السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أعاني دائما من ضيق في صدري، وعدم الثقة في نفسي، علما بأني أملك الجمال، ويشهد على ذلك الكل، ولا أحب الاختلاط بالناس ولا المناسبات، وهذه الحال من طفولتي، كذلك احمرار الوجه عند التحدث مع الآخرين.
أنا متزوجة منذ 10 سنوات ولم أرزق بأطفال حتى الآن - والحمد لله - على كل حال، دائما أعزم على الاجتماع مع الجيران والذهاب للمناسبات، ولكن عندما يقترب الموعد ألغي جميع المواعيد، وألاحظ الناس يناظرونني نظرات الشفقة والرحمة.
أنا من داخلي حاولت أكثر من مرة وأفشل، والآن بدأ زوجي يلاحظني؛ لأني دائما أتهرب من التحاور وجها لوجه.
أطلب من الله ثم منكم أن تنقذوني مما أنا فيه، أريد أن أنتحر -أستغفر الله- لا أستطيع أن أتعالج نفسيا؛ لأني أخاف من كلام الناس، ولا أريد أحدا أن يعرف أني أذهب إلى عيادات نفسية.
أرجوكم إذا هناك أي علاج لحالتي أن تفيدوني لأني أشك أنه رهاب اجتماعي؛ لأن من علاماته الاحمرار والخجل من الناس وجفاف الفم، فهل السيروكسات مفيد لي؟
أتمنى أن أجد علاجا فقط لاحمرار الوجه؛ لأنه هو السبب في نظرات الناس لي، علما أني - والحمد لله - لا أعاني من أي أمراض أخرى.
أرجوكم أفيدوني بسرعة!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الرحمن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه من الناحية التشخيصية فإن الأعراض التي تعانين منها هي أعراض قلق نفسي مصحوبة بأعراض الرهاب الاجتماعي، ولكنه – الحمد لله تعالى – من الدرجة البسيطة.
ومما ورد في رسالتك أنك دائما لديك العزم على الاجتماع مع الجيران والذهاب للمناسبات، ولكن حين يقترب موعدك معهم تقومين بإلغاء هذه الزيارة، هذا هو لب العلاج والأمر الضروري، فما دام العزم موجودا فإن شاء الله سوف يعقبه التطبيق، بمعنى آخر: عليك بزيادة عزيمتك وإصرارك، وقومي بهذه الزيارات، ويمكنك أن تصطحبي إحدى صديقاتك أو أهل بيتك في بداية هذه الزيارات.
الرهاب الاجتماعي يعالج عن طريق المواجهة؛ لأن التهرب من الموقف والابتعاد يزيد من القلق ويزيد من الخوف الاجتماعي.
كل مرضى الرهاب الاجتماعي يكون لديهم تصور خاطئ عن أنفسهم وعن التفاعلات التي تحدث لهم، فهم يعتقدون أنهم يرتعشون، وأنهم سوف يسقطون أمام الآخرين أو سوف يكونون عرضة للاستهزاء وموقف محرج، وهنالك من يتحدث عن احمرار في الوجه في وقت المواجهة مثل حالتك، واحمرار الوجه قد يحدث ولكنه ليس بالصورة التي يتخيلها ويتصورها الشخص الذي لديه رهاب اجتماعي، هي مجرد تفاعل فسيولوجي بسيط ويكون عرضيا، وفي معظم الحالات لا يلحظه الآخرون.
إذن أرجو منك أن تتفهمي – وهذا أمر مهم جدا – فيجب أن تتفهمي أن هنالك مبالغة في شدة الأعراض التي يعاني منها صاحب الرهاب الاجتماعي، والكثيرون - الحمد لله - تخلصوا من خوفهم بعد أن صححت مفاهيمهم، ووجدوا أنه من السهولة عليهم الاقتحام والتواصل والعيش مع الآخرين.
أنت - بحمد الله تعالى - متزوجة، ونسأل الله أن يرزقك الذرية الصالحة، ولا شك أن الزواج يفرض على الإنسان واجبات اجتماعية تتطلب أن يتواصل مع الآخرين، فأرجو مراعاة ذلك وجعله حافزا قويا لك للاتصال بالناس.
فكرة الانتحار أعتقد أنها فكرة عرضية أتتك نسبة لهذا القلق، وأسأل الله ألا تكوني جادة في هذه الفكرة؛ فالانتحار حرام قطعا، فقد قال تعالى: (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ))[النساء:29-30]، وقال تعالى: (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ))[البقرة:195]، فالانتحار تحطيم للذات، وتحطيم للآخرين، تحطيم للزوج وللأهل وجلب العار للأسرة، وفوق ذلك المنتحر مآله إلى النار – والعياذ بالله تعالى – .
فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء
(( كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ))[التكاثر:3-8].
وأنت ليس لديك المشكلة المتضخمة أو الاكتئاب المطبق الذي لا يمكن علاجه حتى تفكري في هذا المنهج من الاعتداء على ذاتك وعلى نفسك، فيجب - أختي الكريمة – أن تطردي من رأسك هذه الفكرة، ويجب أن تستعيذي بالله من هذه الفكرة، وأن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم الذي يأمرك أو يوسوس لك بهذه الفكرة؛ لأنه يريد لك الشر، ويريد لك العذاب، كما قال تعالى: (( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ))[فاطر:6]، فعليك أن تدعي الله تعالى وأنت موقنة بالإجابة أن يرفع عنك هذا التفكير، وعليك أن تعيشي الحياة بكل جمالها وبكل قوة وبكل أمل، فأنت لك أشياء جميلة في حياتك، ومشكلتك ليست بالصعوبة التي لا يمكن حلها.
هنالك مهارات اجتماعية بسيطة أيضا يجب أن تكوني حريصة عليها، وهي:
(1) النظر في وجوه الناس حين مخاطبتهم، فهذا أمر جيد جدا.
(2) يجب البدء بالسلام والتحية للآخرين، فإن هذا يدعم تواصلك الاجتماعي.
(3) جعل برامج يومية كالذهاب إلى زيارة الجيران وزيارة الأرحام، أو الالتحاق بأحد مراكز تحفيظ القرآن فهي أيضا تقطع هذه العزلة والخوف الاجتماعي وتزيد من الفعالية، والإصرار على التفاعل الإيجابي.
يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، فإنه - بفضل الله تعالى - توجد أدوية كثيرة تفيد مثل حالتك منها عقار (زولفت Zoloft) وعقار (سبراليكس Cipralex) وعقار (فافرين Faverin) وكذلك عقار (زيروكسات Seroxat) وهو أكثر هذه الأدوية التي درست لعلاج الخوف والرهاب الاجتماعي؛ ولذا أرجو أن تبدئي في تناوله، وجرعة البداية هي عشرة مليجرام – نصف حبة – ليلا لمدة أسبوعين، ثم ترفعي الجرعة إلى حبة كاملة، وتستمرين عليها لمدة شهرين، ثم ارفعي الجرعة إلى حبتين، واستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، وهنا نكون قد وصلنا لنهاية المرحلة العلاجية، ومن ثم نبدأ المرحلة الوقائية والتي تتمثل في أن تخفضي جرعة (الزيروكسات Seroxat) بمعدل نصف حبة كل شهر حتى تتوقفي عنه تماما.
هذا الدواء من الأدوية السليمة الطيبة ومن الأدوية الفعالة، والذي أسأل الله تعالى أن يكتب لك الشفاء والعافية، فقط عليك بتطبيق الإرشادات السابقة وتناول الدواء بالصورة الموصوفة.
وللاستزادة عن علاج الرهاب سلوكيا يمكنك الاطلاع على هذه الاستشارات: ( 259576 - 261344 - 263699 - 264538 ).
وكذلك قلة الثقة بالنفس: ( 265851 - 259418 - 269678 - 254892 ).
والسنة النبوية في علاج الأمراض النفسية: ( 272641 - 265121 - 267206 - 265003 )
وبالله التوفيق.