السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشأت بيني وبين زميلتي علاقة حب فتقدمت لخطبتها، ولكن بعد الخطبة دبت المشاكل بين والدتي وبينها بسبب عدم رضا أمي عنها، وصارت تعرقل الزواج لأسباب تافهة، حتى قالت إن أهلها ليسوا على دين؛ لأنهم وافقوا على الخطبة رغم عدم استعدادي ماديا.
وفي كثير من الأحيان تقول: إن أحد الأشخاص أخبرها بأن أخلاق البنت غير سوية، وقد أدى ذلك لفسخ الخطبة، ولكن علاقتي لا تزال مستمرة معها، وأسعى لإصلاح الأمور، ودائما تدعو أمي بزوال رزقي ما دمت أعرف تلك الفتاة أو أحاول الوصول إليها.
ورغم أني كنت مذنبا وكنت أفعل الكثير من المعاصي إلا أني لم أفرط في فرض من فرائض الله، وأعمل دائما على إصلاح نفسي ولله الحمد، وسبب سعيي إلى الخطبة هو الزواج والاستقرار، ولا أريد أن أظلم فتاة سلمت كل مشاعرها لي، ولكن رضا أمي بالدنيا وما فيها، فهي تظن أنها سيئة ولا تريد إعطائي دليلا على ما تقول، فهل هذا يكفي للحكم عليها؟ وهل إذا تزوجتها يعد عقوقا؟!
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم عينو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يرزقك رضا والدتك، وأن يمن عليك بزوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن تدخل الأم في حياة ابنها أو ابنتها أمر منتشر في بعض بلاد العالم الإسلامي، فنجد الأم تحرم ابنها من رغبة من رغباته وتحقيق غاية من غاياته، ولأن الأم منزلتها في الإسلام عظيمة فلابد من احترام رغبتها إذا وافقت الشرع.
وقد ذكرت أن أهم شيء في حياتك هو رضا أمك، وأن حبك لها فوق كل شيء وأن رضاها عنك خير لك من الدنيا وما فيها، فهذا شعور طيب وأمر رائع لن يضيع لك عند الله تعالى، فإذا كانت الحياة مع الزوجة ستبدأ بهذا القدر من المشاكل والخلاف فلن تكون مستقرة، خاصة بعد أن فسخت الخطبة.
فاجتهد في إرضاء أمك واجتهد في الحرص على أن تظل راضية عنك، ولا تكدر خاطرها في هذا الأمر، وما دامت لا تريد هذه الفتاة فاتركها إكراما لها، وقل لها: إني تركتها من أجلك طاعة لله، واعلمي يا أماه أنك قد ظلمتني في ذلك؛ لأن هذه الفتاة ما علمت عنها إلا خيرا ولا رأيت منها إلا خيرا، وأرى أنها إنسانة مناسبة لي، وما تقولينه عنها ليس بصحيح، ورغم ذلك سأطيعك وأنفذ أمرك؛ لأني أحبك، ولا أريد أن أعصي الله تبارك وتعالى فيك، ولو طلبت مني ما هو أكثر من ذلك فسوف أفعل، ليس لأني ضعيف أو عاجز، ولكن لأني لا أريد أن أخالف أمرك، ولا أريد أن أعصي الله تبارك وتعالى فيك، فإذا كانت هناك من فرصة أن تقبليها فأريحيني لأني أتعذب، خاصة أن هذه الفتاة لم أر منها سوءا.
وتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء أن يغير موقف أمك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، فأمك الآن مصرة ولكن مفتاح قلبها بيد الله تعالى، فتوجه إلى من بيده قلوب الخلق أجمعين وهو العلي الأعلى جل جلاله سبحانه، وألح عليه أن يغير قلب أمك تجاه هذه الفتاة.
وعليك أن توقف العلاقة مع تلك الفتاة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، لأنها أجنبية عنك ولا يجوز لك أن تقيم علاقة مع امرأة أجنبية عنك بحال من الأحوال؛ لأن الخطبة ليس معناها عقد شرعي، وإنما هي وعد بالزواج.
فتوجه إلى الله بالدعاء واطلب من هذه الأخت أن تتوجه إلى الله بالدعاء أن يقدر لكما الخير، ونحن الآن في شهر شعبان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، فاجتهد فيه بصيام النوافل واجعل صيامك هذا من أجل الله تعالى وفرصة للدعاء والتضرع إلى الله، واعلم أن (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء)، فاستعن بالله واجتهد في الدعاء والتوكل على الله، وافعل أفعال البر، وألح على الله تعالى، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، ومعنى (مما نزل) أي من البلاء الموجود، فالله عز وجل ببركة الدعاء قد يرفعه، وتعلم أن سيدنا أيوب دعا الله فشفاه، وتعلم أن سيدنا زكريا سأل الله ولدا فرزقه الله، فهذا معناه (مما نزل)، حتى الأمور المستقبلية فإن الدعاء ينفع فيها بإذن الله تعالى.
وإذا كانت هذه الفتاة من نصيبك فسيشرح الله صدر أمك لقبولها، وأما إذا لم تكن من نصيبك فقد تظل العلاقة بينكما سنين ولكن في النهاية تتزوج بغيرك وتتزوج بغيرها وترزق ذرية صالحة من امرأة سواها.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأوصيك بالاجتهاد في الدعاء، كما أسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يرزقنا وإياك رزقا حلالا طيبا مباركا، وأن يجعل لك حلا عاجلا وفرجا قريبا، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.