السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والدي شخص متقلب المزاج، حيث يكون معنا أحيانا طبيعيا، ولكنه فجأة ينقلب إلى شخص آخر كثير الشتم والسب ويرفض أي طلب نطلبه منه، وهذه الحالة هي الغالبة عليه، ولا يجلس في البيت ويهرب من كل شيء، وكان دائما يهددنا بالضرب والطرد من المنزل، وقد تعبنا من معاملته القاسية وأسلوبه الجاف، ولا نستطيع أن نأخذه إلى طبيب نفسي، وقد قرأت عن مرض الوسواس القهري، فهل هو مريض به؟ وكيف نتعامل معه؟ وهل يوجد أمل في شفائه؟!
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نهى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الوصف الذي ورد في رسالتك والذي يخص السمات أو السلوكيات التي تبدر من والدك الكريم يحتاج إلى أن نتأكد من بعض الأشياء، ورغم احترامنا لوصفك إلا أننا حريصون أن تكون الحقائق بصورة أكثر دقة، وهذا لا يتم إلا إذا فحص الشخص بواسطة الطبيب المختص، وهناك بعض الاختبارات في بعض الأحيان يحتاج الطبيب أن يقوم بتطبيقها حتى يصل إلى التشخيص الصحيح، كما أن الإنسان الذي يعاني من مثل هذه الأعراض لابد من مناظرته وملاحظته أكثر من مرة.
وعموما فإن ما وصفته يعطينا بعض المؤشرات التي من خلالها يمكن أن نقول أن والدك لا يعاني من وساوس قهرية؛ لأن هذه السمات ليست سمات الوساوس القهرية، والغالب أنه يعاني من نوع من الشخصية سريعة الإثارة، فهناك شخصيات تكون سريعة الإثارة، وتحدث هذه السرعة في الإثارة في المحيط الذي يمكنهم السيطرة عليه، ولن تكون هناك ردود فعل عنيفة عليه من جانبهم.
وربما يكون لوالدك بعض الصفات أو السمات التي نسميها بـ(السمات الإسقاطية)، بمعنى أنه قد يسيء التأويل ولا يحسن الظن بالآخرين، وهذا يجعله أيضا يكون لديه نوع من الشكوك في نواياه حيال الآخرين مما يجعله أكثر انفعالا، ولكن يأتي السؤال: لماذا كل هذه التصرفات ولماذا كل هذه السمات ولماذا لا يكون أكثر لطفا في معاملته لكم في المنزل؟
ولابد أن نوضح أن هناك شخصيات تميل بطبعها إلى النزوع للسيطرة على الآخرين وعدم تقبل الانتقاد، ولذا تجد تواصلهم مع الناس دائما فيه هذه الانفعالات والتصرفات السلبية، ويعرف أن الأعراض أو الصفات التي تتسم بها الشخصية تزداد شدة ووضوحا مع تقدم العمر، بمعنى أن الإنسان الذي كان عصبيا في صغره وفي شبابه سوف يصبح أكثر عصبية حين يتقدم به العمر، ونحن مع ذلك لا نعرف عمر والدك – حفظه الله – ولكن هذه حقيقة علمية، فمن كان لطيفا وعطوفا سوف يكون أكثر لطفا وعطفا حين يتقدم به العمر للدرجة التي يصبح فيها عاطفيا جدا في بعض المواقف وقد يهتز لها بسرعة شديدة، والإنسان الشكوكي أو الإنسان الظناني أو الذي يميل إلى ما يعرف بالإسقاط تزداد لديه الشكوك والإسقاط مع تقدم العمر.
وتوجد بعض الأمراض النفسية التي ربما لا تظهر في صورتها الإكلينيكية المعروفة، إنما تأتي في صورة تصرفات غير سليمة، ومن ذلك الاكتئاب النفسي، فيعرف أن للاكتئاب النفسي صفات معروفة، وهذه الصفات التي يتصف بها والدك لا تحمل صفات الاكتئاب النفسي المعروفة، ولكن لا نستبعد أبدا أنها ربما تكون مؤشرا لوجود حالة اكتئابية، وهذه لا بد أن أركز عليها كثيرا؛ لأن هذه الحالات دائما تستجيب استجابة حسنة جدا للأدوية المضادة للاكتئاب.
ولا أعرف إذا كان والدك يعاني من أي أمراض عضوية مثل السكر والضغط، فهذه الأمراض يعرف أيضا أنها إذا أدت إلى تصلب في الشرايين - كما يحدث لبعض الناس - فقد تظهر لديهم حالات نفسية في شكل انفعال وقلق وتوتر، وربما اكتئاب.
والذي أنصح به أن يحفظ للوالد مقامه وأن تحفظ له مكانته، وأن يتم التعامل معه بلطف، ولابد له عليكم من البر والإحسان إليه في كل وقت، وتعتبر اللحظات التي يكون فيها حسن المزاج هي أفضل لحظات لحواره ونقاشه والتلاطف معه، ويجب الابتعاد عنه وتجنبه في اللحظات التي يكون فيها منفعلا ومكتئبا، والشيء العام هو أن يقوم الجميع على إراحته في داخل المنزل.
وأما بالنسبة لعرضه على الطبيب أو إقناعه بتناول أحد الأدوية المضادة للقلق والعصبية والتوتر فهو أمر مطلوب، وهذا يحدث بعد الحوار معه بصورة لطيفة، وليس من الضرورة أن يتكلم معه كل أفراد الأسرة، فيمكن أن يتكلم معه الشخص الذي ترون أنه أقرب إليه أو من يثق فيه.
وأعتقد أن والدكم سوف يستفيد كثيرا من الأدوية المضادة للاكتئاب، فهناك عقار يعرف تجاريا باسم (إيفكسر Efexor) ويعرف علميا باسم (فنلافاكسين Venlafaxine) أو عقار يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram) وهي أدوية معروفة وسليمة وممتازة، وسيكون أحد هذين الدوائين مفيد له في التحكم في العصبية والتوتر، وسيكون صدره أكثر سعة وانشراحا؛ لأن تحسن المزاج دائما هو الوسيلة الضرورية والمهمة جدا للإنسان حتى يتواصل مع الآخرين بصورة مقبولة.
وختاما نسأل الله له الشفاء والعافية، وجزاك الله خيرا على اهتمامك بأمره، وأكرر أنه لابد أن تحفظ حقوقه كوالد ولابد أن يساند، ونسأل الله تعالى لكم الصحة والعافية وأن يتقبل طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير.
وبالله التوفيق.