السؤال
السلام عليكم.
أنا أرفض العلاقات بين الشباب من الحب والاختلاط، ولكن أنا بطبيعتي أنثى أحب المشاهد العاطفية، وهل كما يقولون إنني ممكن أعيش مراهقة متأخرة نتيجة كبت المشاعر؟
هل قراءة الروايات الرومانسية تزيد من هذا الكبت؟ أنا أؤمن وأريد أن يكون زوجي هو الحبيب الأول، وهل الإعجاب بشخص دون الإفصاح عن ذلك يعتبر خيانة لما أريده؟ وكيف يمكن تقنين هذا والصبر حتى لقاء الزوج؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إن العلاقات بين الشاب والفتاة من حب واختلاط أصبحت لا شك أنها مشكلة أساسية في العلاقات الإنسانية، وأنت جزاك الله خيرا وبارك الله فيك فأنت ترفضين مثل هذه العلاقات؛ لأن هذه العلاقات كثيرا ما تنتهي بانحرافات وإساءات لا تحمد عقباها مطلقا، فأنت الحمد لله كونك ترفضين هذا النوع من العلاقات هذا شيء عظيم وجميل، ولا بد أن نثني عليك ثناء عطرا، ونسأل الله تعالى أن يثبتك على هداه؛ لأن هذا هو الطريق القويم وهذا هو الطريق الذي يدعو إليه الإسلام، بأن تكون العلاقات الإنسانية بين الناس خاضعة لضوابط معينة.
أما بالنسبة أنك تحبين المشاهد العاطفية، فلا شك أن الأنثى لها بعض الميول من هذا القبيل، ولكن من الضروري جدا أن تكون لك أيضا الضوابط القوية والضوابط الشرعية، وألا تنحرف هذه العواطف وتؤدي إلى المهالك، وتؤدي إلى الانزلاق فيما لا يحمد عقباه، والإنسان هنالك ما يفرض عليه من وجدان ومن عاطفة، وقد لا يستطيع أن يتحكم في بعضها، وهذه العواطف ما دامت هي في النطاق الإنساني وفي النطاق المشروع فلا بأس في ذلك مطلقا؛ لأن العاطفة والوجدان هما جزء من كيان الإنسان، وأؤكد لك أنك لا تعيشين مراهقة متأخرة، فإن هذه المشاعر مشاعر إنسانية، فقط عليك بأن تقوي من ضوابطك وأن تقوي من المحاذير المطلوبة، وليس أكثر من ذلك، ولكن هذه ليست علة وليست مراهقة متأخرة أبدا.
أما بالنسبة لقراءة الروايات الرومانسية فحقيقة أنا لا أحبذها؛ لأنها في الأصل تطلق طاقات لدى الإنسان ليست طاقات محبذة، فإن هذه الروايات تعتبر روايات مثيرة وتتلاعب بعواطف الإنسان وتتلاعب بخياله وتتلاعب بوجدانه، فأرجو أن تركزي على ما هو أفيد لك وما هو أحسن لك في دينك ودنياك، ولا أنصحك مطلقا بقراءة هذه الروايات، فهي روايات خيالية وقصدها الإغراء الرخيص جدا في بعض الأحيان.
تقولين بأنك تريدين أن يكون زوجك هو الحبيب الأول، فهذا أمر جميل وبالطبع لا بد أن يكون الزوج هو الحبيب الأول، ولكن الحب الذي نقصده هو الحب الحقيقي الذي يأتي بعد عقد القران الشرعي.
لا بأس بأن تكون هنالك بعض الميول لإنسان ما؛ لأن ذلك أيضا من الأمور التي تسهل على الفتاة اختيار الزوج صاحب الخلق والدين والقدرة على الإحسان إلى زوجته واحترامها وتقديرها، ويكون ذلك بالضوابط الشرعية المعلومة.
كون أمنيتك أن يصبح زوجك هو حبيبك الأول فلا بأس في ذلك، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح.
أما عن الإعجاب وعدم الإفصاح عن ذلك هل يكون ذلك خيانة؟
الجواب: لا بد -حقيقة- أن تكون الضوابط الشرعية هي المحرك في مثل هذه العلاقات، فيجب ألا يسترسل أي إنسان بخياله نحو إنسان آخر، ومع ذلك أنا لا أقول إنه خيانة، ولكنه قطعا أمر غير محبذ وغير محبوب، وأعتقد أنه يؤدي إلى انحرافات عاطفية وهذا يسبب نوعا من القلق والتوتر الداخلي وعدم الاستقرار العاطفي.
أما (كيف تقننين هذا وتصبرين على لقاء الزوج؟) فهذا السؤال لم أستوعبه بدقة كاملة، ولكن أقول لك: على الفتاة المسلمة أن تدعو الله تعالى دائما أن يرزقها بالزوج الصالح، والفتاة الملتزمة الوقورة المنضبطة في كل ما تقوم به خاصة في علاقاتها الإنسانية مع الآخرين تتمكن في النهاية من الحصول على الزوج الصالح.
أسأل الله لك التوفيق والسداد.
------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبد العليم -الأخصائي النفسي-،
يليها إجابة: د. أحمد الفرجابي -المستشار الشرعي-.
------------------------------------------------------
قد قرأت ما كتبه الدكتور محمد لابنتنا الفاضلة التي يدل سؤالها على وعي وخير، وسعادتي لا توصف بهذه الاستشارة؛ وذلك لأن السائلة تسأل من البداية وقبل الدخول في النفق المظلم للعواطف العواصف، وإنما شفاء العي السؤال، وقد أحسنت من انتهت إلى ما سمعت ووقفت عند حدود الشرع وضوابطه.
أرجو أن أؤكد للجميع أنه لا يوجد على وجه هذه الأرض إنسان أسعد من الذين يضبطون عواطفهم ويجعلون قيادتها للشرع الواضح، ويقدمون العقل على العاطفة، خاصة في المراحل الأولى لتأسيس الحياة الزوجية.
أنا موافق لكلام الدكتور من أوله إلى آخره، وأريد أن أقول لشبابنا وفتياتنا: إن إطلاق العنان للعواطف لا يجلب السعادة ولكنه يولد الحسرات والآهات وقد أحسن من قال:
فإنك متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
لذلك لا يوجد أتقى من قلب ينطلق في كل الميادين من منطلق الشرع، والتمادي مع العواطف يسبب الفشل في الحياة الزوجية؛ لأن الشكوك والظنون تطارد صاحبها، كما أنه يصاب ببرود وفتور فيها -أي العواطف- وهو ما نسميه الشيخوخة المبكرة لمشاعر الحب، وقد ثبت ذلك في دراسات غربية وعربية حيث وجد أن نسبة الطلاق ترتفع جدا بين الذين عاشوا رومانسية قبل الزواج، وأنا أقترح على كل شاب وفتاة ما يلي:
1. اللجوء إلى الله وسؤاله التوفيق لحسن الاختيار.
2. عدم التفكير في موضوع الزواج إلا في الوقت المناسب.
3. إذا وجد أو وجدت في نفسها إعجابا أو ميلا فلا بد من التأكد من الآتي:
ا. إمكانية الارتباط وإكمال المشوار.
ب. موافقة الطرفين والأهل.
ج. وجود التوافق وتبادل المشاعر.
د. التهيئة النفسية والمادية لتأسيس علاقة شرعية.
هـ. عدم إظهار هذا الميل إلى العلن، أو الدخول في نفق العلاقات قبل الارتباط.
أما إذا لم تتوفر هذه الشروط فعليه وعليها صرف النظر عن الموضوع، لتفادي ما يثير المشاكل، والبعد عن أماكن وجود المحبوب وكتمان تلك المشاعر عن كل الناس، والتوجه إلى رب الناس بأن يقدر ما فيه الخير، ثم نقول لمن وجدت هذه المشاعر إذا كان الميل لأهل الدين والصلاح والتفوق والنجاح فهذا دليل على أن الميزان والمعيار صحيح، وتلك نعمة من الله تستوجب الشكر، والإعجاب بأهل الخير خير.
4. البعد عن المناظر المثيرة والقصص الرومانسية؛ لأن اشتغال الذهن يفجر سبل الشهوة، وهذا خطير على مستقبل الشاب أو الفتاة العملي والديني والنفسي، وهي أشياء لا توصل إلى الإشباع ولكنها توصل إلى السعار.
5. علينا أن ندخر العواطف لنضعها في موضعها الصحيح؛ لأن من الخطورة منحها لمن لا يستحقها من الذئاب، والفتاة تستطيع أن تصرف شيئا من عواطفها لإخوانها الصغار أو بنات إخوانها، وذلك لون من التدريب على التربية، ولها أن تؤسس علاقات حب في الله، أكرر في الله ولله على مراد الله مع الصالحات، وعليها أن تبذل جزءا كبيرا من حبها وعاطفتها لوالديها بعد حبها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
لا يخفى على أمثالك أن الحب الحقيقي يبدأ بالرباط الشرعي، وعند ذلك تحس الفتاة بمقدار ما تبذل لزوجها من حب وعواطف، ويحس الزوج أيضا بمقدار ما يبذله لأهله من حب وعواطف، أما الذين كانوا يعبثون فإنهم لا يملكون قلوبهم ولا يصلون إلى شيء ولو تزوج أحدهم نساء الدنيا.
والله الموفق.