الارتباك والقلق نتيجة التعرض لمواقف اجتماعية مع المسئولين أو الغرباء

0 612

السؤال

أنا شاب عمري 28 سنة، متزوج وملتزم منذ سنتين تقريبا ـ ولله الحمد ـ، مشكلتي عندما أريد أن أعبر عن رأيي أمام مجموعة من الناس أشعر بدقات قلبي تزيد وتلعثم في اللسان، وغصة ودوار وارتباك ورعشة في اليدين والرجلين ولا أستطيع أن أتكلم فأسكت، وكذلك عندما أريد أن أؤم الناس بالصلاة الجهرية لا أستطيع؛ لأن الأعراض السابقة تأتيني، علما بأني كنت أستطيع إمامة الناس من قبل ولكن منذ 3 سنوات كنت إماما في صلاة العشاء فلما أردت أن أقرأ ما استطعت وقطعت الصلاة ـ والعياذ بالله ـ بسبب الخوف الذي انتابني، علما بأني معلم ولا ينتابني الشعور عند مواجهة الطلاب، ولكن عندما يدخل عندي مسئول أشعر بارتباك وخوف شديد.

وزيادة على ذلك أتحاشى أي كلمة تدخلني مع شخص في مناقشات، لأني لا أستطيع التعبير عما بداخلي، وإذا تكلمت تتداخل الكلمات فيما بينها، وحساس جدا من أي كلمة تقال لي مزحا كانت أم جدا، وعندما أتكلم مع شخص ولم يلق لي بالا أشعر بأني شخص لا أحد يهتم بكلامه، وأشعر بضيقة وزعل من الشخص، وأنا شخص ـ ولله الحمد ـ اجتماعي مع الناس، أدخل مع الصغير والكبير ومحبوب من قبلهم.

وقد اشتريت (الزيروكسات) بناء على توجيهاتكم لأشخاص مثل حالتي تقريبا، ولكني لا أعلم ما الجرعة التي تناسبني؟

فأرجو من الله أولا ثم منكم أن تجدوا لي حلا لأني أريد أن أكون داعيا إلى الله وإماما ولكن هذا الشعور حال بيني وبين ما أريد.

وجزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من نصائح وإرشادات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإن الأعراض التي تعاني منها هي أعراض الخوف والرهاب الاجتماعي أو القلق الاجتماعي من الدرجة المتوسطة، ومن الواضح أن معظم مخاوفك تكون في المواقف الاجتماعية أمام الغرباء أو المسئولين؛ لأنك لا تأتيك هذه النوبات عند مواجهة الطلاب.

من الضروري جدا أولا أن تصحح مفاهيمك حول الرهاب الاجتماعي، ومع ذلك فأنا أعرف أنه مزعج وأعرف أنه يسبب لك الكثير من الضيق، ولكن الذي أؤكده لك أن هذه الحالة يمكن - إن شاء الله تعالى – علاجها تماما وهو يشخص تحت أمراض القلق وليس أكثر من ذلك.

ومن أساليب العلاج الضرورية جدا هي أن تتفهم طبيعة هذا المرض، حيث أنه مكتسب، بمعنى أنه ليس فطريا وهو نوع من القلق النفسي، وأن الشخصية حين تكون حساسة ربما تكون أكثر عرضة لهذه الحالة، كما أن الأشخاص الذين يميلون إلى الكتمان يكونون أكثر تعرضا لأعراض القلق الاجتماعي، ولذا من الجيد جدا كوسيلة للعلاج أن يعبر الإنسان دائما عن نفسه ولا يترك الأمور الصغيرة التي لا تكون مرضية له مكتومة في داخله بل يخرجها ويعبر عنها؛ لأن التفريغ النفسي في حد ذاته واحد من أساليب العلاج.

وأيضا أريدك أن تتفهم أن هذه الأعراض من شعور بالتلعثم وارتباك ورعشة في اليدين هي ناتجة من القلق التوقعي، بمعنى أن الإنسان يتوقع أنه سوف يفشل أمام الآخرين أو أنه سوف يسقط أمامهم، أو أن الناس يقومون بملاحظته ومراقبته، فإن هذه المشاعر مبالغ فيها، أرجو أن أؤكد لك ذلك، حتى الشعور بالتلعثم لا يكون بنفس الشدة والحدة والقوة التي يتخيلها الإنسان، بل هو أقل من ذلك بكثير، وكذلك الارتباك والرعشة وكذلك التعرق.

لقد وجد أن هنالك مبالغة في مشاعر الناس، ومن الأشياء الضرورية جدا هو أن تعلم أن الناس لا يقومون بملاحظتك أو رصدك أو مراقبتك بالصورة التي تتخيلها.. إذن هذه هي المنطلقات الرئيسية للعلاج.

يأتي بعد ذلك العلاج السلوكي، وأنت الحمد لله تمارس هذا العلاج السلوكي، فأنت تريد أن تكون داعية إلى الله تعالى - وأسأل الله تعالى أن يوفقك لذلك – وتريد أن تصلي بالناس وهذه - إن شاء الله تعالى – أيضا دعوة خيرة ودعوة كريمة نسأل الله تعالى أن يبلغك ذلك وأن تكون لك القدرة عليه، وأنا أثق تماما - إن شاء الله تعالى – أنه لديك المقدرات الكافية أن تقوم بذلك ما دمت قد عقدت النية الصادقة وقصدك هو الإخلاص في العمل.

هنالك علاجات سلوكية تسمى بـ (التعرض في الخيال)، بمعنى أن تجلس في مكان هادئ وتتصور أنك في جلسة نفسية وتحاول أن تتأمل أنك تؤم الناس في الصلاة وتعيش هذه اللحظات بكل تفاصيلها – هذا أمر ضروري جدا – وتتأمل بعد انتهائك من الصلاة بأن أحدا من المصلين سألك سؤالا فقهيا وقمت بإجابته.. عش مثل هذه الخيالات يوميا لمدة عشرين دقيقة.

الخيال الآخر هو أن تتصور أنك تقوم بإلقاء محاضرة أو خطبة أو درسا أمام المصلين أو في أي مركز دعوي، ويا حبذا لو قمت حقيقة بتسجيل هذه الخطبة أو هذا الدرس الذي تتصور أنك تقوم بأدائه أمام المصلين، وبعد أن تسجله قم بالاستماع إلى ما قمت بتسجيله وسوف تجد أن أداءك جيد وممتاز.

يأتي بعد ذلك الانتقال إلى الواقع، وأنت حقيقة تمارس ذلك، فأنت تدرس دون وجود أي مشكلة وتصلي بالناس الصلاة السرية دون وجود كذلك أي مشكلة، فقل لنفسك: (لماذا لا أخطو خطوة إلى الأمام، فأنا لدي مقدرات ولا ينقصني شيء، ولدي النية الصادقة فليس لدي ما يمنعني من ذلك أبدا؟)، المقصود هو أن تحقر فكرة الخوف تحقيرا شديدا، وتبني فكرة المواجهة، فإن هذا في حد ذاته يساعد كثيرا.

أرجو ألا تكون حساسا وأرجو ألا تحس بالأسى حين لا يعري الآخرين اهتماما لكلامك، فإن الناس يختلفون في طبائعهم وفي طريقة تفاعلهم مع الآخرين، وفي ذات الوقت لا أريدك أن تكون حساسا في هذا الموضوع.

هنالك أيضا وسائل التواصل والاختلاط الاجتماعي، فأنت - بحمد الله تعالى – رجل اجتماعي بطبعك، فأرجو أن تصعد من التواصل الاجتماعي، ويمكنك أيضا أن تمارس أي رياضة جماعية مع بعض الإخوة ككرة القدم مثلا مرة أو مرتين في الأسبوع، ولا شك أنك حريص على حضور حلقات التلاوة ولن تواجهك أي مشكلة في ذلك، فإن هذا سيكون أمرا جيدا للتخلص من هذا الرهاب الاجتماعي، وكل المواضيع والدروس التي تريد أن تلقيها على المصلين أو على الناس حاول أن تحضرها تحضيرا جيدا، وكما ذكرت لك قم بتجربة الخيال لإلقاء هذه الدروس ثم بعد ذلك قم بتطبيقها واقعيا، فإن هذا يسهل عليك كثيرا.

هنالك أيضا تمارين بسيطة جدا منها تمارين التنفس، وفي هذه التمارين يمكنك أن تستلقي في مكان هادئ، ثم تغمض عينيك قليلا وافتح فمك قليلا أيضا، ثم خذ نفسا عميقا وبطيئا واملأ صدرك بالهواء واجعل بطنك ترتفع قليلا، ثم أمسك على الهواء في صدرك قليلا، ثم أخرج الهواء بكل قوة وبكل بطء، وكرر هذا التمرين بمعدل أربع إلى خمس مرات في كل جلسة، وكرره صباحا ومساء.

وحتى تكون مقدما - أخي الكريم – على موقف اجتماعي حاول أن تأخذ نفسا عميقا، فعلى سبيل المثال عند بداية القراءة في الصلاة الجهرية خذ نفسا، فإن هذا يساعدك كثيرا ويعطيك السهولة في القراءة ويزيل - إن شاء الله تعالى – من الخوف والقلق.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وحقيقة أنا أريد أن أبشرك بشرى كبرى - إن شاء الله تعالى – أن الـ (زيروكسات Seroxat) سوف يفيد كثيرا في مثل حالتك، فهو من الأدوية الفعالة ومن الأدوية المجربة ومن الأدوية السليمة أيضا لدرجة كبيرة.

فيمكنك أن تبدأ في تناوله بنصف حبة – عشرة مليجرام – ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة واستمر عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة ونصف لمدة شهر آخر، ثم ارفعها إلى حبتين في اليوم واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر – وهذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة بالنسبة للخوف والرهاب الاجتماعي – .

وبعد انقضاء فترة ثلاثة أشهر تبدأ في تخفيض الجرعة بمعدل نصف حبة كل شهرين، بمعنى أنه بعد انقضاء فترة ثلاثة أشهر خفف الجرعة مرة أخرى إلى حبة ونصف، وبعد شهرين خفضها إلى حبة واحدة في اليوم، ثم بعد شهرين خفضها إلى نصف حبة واستمر عليها لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله.

هذه من الطرق الجيدة ومن الطرق الممتازة لتناول الزيروكسات، وكما ذكرت لك هذا الدواء دواء سليم وفعال ولا يسبب أي آثار جانبية، فقط ربما يسبب زيادة بسيطة في الوزن في الشهور الأولى للعلاج ثم بعد ذلك تختفي هذه الزيادة، كما أنه ربما يؤخر القذف بسيطا لدى بعض الرجال، ولكنه لا يؤثر على الذكورة أو على الأداء الجنسي - بإذن الله تعالى -.

وأذكرك، ما دمت تريد أن تكون داعيا إلى الله تعالى وإماما للناس فهذا خير علاج سلوكي وسوف تجد كل خير وكل تسهيل.

ونسأل الله لك الشفاء والعافية التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات