السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله يجزيك خيرا دكتور عبد العليم، ويعطيك الصحة والعافية، ويجعل ما تعمله في موازين حسناتك يا دكتور.
هل هناك دواء حديث للرهاب الاجتماعي نزل السوق أو سينزل في القريب؟ وهل إيفكسر 150 إكس آر مع الاستعمال لسنوات صعب الانفكاك منه، أم أن التدرج الشديد لا يحدث أعراضا انسحابية؟ ولماذا الشركات العالمية لا تصنع دواء معدلا كالسيروكسات ويحاولون تجنب الأعراض الجانبية السيئة مثلا كالسمنة والنعاس؟ هل هي صعبة لهذا الحد؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فجزاك الله خيرا، ونسأل الله تعالى لك ولنا ولجميع المسلمين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، وبارك الله فيك على كلماتك الطيبة وجعلنا الله عند حسن ظنك.
بالنسبة للأدوية فيما يخص علاج الرهاب الاجتماعي فلا نستطيع حقيقة أن نقول: إن هنالك أي دواء نزل في الأسواق لعلاج الرهاب الاجتماعي، فلا زالت الأدوية التي تستعمل هي عقار الزيروكسات (Seroxat) وكذلك عقار الإيفكسر (Efexor)، وعقار زولفت (Zoloft)، وعقار فافرين (Faverin).
والشيء الذي نستطيع أن نقول إنه إضافة وأثبت الآن أنه علاج جيد للرهاب الاجتماعي هو العقار الذي يعرف تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، ويعرف علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine) بجرعة أربعين إلى ستين مليجراما في اليوم، يعتبر علاجا فعالا للرهاب الاجتماعي، ويعرف عنه أنه ظل لمدة عشرين عاما في الأسواق.
أيضا العقار الذي يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram) هنالك دراسات تشير أنه جيد وممتاز في علاج الرهاب الاجتماعي، وإن كان البعض قد شكك في فعاليته، حيث إنه دواء أكثر تخصصية في علاج نوبات الهرع والفزع.
بالطبع ربما تكون هنالك بعض الشركات تقوم بأبحاثها، والشركات دائما تتحفظ وتتكتم تماما على منتجاتها وذلك لأسباب معروفة على رأسها التنافس بين الشركات، ولا تفصح عن المنتج إلا بعد أن يصل إلى مرحلة التجربة على عينات من المتطوعين، وهنا للتأكد بالطبع من فعاليته ومن سلامته.
إذن: لا نستطيع أن نقول: إن هنالك دواء حسب ما أعرف أنه سوف يكون في الأسواق قريبا لعلاج الرهاب الاجتماعي خلاف الأدوية الموجودة الآن، ولكن لا أستبعد - كما ذكرت لك - أن يكون هناك عقار ولكن ضرب عليه سياج من السرية بواسطة الشركات المنتجة.
فيما يخص سؤالك عن الإفكسر (Efexor) والذي يعرف علميا باسم (فنلافاكسين Venlafaxine) هو حقيقة لا نستطيع أن ننكر أبدا أنه يسبب بعض الأعراض الانسحابية، وهذه واحدة من المشاكل الرئيسة مع هذا الدواء، ولكن هذه الأعراض الانسحابية لا تعتمد مطلقا على سنوات الاستعمال، بمعنى أنه لا نستطيع أن نقول: إنه دواء إدماني، فالأدوية الإدمانية من مجموعة (البنزودايزين Benzodiazepine) تعتمد على مدة الاستعمال في درجة إدمانيتها، ولكن هذا الدواء (إفكسر) لا يعتمد على ذلك أبدا، فالشخص الذي يستعمله لمدة ثلاثة أشهر أو الذي يستعمله لمدة ثلاث سنوات كلاهما قد يجد بعض الصعوبات في التخلص من الدواء؛ لذا فالتدرج مطلوب وهو الوسيلة الوحيدة.
وأنا شخصيا لا أعتقد أن أعراض انسحاب الإفكسر هي أعراض شديدة أو فظيعة، ولكنها علقت بتفكير الناس، إذن الجانب النفسي موجود، والتدرج في جرعة مائة وخمسين مليجراما ليس صعبا أبدا، والتدرج فيه بأن تخفض مائة وخمسين مليجراما إلى خمسة وسبعين مليجراما التي يتم تناولها يوميا لمدة شهر، ثم بعد ذلك يتم تناول كبسولة واحدة من فئة خمسة وسبعين كل يومين، وبعد شهر يتم تناول كبسولة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر أيضا، ثم بعد ذلك يمكن التوقف عن الدواء.
كان هنالك مستحضر إفكسر من فئة سبعة وثلاثين ونصف مليجرام، ولكن أعتقد أنه الآن قد سحب من الأسواق، حيث إن الشركة رأت أنه لا داعي لوجوده؛ لأن كبسولة واحدة من الخمسة والسبعين مليجراما يمكن أن تكون هي جرعة البداية، وفي نفس الوقت يمكن أن يستفاد منه كجرعة وقائية أو من أجل التدرج لسحب الدواء.
الجزئية الأخرى في السؤال وهي: لماذا الشركات العالمية لا تصنع دواء معدلا كالزيروكسات ليحاولوا تجنب الأعراض الجانبية السالبة؟
والجواب على ذلك أن الشركات تعمل على ذلك بشدة، وأعتقد أن محاولاتها فشلت؛ لأن هذه الأدوية كلها تعمل على تثبيط مادة السيروتوينن (Serotonin) بصورة تلقائية، ويعرف أن هذه المادة لها عدة مشتقات، ففيها ما يخص الشهية للطعام وفيها ما يخص الأداء الجنسي وهكذا.
إذن طبيعة الموصلات العصبية بمشتقاتها المختلفة والتي تعمل عليها هذه الأدوية هي التي لا يمكن تعديلها، وبعض الشركات نحت منحى آخر بأن أدخلت أدوية منافسة لهذه الأدوية وهذه الأدوية تعمل على مسارات بيولوجية مختلفة، مثل عقار (ولبيترين Wellbytrin) وهو دواء جيد جدا لعلاج الاكتئاب، ولكنه غير مفيد للقلق وغير مفيد لعلاج الرهاب الاجتماعي، بالرغم من بعض الادعاءات التي قيلت، وهذا الدواء يعرف عنه أنه قد يخفف الوزن، وأنه لا يؤدي إلى النعاس مطلقا، وأنه يحسن الأداء الجنسي، ولكن – بكل أسف أيضا – ربما يسبب نوبات صرعية لقلة قليلة من الناس.
إذن الشركات مجتهدة وتعمل بكل جد؛ لأن هذا قطعا من مصلحتها، خاصة أن سوق الدواء أصبح سوقا تنافسيا لدرجة كبيرة، ولكن أعتقد أن المحدودية العلمية في معرفة السمات الكاملة من الموصلات العصبية هي التي أعاقت أي تقدم في الأدوية النفسية حتى الآن، ولكننا لا نستبعد أن تحدث بعض الاكتشافات المستقبلية.
هنالك بالطبع نوع من الحيل العلاجية التي يمكن محاولتها، فعلى سبيل المثال يمكن إعطاء الزيروكسات مع العقار الذي يعرف تجاريا (توباماكس Topamax)، ويعرف علميا باسم (توباراميت Toparamate)، وهو في الأصل دواء لعلاج الصرع، وربما أيضا يحسن المزاج قليلا، ولكنه وجد أيضا أنه دواء يقلل كثيرا من الشهية نحو الطعام، وهذا ربما يقاوم زيادة الوزن التي قد تحدث من الزيروكسات.
هذا المنهج ننتهجه في بعض الأحيان – أي: نعطي أدوية مضادة لبعض الآثار التي قد تسببها هذه الأدوية – ولكن هذا أيضا ربما يفتقد العلمية الكاملة، والكثير من كبار أستاذة الطب النفسي لا يفضلونه، وإن كان البعض يقوم بنفس هذه الممارسة، أي: بوصف الدواء والدواء الذي يقلل من آثاره الجانبية.
جزاك الله خيرا، وبارك الله فيك، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى أن يتقبل طاعاتكم في هذه الأيام الطيبة، وكل عام وأنتم بخير.
وبالله التوفيق.