السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية أريد أن أشكركم على تعاونكم الدائم معنا، وأرجو من الله العلي القدير أن يمن عليكم بموفور الصحة والعافية.
عمري 42 وزوجي يعاني من ضعف شديد في الحركة 10 والعدد 15 مليون، والأشكال الشاذة 85% حسب التحاليل.
أما أنا فلم تكن لدي أية مشاكل، إلا أنني أجريت عملية حقن مجهري ثلاث مرات ولم أوفق، ومنذ شهرين كانت العملية الأخيرة ولم تنجح، حيث كانت الأجنة من الدرجة الرابعة، الآن لا أريد أن أقدم على عملية الحقن المجهري؛ حيث لا تسمح الظروف المادية والنفسية بذلك، كما أن تحليل الـ Fsh أصبح مرتفعا 10، ودورتي منتظمة جدا، فماذا أفعل، وهل تناول الكلوميد يفيدني؟
لقد بات وضعي مزعجا للغاية، فوالدتي دائما تبكي وتلومني أنني بقيت مع زوجي 10 سنوات دون فائدة، وتلومني لأنني لم أطلقه، إلا أنني أخاف الله كثيرا، وهذه مشيئته وليس لزوجي يد فيما هو فيه!
أرجوكم ما الحل؟ فأنا أعاني من الاكتئاب وأتناول عقار لوديوميل من أجل علاج الاكتئاب، ولكنني أشعر أنني بحاجة لطفل، فهل هناك أمل بعد وصولي إلى هذا السن وفي مثل هذا الوضع؟
ولكم جزيل الشكر والثواب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا: لا بد من معرفة شيئين مهمين للغاية: أولهما: أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فرحمة الله تعالى واسعة وهو قادر أن يهبك الذرية -إن شاء- حتى ولو بوضع زوجك هذا، وحتى لقد رأينا تحاليل لأزواج أسوأ بكثير من وضع زوجك، ومع هذا أنجبت نساؤهم طبيعيا من غير حقن مجهري أو سواه؛ ولذلك أقول لك: إن الأمر ليس بيدك ولا بيد زوجك، وحتى لو أنك قد تطلقت منه في الماضي وتزوجت بآخر فهذا لا يعني أنك كنت ستنجبين من ذلك الآخر، فكم من أزواج لا يعانون من أية عوائق لا من ناحية الزوج ولا من ناحية الزوجة ومع ذلك لم يرزقوا بالذرية، مع إجرائهم حتى لأطفال الأنابيب عدة مرات، إذ من الجهل أن نعتقد أن الأمر بأيدينا أو بأيدي الأطباء، فإنما الذرية هبة محضة من الله تعالى، وهو القائل في محكم كتابه العزيز في سورة الشورى: ( لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير)[الشورى:49-50]^.
والله تعالى عندما وهب لسارة زوج إبراهيم ولدها إسحاق - عليهما السلام - قالت: ( أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا )[هود:72]^ يقول المفسرون: إن عمرها كان وقتها ثمانون سنة، والخلاصة من القول: إن الأمر لله وحده يخضع لمشيئته وحده، وإنما الوسائل التي تستعمل سواء من الجماع بين الزوجين أو الحقن المجهري أو غيره هي وسائل إن وافقت مشيئة الله تعالى نجحت وحصل المراد، وإن لم توافقه لن يحصل المراد بأي حال.
الأمر الثاني: أنه من قال أن الحياة لا تستقيم من غير أولاد؟ فصحيح أنه كما قال تعالى: ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا )[الكهف:46]^، ولكنه تعالى أكمل الآية بقوله: ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )[الكهف:46]^ أي: أن الأعمال الصالحة هي الباقية التي تنفع يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولنا في التاريخ نماذج كثيرة، ومنها أن نساء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومنهن الصغيرة كالسيدة عائشة -رضي الله عنها- لم ينجبن منه، (عدا السيدة ماريا -رضي الله تعالى عنهن جميعا- ولم يكن محور حياتهن ذلك الأمر، ولم يذكر عنهن أنهن تحسرن على عدم الإنجاب أو حتى أنهن سألن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو الله لهن أن ينجبن، ولك أن تعلمي أن شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمة الله تعالى عليه- لم يتزوج أصلا، ولم يكن له ذرية من بعده، ومع ذلك فقد بلغ بعلمه وتقواه الآفاق، وبقي ذكره إلى يومنا هذا.
فإن تقصري حياتك وتفكيرك فقط على موضوع الإنجاب وتنسي الخير العميم في صبرك وحسن معاشرتك لذلك الرجل الذي لا ذنب له فيما هو فيه، فهذا مع الأسف نظرة قاصرة للحياة ككل، والله تعالى يقول: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )[الزمر:10]^.
ولك أن تعلمي أنه إن دخلت الجنة -إن شاء الله تعالى- وتمنيت الولد فسوف ترزقينه، فهنالك تحصلين على ما تريدين، فلما نكون دائمي التفكير في الحياة الفانية وننسى الدار الباقية! أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يقذف في قلبك الرضا بما قسم لك، وأن يمتعك بنعمة الإيمان والصبر، وأن يجزيك عليه في الآخرة الجزاء الأوفى.
والله الموفق.