السؤال
السلام عليكم.
(285506) هو رقم استشارتي السابقة إليكم، والتي أوضحتم خلالها أن أخي البالغ من العمر 33 عاما مريض بالفصام الباروني أو الظناني.
وبعد أن عرضت حالته على طبيب نفسي في اليمن، قال نفس ما ذكرتموه بأنه مصاب بانفصام، وكتب له علاج هو (Risperdal 3mg) نصف حبة في المساء لمدة عشرين يوما.
الطبيب طلب مقابلة المريض، ولكن أعتقد أنه لن يوافق، حيث يقول أنه ليس مريضا بأي مرض نفسي أو هوس، ويشك في كل من يسأله عن حاله بأنه مرسل من الأمن، حتى أنا شكك بي غير أني أقنعته بأن ذلك غير صحيح.
ولدي بعض الاستفسارات أرجو التكرم بالإجابة عليها للفائدة:
- ما الذي يحدث للمخ في حالة الفصام الباروني قبل أخذ العلاج؟ وما هو أثر العلاج على المخ فيما بعد؟
- المريض للأسف يتناول القات المنتشر في اليمن، فهل يتم زيادة الجرعة لكي يكون لها أثر جيد؟
- يتم إعطاء المريض الدواء عن طريق طحنه في الأكل أو إذابته في الشاي دون علمه، فهل ذلك سيؤدي إلى نفس النتيجة المرجوة من العلاج؟
- كيف يتم التعامل مع المريض فيما يتعلق بأموره الحياتية في المنزل، وأيضا في العمل، حيث يعمل محاسبا في مؤسسة حكومية؟
كما أن لدي سيارة يتنقل بها، مع ملاحظة أنه حساس وكثير الظن من سابق، ويقول أنه يريد أن يبتعد عن الانفعال الذي يخرجه عن إطاره، ولكن العجيب في الأمر أنه يتلفط عندما يغضب بألفاظ نابية وجارحة للآخرين، فهل العلاج سيخفف أو يقضي على كل ذلك؟
- يتعامل مع زملائه في العمل بنوع من الرسمية الزائدة أو ربما الجفاء، حيث يظن أن هناك من يستقصده ويلمح له بالكلام، وأنهم مرسلون لمضايقته، وبالتالي فإنه يتصرف بخشونة مع كل من يضايقه أو يدوس له على طرف، فكيف تقيمون هذه التصرفات؟ وهل يطلب إجازة أم يفضل أن يمارس عمله بشكل طبيعي؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فإنه حسب ما أوردته في رسالتك وما ذكره لك الطبيب فإن هذا الأخ – شفاه الله وعافاه – يعاني من نوع معروف ومشهور من أنواع مرض الفصام، وهو (الفصام الباروني) أو الفصام الظناني، وهذا النوع من المرض يستجيب للعلاج بدرجة كبيرة إذا تناول المريض الجرعة الصحيحة، وإذا التزم بتناول الدواء.
نحن نعرف أن هنالك الكثير من الصعوبات مع بعض هؤلاء المرضى؛ حيث إنهم لا يتبعون الإرشادات وبالطبع يكون الواحد منهم غير مقتنع بأنه مريض لأنه ليس مرتبطا بالواقع، وحكمه على الأمور ليس سليما؛ ولذا الذي ننصح به هو ألا نقول لهم أنكم مرضى مرضا نفسيا، بل نقول لهم إنه ربما يوجد لديك بعض الإجهاد البسيط، وهذا الدواء - إن شاء الله - سوف يساعدك في تقوية التركيز، وكذلك في تقوية جسمك، وهكذا.
هذه من الأساليب التي ربما لا أحبذها كثيرا، ولكنها هي الوسيلة الوحيدة المتاحة، ويعرف أن الكثير من هؤلاء المرضى بعد أن تتحسن حالته ويكون أكثر ارتباطا بالواقع، يبدأ في التعاون وفي تناول العلاج بصورة جيدة جدا.
إذن المريض حين يرتبط بالواقع بعد أن يتناول الدواء سوف يتعاون - إن شاء الله - في تناول الدواء، ودائما نحبذ أن يتفاوض أو يتفاهم معه شخص يكون أكثر الناس قربا إليه، فهذا يساعد في إقناعه بإذن الله تعالى.
الشيء الآخر بالنسبة للمرضى الذين يرفضون العلاج أو لا يرفضون بالكلية ولكنهم قد يلتزمون التزاما لصيقا به، ففي هذه الحالة ننصح بإعطاء إبر أو حقن تعطى حسب نوعها مرة كل أسبوعين أو مرة كل ثلاثة أسابيع أو مرة كل شهر.
إذن: توجد عدة طرق لعلاج هذه الحالة.
جرعة الرزبريدون Risperidone والتي وصفها الطبيب وهي واحد ونصف مليجرام يوميا لمدة عشرين يوما، وهي جرعة البداية، ولا تعتبر جرعة علاجية كافية، والجرعة العلاجية يجب أن تكون أربعة إلى ستة مليجرام ليلا.
أتوقع أن يقوم الطبيب برفع الجرعة بعد انقضاء فترة العشرين يوما، وحين تصل الجرعة إلى أربعة مليجرام أو إلى ستة مليجرام، يفضل إضافة دواء آخر يعرف باسم (آرتين Artne) بجرعة اثنين مليجرام أو خمسة مليجرام يوميا، وهو لا يعالج مرض الفصام، ولكنه يوقف أو يجهض الآثار الجانبية التي قد تحدث من الرزبريدون، وهذه الآثار الجانبية تتمثل في الشعور بالانشداد العصبي أو برجفة بسيطة قد تحدث في الأطراف.
والآن نقوم بالإجابة عن استفساراتك، فالسؤال الأول عما يحدث للمخ في حالة الفصام الباروني قبل أخذ العلاج؟
فحقيقة لا أحد يستطيع أن يؤكد تأكيدا يقينيا وقاطعا ما الذي يحدث، ولكن النظريات الغالبة هو أن هنالك مادة تعرف باسم (دوبامين)، وهنالك مادة أخرى تعرف باسم (سيرتونن)، يحدث هنالك نوع من سوء الإفراز أو ضعف الإفراز أو عدم انتظام الإفراز أو فقدان المعادلة الكيميائية بين هذين الموصلين العصبيين، وأكثر المناطق التي تتأثر في المخ هي الفص الأمامي وكذلك الفص الصدغي في المخ، هذه هي النظرية السائدة والتي تعتبر أكثر قبولا وأكثر منطقيا.
وأثر العلاج بالطبع هو أن يعيد المسارات الكيميائية إلى وضعها الصحيح، فيحسن وينظم إفراز هذين الموصلين العصبيين (الدوبامين، والسيرتونن).
بالنسبة لهذا المريض – شفاه الله وعافاه – لا شك أن تناوله للقات يعتبر أمرا غير جيد؛ لأن القات يحتوي على ثلاث عشرة مادة كيميائية، منها مادة تعرف باسم (الكاثنين)، وهي مادة تؤدي كثيرا إلى تنشيط مادة (الدوبامين) مما ينتج عنه المزيد من الظنان والمزيد من الشكوك.
والذي أراه هو أن نحاول إقناعه بقدر المستطاع أن يتوقف عن القات، وأعتقد أن عقار الرزبريدون بجرعة ستة مليجرام في اليوم مناسب في حالته.
أما بالنسبة لطحن الحبة ووضعها في الأكل وإذابتها في الشاي – وهكذا – فإن هذا أمر مقبول وغير مرفوض ولا يؤثر على الفعالية الكيميائية للدواء.
التعامل مع المريض في الأمور الحياتية، فأولا لابد أن نعطيه اعتباره، فيجب ألا نعامله كمعاق أبدا، بل نحاول أن نستشيره في الأمور الحياتية، ونحاول أن نبدي له الاحترام، ونحاول أن نبدي له التقدير، ونجعله يشارك في النشاطات الاجتماعية والنشاطات الأسرية، وأن يكون متواصلا، وألا نتركه منعزلا، هذا أمر ضروري جدا، ودائما نحاول أن نحفزه ونشجعه نحو ما هو إيجابي.
لا شك أن التلفظ بالألفاظ غير المقبولة والألفاظ الجارحة والحادة هو من سمات الشخصية الظنانية، ومن سمات مرض الظنان في بعض الأحيان، ولا شك أن العلاج – إن شاء الله تعالى – سوف يخفف من ذلك حتى ينتهي تماما.
تعامله مع زملائه بالصورة التي ذكرتها ناتج من حالته المرضية؛ لأنه يتخذ أقصى درجات المحاذير، ولا يريد أن يختلط أو يتفاعل مع الآخرين بصورة طبيعية؛ لأنه بالطبع يشك في نواياهم ويلجأ إلى سوء التأويل، والعلاج - إن شاء الله تعالى – سوف يساعد في القضاء على هذه الظاهرة أيضا؛ ولذا يجب أن نكون حذرين ونكون حقيقة حريصين جدا أن نضمن أنه يتناول العلاج.
لا أعتقد أنه في حاجة لإجازة؛ لأن العلاج بالعمل نفسه يساعده كثيرا، كما أن طلب الإجازة ربما يشعره بأنه ناقص أو أنه لديه علة وأنه مريض، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة له.
جزاك الله خيرا على اهتمامك بأمر هذا الأخ، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، وكل عام وأنتم بخير.
وبالله التوفيق.