الخجل والخوف من الاجتماعات والمحاضرات

0 759

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعجبني كثيـرا موقعكم، وجزاكم الله خيرا على ما تفعلونه لأخواتكم وإخوانكم المسلمين في كل مكان، وجعلها الله في موازين حسناتكم.

مشكلتي هي أني أعاني منذ صغري من الخجل الشديد، ولكنها ازدادت في المرحلة المتوسطة والثانوية، وسوف أذكر لكم حالتي لعلها تصف مشكلتي بالشكل الصحيح، وهي أني حاليا في الجامعة، وعندما يلقي الدكتور سؤالا موجها إلي تبدأ نبضات قلبي بالسرعة، ووجهي ينقلب أحمر، وترتعش يداي، ويرتعش صوتي قليلا، وأبتعد عن المناسبات وعن الحفلات، وحينما يأتي أحد أقاربي إلى بيتنا أتهرب وأختبئ في غرفتي، وعندما أمشي أمام أشخاص مهما كان المكان مثل المجمعات التجارية أو الجامعة أو في المسجد أو في الشارع أشعر أني لا أعرف أمشي بالشكل الصحيح، وكأن رجلي بهما خلل، وحينما أمشي ولا يوجد أحد أكون في أحسن حالة، وأكون شخصا طبيعيا، وأشعر أن جميع أعين الناس موجهة إلي، وحينما أذهب إلى الصلاة في المسجد أفضل أني أذهب وقت قيام الصلاة وأختار الصف الأخير لكي لا يرى تحركاتي من هو يصلي خلفي.

وحينما أكلم أي شخص عبر الهاتف -ما عدا الأشخاص المقربين والذين أتكلم معهم كل يوم- يأتيني خوف شديد وتغير في الصوت والأسلوب، وربما احمرار في الوجه وضربات سريعة وارتجاف في اليدين وعدم استيعاب من هم حولي، وأنسى كل من حولي، وأحيانا عندما أسوق السيارة وعند إقفال الخط أجد نفسي في مكان لا أعلم كيف وصلت إليه! ويدي دائما في حالة ارتجاف، ويشعر بها الجميع.

أيضا عندي عدم القدرة على المواجهة والتعبير عن رأيي في المحاضرة، ولكن احمرار وجهي هو الذي يسبب لي مشكلة كبيرة ويجعلني أبتعد عن المداخلات والإجابات، وعندما يقول لي أحد أصدقائي في الجامعة: لماذا يا نواف احمر وجهك؟ أفضل أن تنشق الأرض وتبلعني ولا يحدث لي أن يراني أحد! ووجهي أصبح أحمر بغير سبب، وأتغيب عن المحاضرات بسبب الاحمرار، مع أنه لا يوجد سبب لاحمرار الوجه، ولولا احمرار وجهي لكنت طالبا جريئا في المحاضرات، وأتخوف من مواجهة الأشخاص المهمين في المجتمع، وتصيبني حالة ارتعاش.

حاولت كثيرا أن أذهب إلى معالج نفسي لكن لم أستطع لأني طالب وليست لدي القدرة المالية الكافية، ولا يوجد في المكان الذي أعيش فيه مستشفيات فيها معالجين نفسيين، وإلى الآن لم أشعر بتحسن، مع العلم أن تخصصي في الجامعة هو التسويق، ويجب أن أكون إنسانا جريئا لكي أكون أكثر كفاءة في العمل.

وأيضا أنا على وشك التخرج، وأتخوف وأفكر كثيرا في الوظيفة وكيف سأتأقلم مع إخواني الموظفين وكيف أواجه العملاء؟ وحينما أشعر بهذا الشيء أشعر بخوف.

وأحب أضيف أيضا أنني جاءتني فترة حينما أقابل شخصا أعرفه بالصدفة يحمر وجهي وتزيد نبضاتي، أو عندما يناديني أحد فجأة أمام مجموعة من الأشخاص، ولكني الآن ـ الحمد لله ـ لا يحمر وجهي إلا في المحاضرات فقط.

أنا قرأت بشبكتكم في مثل حالتي، وأنتم جزاكم الله خيرا أشرتم إلى استعمال الزيروكسات، وأنا الآن أستخدمه من ثلاثة أسابيع، وابتدأت بنصف حبة لمدة أسبوعين والآن منذ ثلاث أيام رفعت الجرعة إلى حبة.

أريد منكم جزاكم الله خيرا أن تخبروني ما هي حالتي؟ وهل هي رهاب اجتماعي؟ وإذا كان رهابا فما هو نوعه؟ وما هي الطرق لكي أستطيع أن أجتاح هذه الحالة؟ وما معنى الجرعات الوقائية وهل أحتاجها؟ وما هي الجرعات المناسبة لحالتي من دواء الزيروكسات؟

جزاكم الله خيرا، وجعل هذا الموقع في ميزان حسناتكم يوم القيامة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نواف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن ما ورد في رسالتك يوضح دون أي شك أنك تعاني من قلق الرهاب الاجتماعي، ومن الناحية الإحصائية العلمية يعرف أن من ينتابهم الخجل والانطواء في مرحلة الطفولة أن هنالك جزءا كبيرا منهم قد يصل إلى الثلث يصابون بالرهاب والقلق الاجتماعي بعد مرحلة البلوغ.

والذي لمسته أنك متفهم تماما لأعراضك وبصورة دقيقة جدا، ويظهر أن العرض الذي سبب لك إزعاجا أكثر هو احمرار الوجه أمام الآخرين، وأنك مراقب من جانب الآخرين، وهذه حقيقة أحد العلل الثانوية التي نحاول أن نركز على إرشاد الإخوة الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي أنه من الضروري جدا أن يصححوا هذا المفهوم، فجزء من عملية العلاج الأساسية بالنسبة لك هي أولا أن تتأكد أن الرهاب الاجتماعي هو فقط قلق نفسي وليس أكثر من ذلك.

ثانيا: هو حالة مكتسبة، ربما تكون نتجت من خبرة سابقة معينة في أثناء الطفولة أو بعد الطفولة، وهذه الخبرات المكتسبة يمكن أن يفقدها الإنسان إذا كان لديه الإصرار وتفهم طبيعتها وأنها ليست بأمور غريزية أو فطرية.

ثالثا: أود أن أؤكد لك أنه مهما كان شعورك بشدة الأعراض، فهنالك مبالغة في الطريقة التي تستشعر بها أنت هذه الأعراض، فقد قام أحد العلماء بتصوير الأشخاص الذين يعانون من رهاب اجتماعي وكانوا كثيري الشكوى بأنهم تحمر وجوههم وأنهم يتلعثمون ويرتعشون وربما يسقطون أمام الآخرين، وذكر أحدهم أنه على وشك أن يتبول أمام الآخرين، فقد تم تصويرهم بالفيديو وهم في أوضاع اجتماعية تتطلب المواجهة، وتم هذا التصوير دون علمهم، وبعد ذلك عرضت عليهم صورهم وتم تدارس الفيلم كاملا معهم، واتضح أن نسبة المبالغة في مشاعرهم كانت حوالي ستين بالمائة، بمعنى أن أعراضهم الحقيقية هي أقل بنسبة ستين بالمائة من الأعراض التي يستشعرونها.

هذه إذن حقيقة علمية مهمة جدا، ويجب أن تبعث الطمأنينة فيك، فأؤكد لك أنك لست مراقبا بالشدة التي تتصورها، كما أنه لن يحدث لك أي فشل في مواقف اجتماعية، أنا معك وأعترف بأن الأعراض مزعجة ولكنها ليست خطيرة.

أما بالنسبة لسبل العلاج؛ فهذه من السبل المهمة التي ذكرتها لك، وهي تصحيح المفاهيم، ويأتي بعد ذلك أنه يجب أن تركز على المواجهة، فأنت الحمد لله الآن تعيش بعض التحسن، وهذا أمر طيب جدا، فحاول أن تقنع نفسك بأن هذه المشاعر فيها جزء كاذب وليست حقيقية، فهذا ضروري جدا.

بعد ذلك حاول أن تعرض نفسك لمواقف الخوف الاجتماعي، ولابد أن يكون ذلك بجدية وقناعة بأنك تسعى لتغيير حقيقي تود أن تقوم به بنفسك، وهناك طريقتان:

الطريقة الأولى: هي عن طريق التعرض في الخيال، فتصور أنك جالس في مكان ولديك دعوة في المنزل أو مناسبة كبيرة، ولابد أن تقابل الضيوف، فهذا موقف اجتماعي يتطلب الجرأة ويتطلب ألا تخذل ضيوفك، ولا تخذل نفسك، ولابد أن تظهر أمامهم بالصورة المطلوبة.

تصور أنك تخاطب مجموعة من الناس في محاضرة ما، وتصور أيضا أنك في الصف الأول في المسجد وطلب منك أن تصلي بالناس بعد أن تغيب الإمام.

هذه كلها مواقف يجب أن تعيشها في الخيال، لأنها قد تحدث في الحقيقة، ووجد أنها مؤثرة جدا وتعود بعائد إيجابي كبير على الإنسان في مواجهة الرهاب الاجتماعي.

وبعد ذلك لابد لك من التطبيق العملي -وهذه هي الطريقة الثانية- فحاول ألا تتجنب المواقف الاجتماعية مهما كانت، وأنا متأكد أنك تستطيع اختراق هذه الصعوبات التي تحس بها، وهذا الاختراق سوف يؤدي إلى مزيد من التحسن؛ لأنه ينتج عنه الشعور الداخلي بالمكافأة الذاتية، والمكافأة الذاتية هي من أفضل الطرق التي تجعل الإنسان يدير ذاته بصورة أكثر إيجابية.

عليك أيضا بالتواصل الاجتماعي الغير مباشر، وممارسة الرياضة الجماعية، وحضور حلقات التلاوة.. هذه كلها تعطي الإنسان القدرة على المواجهة الاجتماعية.

بعد ذلك أود أن أجيب على أسئلتك التي ذكرتها فأقول لك: نعم إنك تعاني من رهاب اجتماعي، وهذا الرهاب الاجتماعي هو نوع من أنواع القلق، وربما يكون لديك درجة بسيطة أيضا مما يعرف برهاب الساحة، وهو أن يحس الإنسان بعدم الطمأنينة في المواقف التي لا تكون معه رفقة آمنة أو في أماكن التجمعات.

أما السؤال الثاني: وما هي الطرق التي تستطيع أن تعالج بها هذه الحالة؟
فالجواب: هي الطرق التي ذكرتها لك، وهي الطرق الإرشادية السلوكية المعرفية مع تناول الدواء المطلوب، علما بأن الزيروكسات Seroxat يعتبر من أفضل الأدوية حقيقة التي تعالج الرهاب الاجتماعي، والزيروكسات يعمل من خلال ما يعرف بتثبيط إرجاع السيروتونين التلقائي، والسيروتونين هو المكون البيولوجي أو المادة التي يعتقد أنه يحدث فيها نوع من الاضطراب أو عدم انتظام في فرزها في منطقة معينة في الدماغ تعرف بالفص الصدغي، وتتميز هذه المادة (السيروتونين Serotonin) بأنها ترجع هذه المادة أو المكون الكيميائي إلى وضعه الطبيعي.

الجرعة التي يجب أن تتناولها وهي الجرعة الصحيحة، فأنت بدأت بنصف حبة، وبعد ذلك انتقلت إلى حبة كاملة، وبعد أن يمضي شهر على هذه الجرعة وهي حبة كاملة - أرجو أن ترفع الجرعة إلى حبتين في اليوم، وهذه هي الجرعة المطلوبة بالنسبة لعلاج الرهاب الاجتماعي -أي أن جرعة أقل من أربعين مليجرام نعتقد أنها غير فعالة- ولابد أن تستمر على جرعة أربعين مليجرام (حبتين) في اليوم لمدة ستة أشهر على الأقل، ثم بعد ذلك تبدأ في الجرعة الوقائية، والجرعة الوقائية يقصد بها أنها الجرعة التي يتناولها الإنسان ليعضد ويوطد التحسن، بمعنى أن الجرعة العلاجية هي التي تؤدي إلى إزالة الأعراض وتحسن الإنسان، وتأتي بعد ذلك الجرعة الوقائية من أجل توطيد وتعضيد هذا التحسن، وبالطبع المطلوب أو المقصود منها أيضا هو أن تمنع الانتكاسات.

هذا هو الذي أود أن أوضحه لك، وأؤكد لك تماما أن الزيروكسات دواء ممتاز وهو دواء فعال جدا ويناسب حالتك، وهو من الأدوية السليمة وقليلة الآثار الجانبية جدا، فقط هنالك أثر جانبي بسيط ربما يحدث منه وهو أنه ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن، وهذا يحدث في الأربعة أشهر الأولى، ولكن إذا تحكمت في الغذاء ومارست الرياضة سوف يختفي هذا العرض، كما أن هذا الدواء ربما يؤدي إلى تأخير القذف قليلا عند بعض الرجال ولكنه لا يؤثر على مستوى الخصوبة أو الذكورة بالنسبة للرجل.

أشكرك كثيرا على ثقتك في شخصي الضعيف، وأسأل الله لك الشفاء والعافية، وكل عام وأنتم بخير، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات