هل سيغفر الله لي كثرة المعاصي وعصيان الوالدين؟

0 356

السؤال

السلام عليكم..

أنا فتاة ارتكبت كل المعاصي وأريد التوبة، ولكن كثرة المعاصي التي ارتكبتها وغضب والداي علي يمنعني، من أين أبدأ؟ وهل إذا ارتدعت يغفر الله لي؟ والأهم هل سيغفر لي غضب والدي علي؟

أرجوك أفتني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يصلح ما بينك وبينه، وأن يصلح ما بينك وبين والديك، وأن يرزقك رضاهما عنك، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد في رسالتك أختي الكريمة الفاضلة لينا! فإني أحب أن أقول لك: إن الله تبارك وتعالى جل جلاله جعل باب التوبة مفتوحا أمام العصاة والمذنبين حتى تطلع الشمس من مغربها، ونادانا سبحانه وتعالى بقوله: (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم))[الزمر:53]. وقال أيضا جل جلاله: (( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ))[النساء:17].

والنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا: أن (باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها). بل إنه صلى الله عليه وسلم قال أيضا: (إن الله تعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار). وفوق ذلك فلقد قال مولانا جل جلاله: (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين))[البقرة:222].

فاعلمي أختي الكريمة الفاضلة! أنه مهما عظمت ذنوبك ما دمت تشهدين أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن الله تبارك وتعالى سيغفر لك، ويتوب عليك، ويتجاوز عنك إذا كنت جادة في التوبة، وصادقة فيها حقا، ومن علامات الجدية والصدق التوقف عن المعاصي التي كنت ترتكبينها قبل هذه اللحظة، وأنا أريدك أن تبدئي من الآن وفورا ولا تترددي، ولا تنظري لكثرة المعاصي، وإنما انظري لسعة رحمة الله تعالى، فهل أنت أعظم سوءا من الرجل الذي قتل مائة نفس؟ إن الرجل الذي قتل مائة نفس قطعا ارتكب معها ملايين المعاصي الأخرى، ورغم ذلك لما تاب إلى الله تاب الله عليه وأدخله الله الجنة.

فأنا أقول لك الآن وبسرعة: عجلي واغتسلي الآن بارك الله فيك، ثم اخرجي من دورة المياه وقفي بين يدي الله تعالى وصلي ركعتين بنية التوبة إلى الله تعالى، واسألي الله عز وجل أن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وعاهدي الله تعالى وأنت تصلي هاتين الركعتين أن يكون هذا هو آخر عهدك بالمعاصي، وألا تقعي في الذنوب بعد ذلك أبدا بإذن الله تعالى. ثم انظري إلى الأسباب التي كانت تؤدي بك إلى وقوع المعاصي وأغلقيها، فإذا كنت مثلا تتعرفين على بعض الشباب فاقطعي علاقتك بهم، وإذا كان الهاتف هو سببا من أسباب الفواحش فأغلقي هاتفك أو غيري الرقم أو قومي بإلغاء الهاتف مطلقا، وإذا كانت لك بعض صديقات السوء اللواتي زين لك الباطل فاقطعي علاقتك بهن، وإذا كان ذهابك لبعض الأماكن هو الذي يزين لك المعصية فلا تذهبي إليه؛ حتى تكوني صادقة.


فلابد لك من هجر البيئة التي كنت ترتكبين فيها المعاصي، ولا تصدقي أحدا من هؤلاء العصاة من أنه قد تاب مثلك، وأنه يريد أن يصحح خطأه، فلا تفتحي الباب أمام أي أحد من هؤلاء، وإنما أغلقي هذا الباب، ولا تقبلي اتصال أحد منهم لك كائنا من كان؛ لأنه قد يضعفك، وقد يردك مرة ثانية إلى المعصية. فابدئي من الآن بارك الله فيك وقولي: يا رب! عاهدتك عهدا أكيدا ألا أعود إلى معصيتك، فأعني وثبتني وتقبل توبتي، وأكثري من الاستغفار وقول: أستغفر الله! أستغفر الله! أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، رب! اغفر لي وتب علي، (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين))[الأنبياء:87]، (رب! إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت). وأكثري من دعاء سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك – أمتك – وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). وغير ذلك من صيغ الاستغفار الواردة في القرآن والسنة.

وأما بالنسبة لوالديك فإنك تستطيعين بارك الله فيك أن تكسبي رضاهما؛ لأنه لا يوجد أب يكره ابنته، ولا توجد أم تكره ابنتها أبدا، وإنما هما يكرهان التصرف السيئ والمعاملة السيئة، وأما الشخص فهم لا يكرهونه، ولذلك اذهبي إلى والديك واعتذري لهما، وقبلي اليد والقدم والرأس معا، واطلبي منهما العفو والصفح، وأنا واثق من أنهما سوف يعفوان عنك ويغفران لك ويقفان معك بإذن الله تعالى. فإن لم يقبلا منك اعتذارا فعليك أن تكثري من الدعاء لهما، وأن تجتهدي في ذلك، وأن تدعي المسألة لقدر الله، فإن الزمن كاف لعلاج كثير من الأمور، وتستطيعين أن تحسني إليهم بكل صور الإحسان، حتى وإن لم يقبلا منك ذلك، ولكن أقول: ارجعي إليهما الآن، وقبلي القدم والرأس واليد، واطلبي منهما المغفرة والعافية، ومهما فعلا فلا تردي السيئة بالسيئة، وإنما اطلبي منهما السماح، وأن يقفا معك، وأنك رجعت الآن في ثوب جديد، ولا ينبغي أن يتخليا عنك، وبهذا الكلام العاطفي الطيب الذي يخرج منك لأبيك وأمك أنا واثق من أنهما سيغفران لك، ويعفوان عنك، ويقفان معك أمام شياطين الإنس والجن، ويدعمانك بالدعاء، وبالرضا الذي سينفعك الله تبارك وتعالى به.

فعجلي عجلي ولا تترددي، وابدئي بمجرد قراءتك لهذا الرد فورا بالاغتسال والوقوف بين يدي الله تعالى، وصلاة ركعتين والاستغفار، والتوبة إلى الله تعالى ومعاهدة الله عز وجل، واعلمي أن أعظم عامل من عوامل التوبة إنما هو التوقف عن الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، ثم الندم على فعلها، ثم عقد العزم على ألا تعودي إليها.

أسأل الله أن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يبدل سيئاتك حسنات، وأن يرزقك رضا والديك عنك، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات