دواء الرهاب والقلق

0 440

السؤال

كنت أعاني من شدة الخجل، وعدم القدرة على الكلام وإبداء الرأي، وعدم القدرة على الدفاع عن رأيي ونفسي، والإحساس بأن الكل يراقبني ولا يحبون التعامل معي إلا أصدقائي المقربين (أربعة فقط)، والباقون يعرفوني بأني إنسان منعزل، شديد الصمت، ممل عند الحديث.

علما بأني أخاف أن أتحدث كثيرا مع أي شخص، وأنهي أحاديثي سريعا؛ لأن شعورا ينتابني بأنني ممل ولن أستطيع التحدث، وهذا الشعور الذي يجعل أحاديثي مملة بالفعل أو محدودة جدا، وقد عرفت لاحقا أن هذه أعراض الرهاب الاجتماعي، ثم طرأ شيء جديد في حياتي وهو أني بدأت أشعر بحالة اكتئاب شديدة وحزن وشكوك وتفكير في الموت وعدم الرغبة في فعل أي نشاط وضعف الذاكرة وهكذا.

وفي الأوقات التي لا أكون فيها تحت تأثير تلك الأعراض أشعر أني شخص قوي للغاية يمكنه التحدث، وأقوم بفعل كل ما لا أستطيع فعله تحت ذلك التأثير عندما يتمكلني، وقد لاحظت أنه بدأ يزيد خلال الشهر المنقضي، وصرت أشعر بشعور غريب وكأنني أريد أن أكسر شيئا، وقد سمعت عن البروزاك والزيروكسات، فما هو الأفضل فيهما؟ وهل هناك مشكلة لو تناولته دون إشراف الطبيب؟ وهل يسبب أحدهما أو كلاهما الضعف الجنسي؟ وهل يكون تأثيره دائما أو مؤقتا؟ وهل تناول الدواء أربعة أشهر هي مدة كافية للعلاج؟!

أفيدوني وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عز الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الأعراض التي قمت بسردها تشير بصفة عامة أنك تعاني من درجة بسيطة مما يعرف بالقلق أو الرهاب الاجتماعي، وما كنت تعاني منه من خجل لا شك أنه ساهم في فقدك الثقة بنفسك، وأصبحت تأخذ الجانب السلبي في تقييم قدراتك وإمكاناتك الاجتماعية والنفسية والذهنية، وهذا من أسوأ سبل تقييم النفس، والاكتئاب كثيرا ما يكون عرضا ثانويا يصاحب قلق الرهاب الاجتماعي، وكذلك الشكوك وعدم القدرة على التركيز.

هذه كلها أعراض مرتبطة ارتباطا وثيقا بالرهاب أو القلق الاجتماعي، ومع ذلك فأنت لديك أشياء إيجابية كثيرة، أولها أنك في كثير من الأحيان حينما لا تكون تحت تأثير هذه الأعراض تشعر بأنك شخص قوي، وشخص لديه إمكانيات ويمكنه التحدث والتواصل مع الآخرين، فهذه إمكانية عظيمة، وأنت مطالب بتذكر هذه القدرات حين تأتيك اللحظات السلبية التي يظهر فيها عليك القلق والرهاب والخوف وعدم القدرة على التحدث مع الآخرين أو عندما تلجأ إلى إنهاء المحاورة بسرعة.

فتذكر هذه اللحظات الجميلة التي تظهر فيها قدراتك الحقيقية، وهذا دليل على أن قدراتك الحقيقية موجودة؛ لأن الإنسان لا يقدم إلا ما يملك وإلا ما يكون عنده، فإذن أنت لديك رصيد من القدرة على التعبير، فحاول أن تستفيد من هذا الرصيد وهذه الإمكانات التعبيرية، وعليك بتذكرها حين تنتابك لحظات الضعف في التركيز وعدم القدرة على المواجهة أو المخاطبة.

ومن الضروري جدا أن تعيد تقييم نفسك، فكثير من الإخوة والأخوات يخطئون كثيرا في حقوق أنفسهم - بل لدرجة القسوة -، وهذا الحكم يكون قائما على الطاقات والأفكار السلبية فقط، ولا يلتفت الإنسان ولا يتذكر إيجابياته مطلقا، وهذه الأحكام السلبية حين تتكرر فسوف تكون قوية وتكون مدعمة مما يؤدي إلى مزيد من الشعور بالفشل وفقدان الثقة في النفس.

فأرجو منك أن تعيد تقييم حالتك بطريقة جديدة وتنظر إلى الأشياء الإيجابية والمقدرات الفاعلة التي تتمتع بها والتي عليك أن تسعى لتطويرها، ومن خلال ذلك سوف تضعف الأحكام السلبية على الذات وتنتهي بعد ذلك إن شاء الله.

ويأتي بعد ذلك تصحيح المفاهيم، فالكثير من مرضى القلق يعتقدون أنهم تحت مراقبة الآخرين، وأنهم سوف يفشلون أمام الآخرين، فأرجو أن تتأكد أن المشاعر الفسيولوجية من شعور بالرعشة، وتسارع في ضربات القلب، وتلعثم، وتعرق، هي مشاعر مبالغ فيها، وليست كلها حقيقية، والآخرون لا يقومون برصدك أو مراقبتك، وهذا حسب التجارب العلمية، فأرجو أن تصحح مفهومك من هذه الناحية.

وعليك أن لا تتجنب هذه المواقف أبدا، وحاول أن تكون مقتحما لكل ما يجعلك تحس بالقلق، خاصة في المواقف الاجتماعية، وهناك ما يعرف بالمواجهة أو الاقتحام في الخيال، وهو تمرين نفسي جيد إذا طبقه الإنسان بصورة صحيحة، فتصور أنك أمام مجموعة من الناس وأنك تريد أن تقدم عرضا لموضوع معين ووسط الحضور الكثير من المسئولين، قم بهذا الشعور ويجب أن لا يقل استرسالك في هذه المشاعر عن ربع ساعة يوميا، وسوف تجد أنه مفيد جدا.

وعليك أيضا بالتفاعلات الجماعية الاجتماعية، وذلك بالمشاركة في الرياضة الجماعية ككرة القدم أو السلة أو غيره، وحضور حلقات التلاوة والمشاركة فيها أيضا هو نوع من التجمع الاجتماعي الرائع جدا والذي يؤدي إلى زوال الخوف الاجتماعي ويبعث الكثير من الطمأنينة على الإنسان.

وأما العلاج الدوائي فلا أعتقد أنك محتاج للعلاج الدوائي تحت إشراف طبيب، فموضوعك بسيط جدا، واتباعك للإرشادات السابقة سوف يكون كافيا وسوف يكون مفيدا إن شاء الله.

والدواء الذي أود أن أرشحه هو العقار الذي يعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil) ويسمى علميا باسم (باروكستين Paroxetine) هو العلاج الأفضل، والجرعة التي تبدأ بها هي عشرة مليجرام (نصف حبة) ليلا يوميا لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى عشرين مليجراما (حبة كاملة)، وتستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم إلى نصف حبة كل يومين لمدة أسبوعين.

إذن تكون المدة الكلية بالنسبة لحالتك هي ستة أشهر، فيها مدة أربعة أشهر هي فترة العلاج الكامل أو ما نسميه بـ(المرحلة العلاجية الدوائية).

وأما بالنسبة للآثار السلبية لهذا الدواء فهو من الأدوية السليمة جدا وجرعته هي حبة واحدة إلى أربع حبات (عشرون إلى ثمانين مليجراما) في اليوم، وقضية الضعف الجنسي أثير حولها الكثير، ولكن الذي يحدث ليس ضعفا جنسيا حقيقيا وإنما هناك تأخر في القذف لدى بعض الرجال، والبعض قد يحس أن رغبته قلت قليلا في الأيام الأولى لتناول الدواء، وهذا يحدث مع الجرعات الكبيرة، أي أربعين مليجراما وما فوق، فأنت جرعتك من الجرعات الصغيرة ولن يحدث لك إن شاء الله أي شيء من هذا.

وحتى لو حدث لك أي نوع من التأثير فهذا التأثير مؤقت وليس دائما ولا يؤثر الدواء على خصوبة الرجل أو مقدرته على الإنجاب وكذلك بالنسبة للأنثى، والذي أنصحك به في هذا السياق هو أن تتخلص من الجانب النفسي - التخوف النفسي - فالكثير من الناس يكون مشغولا لأنه يكون قد سمع من مصادر علمية أو غير علمية أن هذا الدواء يسبب كذا وكذا، وخاصة حين تأتي الأمور الحساسة مثل الأمور الجنسية قد يتعلق ذلك في ذهن الشخص، وهذا في حد ذاته له أثر نفسي سلبي، فأرجو أن تتخلص من التفكير السلبي حيال الدواء، وثق أن المعلومات التي أعطيناها لك وملكناك إياها هي معلومات علمية، نسأل الله لك الشفاء والعافية، وعليك الالتزام بالإرشادات السابقة وتناول الدواء بصورته المطلوبة، وإن شاء الله سوف تجد أنك في صحة نفسية جيدة.

وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات