السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني كثيرا من التقلب والتردد بين الاختيارات ولا أثبت عند إحداها، وإذا كان أمامي خياران فإنني أظل أتأرجح بينهما دون أن أحسم أمري، وأصلي صلاة الاستخارة كثيرا ولكني أحيانا لا أجد الخير فيما تم اختياره.
وكمثال على ذلك فإنني حائر بين تعلم التصميم بالكمبيوتر وبين الكتابة إلى المجلات، حيث أملك موهبة الكتابة، والآن أبحث عن عمل جديد بعدما أخبروني بانتهاء عقدي في الشركة التي أعمل بها، وأحيانا يتملكني وسواس الفقر وأنني لن أكسب بل سأستدين وسأخسر عملي، حتى بدأت أشعر ببعض الحقد على الناجحين في أعمالهم، وهذا ما يقلقني وأستعيذ بالله منه، فوجهوني.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الإنسان يبدع في المجال الذي يجد في نفسه ميلا إليه؛ لأن في ذلك إشارة إلى أن الله سبحانه ميزه بمؤهلات واستعدادات معينة، والأرزاق هي مما تكفل به الكريم الوهاب، وما على الإنسان إلا بذل الأسباب ثم التوكل على الكريم الوهاب، وانتهاء عقدك مع الشركة لا يدل على قطع الرزق كما يردد بعض الغافلين؛ لأن الرزق لا ينقطع إلا بالذهاب للمقابر، ولكن الرزق يتحول، والوظائف والأعمال ما هي إلا أسباب للرزق.
والتعويل على الأسباب والاعتماد عليها وحدها يخدش في التوحيد، وترك الأسباب خنوع وعمل بليد، وقد قال النبي -صلي الله عليه وسلم-: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا)، فتأمل كيف أنها فعلت الأسباب فتحركت ثم توكلت على الوهاب؛ لأنه ليس للطير مزارع معينة ولا وظائف معينة فخرجت وبحثت وعادت وهي شبعى، قال تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، [هود:6]، وقد قال سبحانه وتعالى لمريم: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)[مريم:25].
وقد أحسن من قال:
ولو شاء ألقى إليها الرطب دون هزة *** ولكن كل شيء له سبب.
وأحسن من قال:
فكيف تخاف الفقر والله رازقا *** وقد رزق الحوت في ظلمة البحر.
وأما بالنسبة لمشاعر الحسد فعليك بالتخلص منها بالاستعانة بالله ثم بالرضا بقسمته بين عباده، ثم بالتفكير في الذي أعطاك الله، وذلك لأن نعم الله مقسمة بين عباده، فقد يعطى الإنسان المال ويحرم العافية، فهل حمدت الله على العافية، وقد يعطى آخر المال والعافية ولكنه يحرم الولد، وهكذا، قال تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى)، [طه:131].
واعلم أن الله سبحانه يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحبه، ولا يخفى على أمثالك ما في الحسد من أضرار، ويكفي أنه يضر الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود، ويكفي في ذم الحسد أنه لا يكون إلا في الدنيا، ويكفي في قبحه أنه لا يكون إلا بين الأرحام والأقران والزملاء والجيران.
فتعوذ بالله من شر الحسد وأهله، واحمل مشاعر الخير لإخوانك فإن ذلك من أسباب التوفيق، ولا تحقد على الناجحين، وأنت -ولله الحمد- منهم، ولا مانع من جعل الكتابة هواية والاشتغال بالمجال الآخر، كما أن عمل المدرس متوفر في كل البلاد، وما عليك إلا أن تتحرك وتفعل ما عليك، واترك الأمر لله، وتوكل عليه واستعن به وحده سبحانه، نسأل الله لك الإعانة والرشاد.
وللاستزادة عن موضوع التردد يمكنك الاطلاع على هذه الاستشارة (282400).
وبالله التوفيق.