه البيئة وجدت محبة الله تبارك وتعالى قوية كما كانت في دين الصحابة - رضي الله تعالى عنهم – حيث إن الهدف والغاية التي اتضحت لهم إنما هي ضرورة محبة الله تبارك وتعالى والحرص على طاعته ورضاه.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع في قلوبهم بكميات هائلة من الثقة بالله - تبارك وتعالى - وحسن الظن به، وأصبحوا يرون وكأن أهل الجنة في الجنة يتزاورون ويرون أهل النار في النار يتعاتبون، بل إن بعضهم كان يصبح وكأنه يرى عرش الله بارزا، وذلك من عظمة الإيمان التي اتضحت معالمه على يد المعلم الأول الأعظم صلى الله عليه وسلم.

فهذه المحبة توجد إذا وجدت الأسباب المؤدية أو الداعية لها، وهذا ما ينبغي عليك وعلى إخوانك البحث عن البيئة الصالحة التي توفر هذه المحبة؛ لأن محبة الله تبارك وتعالى هي رأس المحاب وهي أعظم الكنوز وهي فوق كل شيء، فمن أحب الله تبارك وتعالى أطاعه ومن أطاع الله أدخله الجنة، من أحب الله أحبه الله، وهذا لا يخفى عليك من أن الله تعالى كما ورد في الحديث القدسي: (إذا أحب الله عبدا نادى يا جبريل إني أحب عبدي فلانا فأحبه، فيحبه جبريل عليه السلام، ثم ينادي جبريل في الملأ الأعلى: ألا إن ربكم يحب عبده فلانا فأحبوه فيحبه كل ملك في السماوات وكل ملك بين السماء والأرض، ثم يوضع له القبول في الأرض).

ولتعلم أخي الكريم بأن الله عز وجل إذا أحب عبده ووضع له القبول في الأرض تيسرت أموره كلها، ومن هذه الأمور ما يدندن حوله الشباب من حب الجنس الآخر؛ لأن غايته إما إلى حلال أو حرام كما لا يخفى، فمن أحبه الله تعالى وفقه إلى الحلال؛ لأن الزواج والارتباط بشريك حياة هو رزق من الأرزاق، والأرزاق بيد المعطي الخلاق، فمن أطاعه أحبه، ومن أحبه وفقه في رزقه هذا.

وهذه ببساطة هي معادلة السعادة الحقيقية التي يبحث عنها البشر في كل زمان ومكان، أن يطيعوا الله فيرضى عنهم ويحبهم فيوفقهم في حياتهم وأرزاقهم وأزواجهم وذرياتهم، وهل يبحث الناس اليوم إلا عن السعادة في هذه الأمور!

نعم رضا الله عز وجل ومحبته هي الغاية العليا التي كان يسعى لها الصحابة الكرام فرضي الله عنهم ورضوا عنه، ولاحظ معي أخي الكريم، بأن الرضى عن الله هنا هو تحقيق الإيمان بالقدر على وجهه السليم، فمن أيقن بأن الرزق والأجل مكتوب له عند ربه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن رزقه لن يناله أحد غيره، ولن يموت حتى يستوفي رزقه كاملا مكملا؛ كيف يجزع ويخاف على رزقه؟!
بل كيف لا يقنع ويرضى بما قسم الله له لعلمه بأن الله أحكم الحاكمين وأعدل العادلين؟!

وهنا يتفاوت الناس في إيمانهم واقتناعهم بما كتب الله ورزق..فكأن الذي يجزع على رزقه (سواء كان في المال أو الزوجة والأولاد) كأنه غير موقن ولا مصدق بأن الله قد كتب الأرزاق والآجال!!

فتأمل خطورة هذا المعتقد، لذلك كان الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة.

ولعل بعد هذا العرض يتضح لك جليا الجواب عن قولك: هل يصح أن يدعو فلان بأن تكون فلانة من نصيبه؟

فالأصل أن تسلم أمرك لله، وتعمل بأسباب التحصيل ومنها الدعاء، فتدعو الله عز وجل أن يرزقك الزوجة الصالحة أيا كانت هذه أو تلك، هذا الأكمل في حقك، لكن لا مانع أن تدعو ربك بأن يرزقك فلانة إذا كانت خالية عن زوج؛ غير أن الأفضل أن تجعلها موضع استخارة، بأن تسأل الله تعالى أن يجعلها من نصيبك إن كان في ذلك خير لك..كما في ألفاظ دعاء الاستخارة المشهور.

ونسأل الله تعالى أن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يثبتك على دينه، وأن يهديك صراطه المستقيم ويفتح عليك بفتوح العارفين.

وهذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات