السؤال
أعاني من حالة اكتئاب شديدة بسبب أني مريضة بشلل الأطفال، ودائما أكون عصبية جدا وحزينة في نفس الوقت، وأجلس منفردة كثيرا، ولا أحب الاختلاط بأحد، فهل أنا مريضة نفسيا؟
أعاني من حالة اكتئاب شديدة بسبب أني مريضة بشلل الأطفال، ودائما أكون عصبية جدا وحزينة في نفس الوقت، وأجلس منفردة كثيرا، ولا أحب الاختلاط بأحد، فهل أنا مريضة نفسيا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنك الآن تعيشين مع حالة شلل الأطفال منذ سنوات، وحقيقة نحن في مثل هذه الحالات دائما نذكر بأن ينظر الإنسان إلى نفسه بدقة أكثر، فيجب أن تنظري إلى مقدراتك الأخرى، نعم شلل الأطفال يؤدي إلى تعطيل جزء معين من الجسم ربما الرجل ومعه اليد، وتكون هناك عرجة...نعرف ذلك، ونعرف أنه بالنسبة للفتاة قد يكون مزعجا أكثر مما يسببه من إزعاج بالنسبة للذكور، ولكن إذا نظر الإنسان – وأرجوك أن تنظري إلى ذلك – إلى بقية جسمه فسوف يجد أن سمعه وبصره وعقله وبقية الجسم كله مكتمل بفضل الله تعالى.
وبعد ذلك أريدك أن تنقلي نفسك إلى مرحلة فكرية أرفع، وهي أن تعرفي أن الذين يعانون من مثل هذه الحالات تكون لديهم مصادر قوة أكبر من غيرهم في أجزاء أخرى من جسدهم، فإذا نظرت لنفسك فسوف تجدين أنك تتمتعين بمقدرات أكثر لا يتمتع بها بقية الناس، هذا الكلام لا مبالغة فيه مطلقا.
كنت أرأس إحدى اللجان الطبية منذ سنوات، وهذه اللجنة هي اللجنة التي يتقدم لها المراجعون من أجل الإحالة للتقاعد، ومن هذه الحالات أخت كانت تعاني من شلل الأطفال عمرها أربعة وثلاثون عاما، وتعمل معلمة منذ عشر سنوات، وأتت قائلة أنها تريد أن تتقاعد عن العمل كمعلمة؛ لأنها تريد أن تفتح دورا لتحفيظ القرآن، فحين طلبت التقاعد اعتقدت أنه خجلا وخوفا مما تعانيه من علة وحقيقة هي مستحقة التقاعد حسب حالتها الطبية، ولكنني سررت كثيرا أن هذه الأخت تريد أن تقوم برسالة أخرى أكبر وأعمق في الحياة، فهي انتقلت من مرحلة وظيفية إلى مرحلة وظيفية أخرى أرفع وأفضل مما كانت تقوم به.
إذن الإنسان يقاس بفعاليته ويقاس بما يقدمه، وأنا لا أنكر أن هذه العلة ابتلاء والمؤمن الصابر يقبل مثل هذه الابتلاءات، وأرجع لقولي الذي ذكرته وهو أنك لديك مقدرات أخرى لكن تركيزك على علة الضعف العضلي الذي سببه شلل الأطفال أو العرجة جعلك تتناسين كل مصادر القوة الأخرى في نفسك.
ليس هناك ما يحزنك، فأرجو ألا تحزني، وهناك كتاب جميل للشيخ (عائض القرني) بعنوان (لا تحزن)، فأرجو أن تتحصلي على هذا الكتاب، وتقرئي ما به بتمعن وتفكر وتأمل، وأنا على ثقة تامة أن قلبك سوف ينشرح وسوف تحسين أن علتك هذه لا تساوي شيئا.
أرجو أن تتخطي هذا الحاجز النفسي، وأسأل الله تعالى أن تطئي بعرجتك هذه الفردوس الأعلى، ولا تنسي - أختي الكريمة الفاضلة – أن التاريخ قد علمنا أن الكثير من أصحاب الاحتياجات الخاصة والإعاقة كانوا من المتميزين والمتفوقين، فبعض هؤلاء حكم بلادا بأكملها وهو على كرسي، وهناك أمثلة كثيرة جدا موجودة، وقد قال تعالى: ((ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج))[النور:61]، وقال جل وعلا: ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب))[الزمر:10]، وقال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
فأرجو ألا تحزني ولا تحسي بالأسى، وفي ذات الوقت أطالبك بأن يكون لك حضور وبأن يكون لك وجود، فاذهبي إلى المناسبات الاجتماعية إذا كان ليس لديك عمل وظيفي، فأرجو أن تنضمي لأي عمل تطوعي خيري، وسوف تحسين بالرضا وبقيمة الذات، وساعدي من هم أكثر منك حاجة وضعفا وسوف تحسين بجمال هذا العمل.
بعض الدول بها تشريعات تلزم أصحاب العمل في القطاع الخاص والقطاع العام أن يستوعبوا مثل حالتك.
أنت ربما يكون لا رغبة لك في العمل أو ظروفك لا تسمح بذلك، ولكن هذا لا يمنعك أبدا من أن تكوني فعالة على النطاق الاجتماعي والنطاق الأسري، فلا تحزني أبدا ولا تيأسي أبدا، وأنت لست بمريضة نفسية، وأنا أؤكد لك ذلك بكل قوة، فهذا تفاعل ظرفي قام على بعض المفاهيم الخاطئة، وربما يكون مجتمعنا أيضا ساهم في تثبيت هذه المفاهيم الخاطئة؛ لأننا نقسو كثيرا على بعضنا البعض في بعض الأحيان.
أؤكد لك أنك لست بمريضة نفسيا، وأسأل الله تعالى لك الصبر ولك الأجر وأن تتخطي كل هذه الصعاب.
وبالله التوفيق.