مريض الفصام الظناني .. علاجه وكيفية التعامل معه؟

0 700

السؤال

السلام عليكم..


لي أخ أصغر مني بدأ يتخيل أشياء غير موجودة، مثل كاميرات المراقبة في المنزل وفي غرفته، ويظن أن هناك من يراقبه من فوقه ومن تحته، وأن هناك من يسمع كلامه، ثم ظهرت عليه بعض حالات الغضب وقام بطرد زوجته وابنته بحجة أن هناك من يراقبه هو وزوجته، وقد ذهب إلى أهلها وقال لهم: (انتبهوا لعرضكم)، مما دفعهم للقول بضرورة معالجته لدى طبيب نفسي، وعندما يذكر أمامه حالات الفساد في البلاد يقوم بانتقاد كل شخص في موقع المسئولية، وأحيانا يتلفظ بألفاظ نابية، فما هي حالته؟ وبم تنصحونني؟!

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد الصنعاني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن وصفك كان طيبا ودقيقا وواضحا للدرجة التي تعطينا التشخيص لهذه الحالة، فإن هذا الأخ يعاني مما يعرف بالظنان أو ضلالات الظنان أو الأفكار الاضطهادية، وكذلك لديه هلاوس سمعية، ويعاني أيضا من الميل إلى الغضب وربما العنف، فهذه هي المقومات الرئيسية لما يعرف بمرض (الفصام الباروني) أو يسميه البعض (الفصام الظناني)، وهو مرض عقلي أو ذهاني رئيسي.

وهذا المرض أصبح الآن منتشرا ولا تعرف أسبابه بالضبط، ولكن هناك عدة نظريات: فهناك بعض النظريات الوراثية، وهناك نظريات المؤثرات الخارجية، أو ما يعرف بالظروف المهيئة والظروف المرسبة، وهذه الحالة يمكن علاجها إن شاء الله تعالى، وهذه من الحالات التي تستجيب للعلاج بصورة جيدة جدا، ولكن هناك ضوابط لابد من اتباعها.

أولا: لابد أن يلتزم المريض بالدواء، وهذا النوع من المرضى غالبا قد لا يتعاونون مع العلاج؛ لأن الواحد منهم لا يعتقد أنه مريض في الأصل؛ حيث إنه مفتقد للبصيرة وغير مرتبط بالواقع، ولذلك لابد أن تكون هناك نوع من الحرفية ونوع من المنهجية في التعامل معه بلطف وبصبر ومحاولة إقناعه بتناول الدواء، ولا نقول له إنك مريض أو أنك تعاني من مرض الفصام الظناني أو شيء من هذا القبيل، ولكن لا مانع أبدا أن يقال له: إن هذا الدواء سوف يساعدك، وهو دواء مقو ويحسن من صحتك بصفة عامة.

ثانيا: هذا الدواء يتطلب الصبر؛ لأن مدة العلاج طويلة، ويجب أن لا تقل عن ثلاث سنوات بأي حال من الأحوال - إن لم تكن أطول من ذلك -.

ثالثا: هؤلاء المرضى يحملون شيئا من الخطورة، فإن هذه الأفكار الظنانية وهذا الغضب ربما يؤدي في بعض الأحيان أن يقوموا بالاعتداء على الآخرين، فأرجو التنبه لذلك، ويعرف تماما أنهم عندما يتناولون العلاج تقل نسبة الخطورة بنسبة من ثمانين إلى تسعين بالمائة، وهذا أمر جيد جدا.

رابعا: نرجو أن نكون حريصين جدا أن هذا الأخ لا يتناول المؤثرات الخارجية، وفي هذه الحالة أعني القات، حيث يعرف أن القات - إذا كان هذا الأخ يخزن القات – يحتوي على ثلاث عشرة مادة كيميائية نشطة، وهناك مادة معينة تعرف باسم (الكاثنين)، وهي المادة النشطة التي تحمل نفس سمات وصفات مادة (الأنفتامين) التي يعرف عنها أنها مادة حين يتناولها الشخص تؤدي إلى إفراز مادة في الدماغ تعرف باسم (الدوبامين)، وهذا يؤدي إلى مرض الشكوك وإلى مرض الظنان، أو يساعد على شدته على الأقل في الأشخاص الذين لديهم أصلا الاستعداد لهذا المرض. فأرجو أيضا أن تراعى هذه النقطة.

خامسا: إذا ذهب المريض إلى الطبيب النفسي فسوف يكون هذا هو الأفضل، والعلاج إن شاء الله تعالى سهل ومتوفر وتوجد عدة أنواع من الأدوية، وهذا الأخ يستجيب بصورة جيدة للجلسات الكهربائية في بداية العلاج، ولابد أن يكون عن طريق الأطباء في المستشفيات، ولكن تناول الأدوية أيضا سوف يساعده كثيرا، فحتى وإن أعطي العلاج الكهربائي فلابد أن يستمر على الدواء أيضا؛ لأن العلاج الكهربائي فائدته مؤقتة فقط، أما الدواء فهو إن شاء الله تعالى يضمن لنا الحماية التامة من هذا المرض.

وهناك عدة أدوية تستعمل لعلاج هذا المرض، وهذه الأدوية تعرف وتسمى بـ(مضادات الفصام) أو تسمى بـ(مضادات الذهان)، فهناك عقار يعرف باسمه التجاري (سيرانيز Serenace) وباسمه العلمي الشهير (هلوبربادول Haloperidol).
وهناك عقار ثان يعرف باسمه التجاري (لارجكتيل Largactil) وباسمه العلمي (كلوربرومازين Chlorpromazine).
وهناك عقار ثالث يعرف باسمه التجاري (استلازين Stelazine) وباسمه العلمي (ترايفلوبرزين Trifluperazine).
فهذه هي مجموعة الأدوية القديمة التي تستعمل لعلاج هذا المرض.

وأما مجموعة الأدوية الجديدة فهناك ثلاثة أو أربعة أدوية، فهناك دواء يعرف باسمه التجاري (زبراكسا Zyprexa) والذي يعرف باسمه العلمي الشهير (اولانزبين Olanzapine).
وعقار ثان يعرف باسمه التجاري (رزبريادال Risporidal) ويعرف باسمه العلمي (رزبريادون Risperidone).
وثالث يعرف باسم (سوركويل Seroquel) ويعرف باسمه العلمي (كواتيبين Quetiapine).
وفي نظري فإن الدواء الأفضل لهذا الأخ هو عقار (رزبريادال Risporidal) أو الاسم الآخر (رزبريادون Risperidone)، وهو متوفر في اليمن، والدواء الأصلي ربما يكون مكلفا بعض الشيء، ولكن المستحضرات التجارية أيضا هي ممتازة جدا، وهي موجودة في اليمن، وهي أقل تكلفة.

وجرعة هذا الدواء هي اثنين مليجرام ليلا لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة بعد ذلك إلى أربعة مليجرام ليلا لمدة شهر، ثم بعد ذلك تكون الجرعة أربعة مليجرام صباحا وأربعة مليجرام مساء، وحين تبدأ هذه الجرعة – ثمانية مليجرام في اليوم – يجب أن نعطي هذا الأخ دواء مضاد يعرف باسم (آرتين)، والمقصود بالدواء المضاد أن هذا الدواء يمنع أي آثار جانبية، خاصة الرجفة البسيطة أو الشد في العضلات الذي قد يحدث من تناول الـ(رزبريادون Risperidone) بجرعة كبيرة، وجرعة الآرتين هي خمسة مليجرام فقط في اليوم.

إذن تكون الوصفة العلاجية الكاملة لهذا الأخ هي: عقار (رزبريادون Risperidone) أربعة مليجرام صباحا ومساء، وحبة واحدة من الآرتين (خمسة مليجرام) يتناولها يوميا، ويجب أن يستمر على هذه الجرعة العلاجية لمدة ستة أشهر على الأقل.

وبعد ذلك يمكن أن تخفض الجرعة إلى (رزبريادون Risperidone) اثنين مليجرام صباحا وأربعة مليجرام ليلا، ويستمر على هذه الجرعة أيضا لمدة ستة أشهر أخرى، ويكون في هذه الفترة أيضا مستمرا على عقار الآرتين، ثم بعد ذلك يمكن أن يخفض (رزبريادون Risperidone) إلى أربعة مليجرام ليلا، وهنا يمكن التوقف عن الآرتين ويستمر على هذه الجرعة لمدة عام كامل، ثم بعد ذلك يمكن أن نتواصل إن شاء الله تعالى ونقدم لكم الإرشاد اللازم، وعموما هذه هي خطة العلاج بصفة عامة.

وفي حالة عدم تعاون المريض مع العلاج عن طريق الحبوب – عن طريق الفم – فهنا يوجد خيار وبديل آخر، وهو: يمكن أن يعطى نوعا من الإبر أو الحقن الزيتية طويلة المدى أو طويلة المفعول، وهي معروفة جدا لدى الأطباء النفسيين وتوجد عدة أنواع منها، هذه الإبر تعطى مرة كل أسبوعين أو كل ثلاثة أسابيع أو كل أربعة أسابيع - حسب الحالة وحسب نوعية الإبرة ومدى فعاليتها - وهذه الإبر لها محاسنها ولها عيوبها، ولكن هي وسيلة ممتازة وحل ممتاز وجذري بالنسبة للمرضى الذين لا يتعاونون في تناول العلاج، وهذه الإبر هي وسيلة طيبة، وهذا يؤكد لنا أن الحلول كثيرة وموجودة، فقط المهم هو أن نقدم هذا الأخ إلى مراكز العلاج.

ونصيحتي الأخيرة هي: أن لا تدخلوا معه في نقاش حول أفكاره الظنانية وأفكاره الاضطهادية وأفكاره الضلالية؛ لأن إكثار النقاش معه أو محاولة إقناعه، فإن هذا ربما يثبت هذه الأفكار ويقويها لديه، أضف إلى ذلك ربما يبني لديه شعورا عدائيا حيال الذين يقومون بمناقشته.

فأرجو أن لا تدخلوا معه في أي نوع من النقاش المنطقي؛ لأن هذه الأفكار أصلا لا تقوم على أي نوع من المنطق، وفي ذات الوقت يمكن أن يعامل بلطف ويعامل بشيء من الرحمة، وإن شاء الله حين يتناول العلاج ويستعيد بصيرته وارتباطه بالواقع، ويكون حكمه صحيحا على الأمور، بعد ذلك يمكن للطبيب أن يشرح له الحالة التي يعاني منها دون أن يسبب له أي نوع من الحرج أو الانزعاج أو المضايقة؛ لأن شرح الحالة أيضا ببساطة وبلغة مقبولة وبمنهج علاجي احترافي صحيح يجعل المريض يتعاون في تناول العلاج في المستقبل، نسأل الله تعالى لمريضكم الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات