الخوف من الظلام والموت والمجهول، ساعدوني.

0 524

السؤال

السلام عليكم

أنا امرأة أعيش في قلق دائم وتوتر لا ينتهي بسبب مشكلة حالة مرضية أو وهم أعيشه؛ إذ اختلطت علي الأمور؛ لذلك ألتمس من جنابكم تفسير حالتي بالتدقيق حتى أتمكن من تجاوزها والشفاء.

مشكلتي تتمثل في الخوف اللاإرادي، إذ أنني ومنذ صغري كنت دائما أخاف ككل صغير من الظلام والموت والبقاء بمفردي في البيت، ولكن حتى الآن وبهذا العمر فإني أعيش هذه الحالة من الخوف من المجهول.

وقد تعكرت مشكلتي خاصة طلاقي منذ سنتين، إذ أنا بطبيعتي مسالمة وأكره المشاكل في حياتي، وهو ما انتهى بي بالطلاق؛ إذ أصبحت لا أحب أن أبقى بمفردي في البيت، وخاصة في الليل، ولا أحب أن أخرج بمفردي بالسيارة إذ أشعر في بعض الأحيان أني مقيدة بالغير في أفعالي.

وعندما أخاف أتوتر وأشعر بالدوار فتتسارع دقات قلبي من الخوف، وهذه الحالة تقلقني كثيرا خاصة في هذا العمر.

هل أنا مريضة فعلا أم مجرد وهم؟ إذ أشعر في بعض الأحيان أنه مجرد وهم، مع العلم أنني أصلي ومواظبة على صلاة الفجر، وقراءة القرآن يوميا، وأنا كذلك متحجبة وأخاف من الله سبحانه، فأعينوني جزاكم الله ألف خير وأنا وفية لشبكتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nadia حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فكل عام نحن وأنتم والجميع بخير وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجعلنا وإياكم من عتقائه من النار ومن المقبولين.

أريد أن أبدأ بما انتهيت إليه وأقول لك: إنك لا تعانين من أي نوع من الوهم، وفي نفس الوقت أنت لست بمريضة مرضا حقيقيا، إنما الذي تعانين منه هو ظاهرة نفسية تأتي تحت طائلة حالات القلق النفسي، وبادئ ذي بدء من الواضح أن شخصيتك تحمل سمات القلق، أي أن القلق هو جزء من التكوين النفسي لديك، وكثير من الناس لديهم هذه السمة، وهؤلاء بالطبع يكونون أكثر قابلية للمؤثرات والضغوطات الخارجية حين تحدث لهم في الأمور الحياتية حتى وإن كانت بسيطة، وهذه تؤدي إلى ظهور القلق والخوف في صورة أكثر وضوحا، وتزداد الأعراض خاصة الأعراض الجسدية من شعور بالضيق والدوخة وتسارع في ضربات القلب ويصاب البعض أيضا بالرعشة والتعرق.

هنالك أمر آخر وهو أن لديك أيضا بعض الاستعداد للخوف، فقد وجد أن أربعين بالمائة من الذين يعانون من (خوف الطفولة) -علما بأن الخوف في فترة الطفولة هو أمر عادي للدرجة الكبيرة -بصورة واضحة يصابون بخوف في مرحلة البلوغ أو ما بعد البلوغ، ومن هؤلاء الأربعين بالمائة عشرون بالمائة منهم يعانون مما يعرف (بالخوف أو الرهاب الاجتماعي).

إذن التفسير والتوضيح لحالتك بسيط وواضح جدا، وألخص لك مرة أخرى هو أنك لست مريضة ولست متوهمة، إنما لديك استعداد فطري للقلق، ويزداد معدل القلق وأعراضه حين تكونين عرضة لأي نوع من الظروف الحياتية المهيئة لذلك.

لا شك أن أمر الطلاق مؤسف، ولكن (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)، [البقرة:216]، وأسأل الله تعالى أن يجعل لك خير العوض وأن يكتب ما هو طيب وما هو خير لحياتك.

الحمد لله على مواظبتك على الصلوات وعلى قراءة القرآن، فهذا بلا شك رصيد ودافع نفسي كبير لأن يبلغ الإنسان مبتغاه في الدنيا والآخرة، فأرجو أن تحافظي على ذلك، بل نطالبك بالمزيد، ونسأل الله تعالى أن يثبتك على عقيدتك وأن يكتب لك الأجر والثواب.

بالنسبة لعلاج حالتك فأعتقد أن التفسير والشرح هو مكون أساسي للعلاج، وأنا أؤمن بذلك كثيرا، فأرجو أن أكون قد أوضحت لك في حدود المعقول، وأرجو أن يكون نتاج ذلك هو أن يخفف القلق والتوتر لديك، وسبل العلاج الأخرى هي:

ضرورة أن تديري وقتك وزمنك بصورة جيدة وبصورة فعالة، حيث إن إدارة الزمن بصورة إيجابية تمثل حافزا نفسيا قويا للتخلص من أعراض القلق، فخصصي وقتا لعملك وحاولي أن تكوني متميزة، وخصصي وقتا للترفيه المنضبط، وخصصي وقتا للتواصل الاجتماعي، وللرياضة، وللراحة، وللقراءة والاطلاع، فهنالك الكثير جدا الذي يمكن أن يقوم به الإنسان.

عليك أيضا بممارسة أي نوع من الرياضة يناسب المرأة المسلمة، فهذا -إن شاء الله تعالى- أيضا يحرق ويزيل هذه الطاقات القلقية، ويساعدك في مزيد من الاستقرار النفسي.

لابد أن يكون تفكيرك إيجابيا، فأنت -الحمد لله- إن وجدت سلبيات في حياتك فيوجد الكثير أيضا من الإيجابيات، وعليك أن تفكري في هذه الإيجابيات وتحاولي تطويرها وبناءها وتثبيتها، فهذا -إن شاء الله تعالى- يفيد كثيرا.

وأرجو أن تحقري فكرة الخوف وأن تقتحمي المواقف التي تحسين فيها بالخوف، وعليك ألا تتجنبيها أبدا، ويجب أن تقنعي نفسك أن فكرة الخوف هي فكرة سخيفة خاصة إذا كان الموقف لا يستحق الخوف أصلا، وحاولي أن تأخذي القدوة وأن تتمثلي بالآخرين الذين يتفاعلون مع الأحداث الحياتية دون وجل أو خوف.

بعد ذلك يأتي ما يعرف بتمارين الاسترخاء وهي مفيدة وطيبة جدا، فهنالك تمارين التنفس التدرجي، من خلال هذه التمارين يمكنك الاستفادة كثيرا وتعلم الاسترخاء وهدوء النفس، ولممارسة هذه التمارين عليك أن تستلقي في غرفة هادئة وفي وضع مريح، ثم أغمضي عينيك وافتحي فمك قليلا، ثم تأملي في موقف طيب سعيد مر عليك في حياتك، وبعد ذلك خذي نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، واملئي صدرك واجعلي البطن ترتفع قليلا، ثم بعد ذلك أمسكي الهواء قليلا في صدرك، ثم أخرجي الهواء عن طريق الفم، ويجب أن يكون إخراجه بنفس القوة وبنفس التدرج الذي أدخل به الهواء.

كرري هذا التمرين أربع إلى خمس مرات بمعدل مرتين في اليوم.

يأتي بعد ذلك العلاج الدواء، وأنت في حاجة لأحد الأدوية المضادة للخوف والمضادة للقلق والمضادة للتوتر، وبما أنه تنتابك نوبات الدوار وكذلك تسارع ضربات القلب فإن هذا ربما يكون مقدمة لنوع خاص من القلق يعرف بنوبات الهرع أو نوبات الهلع، ومن أفضل الأدوية لعلاج مثل حالتك عقار يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram) فأرجو أن تبدئي في تناوله، وجرعة البداية هي عشرة مليجرامات ليلا لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى عشرين مليجراما ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى عشرة مليجرامات ليلا لمدة ستة أشهر أخرى.

هذا الدواء من الأدوية السليمة وغير الإدمانية ومن الأدوية الفعالة جدا، فأرجو أن تبدئي في تناوله -وإن شاء الله تعالى- سوف تجدين فيه خيرا كثيرا، وعليك بالطبع بتطبيق الإرشادات السابقة.

ونسأل الله لك الشفاء والعافية وتقبل الله طاعتكم، ونسأل الله أن يجعلنا جميعا من عتقائه من النار ومن المقبولين.

ولمزيد من الاستفادة حول موضوع المخاوف يمكنك الوقوف على هذه الاستشارات:

(259342 - 264181 - 265858 - 230225 - 266237) والمخاوف بصورة عامة: (262026 - 262698 - 263579 - 265121) ولعلاج الخوف من المجهول: (262008 - 259784 - 110736).

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات