السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري أربع وعشرون عاما، أعاني منذ الطفولة من التلعثم أو التعتعة في الكلام، وعندما كان عمري اثنا عشر عاما زادت علي، وقد مررت بأمور ربما تكون هي السبب الرئيسي، حيث خوفني أحد العاملين عند والدي وحبست البكاء ثم لاحظ أهلي علي ذلك، وقد كنت سريعة الكلام وأضطر أن أعيد الكلام حتى يفهموا ما أقول.
علما بأنه يوجد في أولاد أخوالي من يعاني من هذا الشيء، وكلهم لهم أسباب إلا بنت خالي، والمصدر الرئيسي لما أعانيه يشتبه علي، فعندما أكون وحدي يكون غالب كلامي سليما، لكني أتلعثم أمام الناس، وإذا طلب مني أحد أن أعيد شيئا فإنني أتلعثم، فكيف أتخلص من ذلك وأتكلم مباشرة؟!
وأخاف من الكلام مع أخي الكبير، ويصيبني التلعثم إذا طلب مني أحد أن أتكلم، وأفضل السكوت كثيرا، ولا أستطيع في أكثر الأحيان أن أقول موضوعا طويلا خاليا من التلعثم، والآن أقدم على وظيفة تتطلب مني الكلام، وأسكن في قرية لا يوجد بها إلا مستشفى واحد فيه أخصائي نفساني ولا يوجد أي أخصائي نطق أو تخاطب، فأرجو منكم أن تأخذوا بيدي وتتابعوا معي حتى أتخلص من هذا البلاء حتى أرتاح أثناء العمل وأتخلص من التفكير في حياتي، وقد سمعت عن حبوب اسمها (Pagoclone) وأخرى اسمها (زيبركسا)، فهل لها فائدة؟ وهل تسبب الإدمان؟ وسمعت عن أجهزة وسماعات وبرامج للتلعثم، فهل تنصحوني بها؟ ومن أين أحصل عليها؟!
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الراجية رحمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن التلعثم أو التأتأة ظاهرة معروفة، وتكون لدى الذكور أكثر من الإناث، وهي في المقام الأول مرتبطة بالقلق، وربما تكون هناك مسببات لها في مرحلة الطفولة، والحادثة التي تعرضت لها لا نستطيع أن نهملها، ولكن في ذات الوقت ربما لا تكون هي السبب المباشر، وعموما فإننا نقول: إن (العين حق) كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يسأل الله أن يحفظه.
والصورة التي عرضتها علينا تدل وبما لا يدع مجالا للشك أن التلعثم الذي تعانين منه مرتبط بالقلق، خاصة الذي نسميه بـ(القلق التوقعي)، أو ما يسمى أيضا بـ(قلق الأداء)، أي حينما تكونين في معية الآخرين، كما أن تفكيرك في الموضوع ومحاولتك التخلص من هذا التعلثم في وقت مخاطبة الآخرين ربما يقلل من أدائك ويجعلك تحسين بالتلعثم.
وأود أن أؤكد لك حقيقة هامة وهي أن الذين يعانون من التلعثم أو التأتأة توجد مبالغة في مشاعرهم، أي أنهم يستشعرون التلعثم بصورة زائدة ومبالغ فيها، وهذا في حد ذاته يؤدي إلى مزيد من القلق ومزيد من التوتر مما يؤدي أيضا بالطبع ظهور التلعثم ظهورا واضحا.
فأرجو أن تصححي مفاهيمك أن حالتك ليست بالسوء الشديد، وأنك لست بالإنسان الوحيد الذي يقع في هذا الأمر، وقد طلب سيدنا موسى عليه السلام من الله تعالى أن يحلل عقدة من لسانه، وهذا دعاء طيب على كل مسلم ومؤمن أن يتمسك به؛ لأنه إن شاء الله يساعد في طلاقة اللسان، وهناك بعض التمارين التي تفيد في مثل حالتك وهي:
(1) تمارين الاسترخاء، وهناك عدة أنواع من هذه التمارين، فهناك طريقة بسيطة تعرف بـ(طريقة جاكبسون Roman jackobson)، ففي هذه الطريقة:
أ- استلقي في مكان هادئ وفكري في أمر طيب وسعيد مر في حياتك، وفكري أنك تتكلمين بصوت عال وبكل انطلاقة وقوة.
ب- أغمضي عينيك وافتحي فمك قليلا.
ج- خذي نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف - وهذا هو الشهيق -.
د- لابد أن يمتلأ الصدر بالهواء وترتفع البطن.
هـ - أمسكي على الهواء قليلا في صدرك وبعد ذلك أخرجي الهواء بنفس القوة والبطء عن طريف الفم - وهذا هو الزفير -.
وهذا التمرين يعتبر علاجا استرخائيا مفيدا، فعليك أن تلتزمي به، وعليك أن تكرري هذا التمرين أربع إلى خمس مرات بمعدل مرتين في اليوم.
(2) حبذا لو تعلمت مخارج الحروف، وأفضل وسيلة لأن نتعلم بها مخارج الحروف هي تجويد القرآن الكريم، فهذا يساعد كثيرا في علاج التلعثم، فأرجو أن تشرعي في ذلك ويمكنك أن تبحثي عمن يعينك في هذا السياق.
(3) أود منك أن تجلسي مرتين في اليوم وحدك لمدة عشرين دقيقة وتقومي بتسجيل قطعة من الكلام يمكن أن تكون قراءة أو تكون ارتجالا، وبعد أن تسجلي ما تودين أن تقوليه قومي بالاستماع إلى ما قمت بتسجيله، وسوف تجدين أن أداءك أفضل مما تتصورين، وحاولي أن تصححي أي أخطاء وردت فيما سجلته، فعلى سبيل المثال بعض المواقف تتطلب الكلام ببطء أكثر، فقومي بتمرين وتعويد نفسك على ذلك.
(4) عليك بالاسترسال في العلاجات السلوكية، والتي نسميها بـ(التعرض في الخيال)، فتصوري أنك جالسة أمام مجموعة كبيرة من الناس وقد طلب منك مثلا إلقاء كلمة ترحيبية أو كان الموقف يتطلب أن تخاطبي أنت الآخرين.. عيشي هذا الخيال وعيشيه بقوة وبجدية، وتصوري أنك أمام شخص مسئول أو صاحب منصب وقام بإجراء حوار معك وسألك عن بعض الأشياء التي لابد من أن تجيبيها وهكذا.
وقد أزعجني قليلا موضوع التجنب، فقد أصبحت تتجنبين الرد على الهاتف وأصبحت أيضا تتجنبين التفاعل مع الآخرين، والتجنب هو من أسوأ المناهج التي ينتهجها الإنسان؛ لأنه يؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة في النفس ويؤدي إلى مخاوف وانعزال اجتماعي، فأرجو بقدر المستطاع أن تعالجي هذا الأمر، فقومي أنت أولا بالاتصال بصديقاتك على الهاتف مثلا، وبعد ذلك قومي أنت أيضا بالرد على الهاتف حين يتصل أحد من خارج المنزل وهكذا، فتعرضك لهذه المواقف يعتبر هذا أمر هاما وضروريا.
وأما بالنسبة لأخصائيي التخاطب فلا شك أنهم يساعدون كثيرا، ومن أفضل ما يقوم به أخصائي التخاطب هو أن يعلم الإنسان كيفية مخارج الحروف وكيفية أن يربط بين التنفس وبين الكلام، فهذا أيضا مفيد.
وأما بالنسبة للمعدات والسماعات، فإنه توجد بعض المعدات وبعض السماعات ويقوم باستعمالها أخصائي التخاطب، وفي رأيي هو أفضل ما تسألينه في هذا الأمر؛ لأنها أيضا ربما لا ينصح باستعمالها دون نوع من الشرح ونوع من التوجيه، وعموما فائدتها لا نستطيع أن نؤكدها ولا نستطيع أن ننفيها.
وأما العلاج الدوائي فإن كل الأدوية التي تستعمل لعلاج القلق والتوتر وجد أنها مفيدة، وعقار (زبركسا Zyprexa) والذي يسمى علميا باسم (اولانزبين Olanzapine) هو في الأصل دواء مضاد للأمراض العقلية ومضاد للذهان، كما أنه دواء يساعد في توازن المزاج، ولكنه وجد أن استعماله بجرعة صغيرة يساعد كثيرا في علاج التلعثم والتأتأة، فلا مانع أن تتناوليه بجرعة اثنين ونصف مليجرام وليس أكثر من ذلك، وهو يوجد في شكل حبة تحتوي على خمسة مليجرامات وأخرى تحتوي على عشرة مليجرامات، فيمكنك استعمال نصف حبة (2,5 مليجرام) - من فئة الحبة التي تحتوي على خمسة مليجرام – لمدة أربعة أشهر.
وبجانب هذا الدواء هناك عقار آخر يعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) ويعرف تجاريا أيضا باسم (باكسيل Paxil) ويعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine)، هذا أيضا يفيد في القلق ويفيد في المخاوف ويفيد في التوتر، وهو دواء استرخائي، فأنصح أيضا بأن تتناولي منه نصف حبة (عشرة مليجرامات) ليلا لمدة خمسة أشهر، ثم تتوقفي عن تناوله.
إذن العلاج الدوائي بالنسبة لك سوف يكون هو نصف حبة من الزبركسا من فئة خمسة مليجرامات، ونصف حبة من الزيروكسات (باروكستين) من فئة العشرين مليجراما، وهذه الأدوية ليست تعودية وليست إدمانية، وإن شاء الله تجدين فيها فائدة كثيرة جدا.
وأما بالنسبة للدواء الآخر (Pagoclone) فلا داعي لاستعماله؛ لأن الأدوية التي ذكرتها لك هي الأفضل وهي الأسلم، وسيكون من الجميل إذا التحقت أيضا بأحد مراكز تحفيظ القرآن وانضممت لهذه الحلقات التي يتلى فيها القرآن، فهذه إن شاء الله تعالى تساعد على فصاحة اللسان وعلى إعطاء الثقة بالنفس وعلى القضاء على التلعثم بإذن الله تعالى.
أؤكد لك أنه إن شاء الله تعالى لن تواجهك أي صعوبات في الدراسة، فقط لا تراقبي نفسك الرقابة الصارمة، وطبقي الإرشادات السابقة وتناولي الدواء الذي وصفته لك، ونسأل الله تعالى أن يعافيك ويطلق لسانك، وأن يتقبل طاعتكم في هذه الأيام الطيبة، وكل عام وأنتم بخير.
وبالله التوفيق.