السؤال
السلام عليكم...
لا أستطيع إلا أن أقول جزاكم المولى على مساعدتكم إخوانكم المسلمين خيرا.
منذ أسبوعين حاولت الحصول على دواء تناولته بجرعة كبيرة أدى إلى هبوط في القلب؛ لأتخلص من حياتي على الأقل حتى لا تظهر بوضوح عملية الانتحار، ويظهر أنه موت عادي، لكن قبلها بيوم رجعت لرشدي خوفا من عذاب المولى وليس لهوان نفسي علي.
سأشرح حالتي بكل بساطة وأتمنى أن يصل ما أشعر به:
أنا شاب عمري 24 سنة، حياتي مع نفسي ومع الآخرين كانت بفطرتي، والكل أتأقلم معهم، وأكون صداقات مع الكل، وأحب الضحك والتعارف، لدرجة أن أي شخص يعجب بشخصيتي لثقتي بنفسي وقدرتي على التغلب على أي مشكلة، بمعنى كان لدي حب للحياة، وحدث لي الآتي:
أصبحت أميل للعزلة بسبب جلوسي على الكمبيوتر والإنترنت، فانعزلت شيئا فشيئا حتى أصبحت أفضل جلوسي على الإنترنت والكمبيوتر بداعي الترويح عن نفسي، فقد كنت أجد راحتي عندما أجلس على الجهاز، فانعزلت فترة كبيرة وأصابني الاكتئاب لمرحلة كبيرة، وأصبحت أشعر بالهلع والخوف وعدم قدرتي على الردود السليمة للآخرين، وما زاد مشكلتي الحقيقية أني عانيت من ضغط على فكي السفلي، ودائما أشعر بعضلة فكي مشدودة، وأشعر أن اللعاب بفمي زائد، وأبصق كثيرا لدرجة وصولي لمرحلة عدم النطق السليم عندما أتحدث مع الآخرين.
أنا لم أذهب لدكتور نفسي أبدا؛ لشعوري دائما بالإحراج، مع عدم معرفتي أنه ليس أمرا محرجا، لكني لا أتصور ذهابي وأن أتحدث عن مشكلتي، فأرجو أن تفيدوني بأسماء أدوية لحالتي، وطريقة الدواء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فالحمد لله والشكر لله أنك قد غيرت من رأيك نحو اتخاذك القرار وذلك بأن الحياة هي من هبة الله، وأن الله هو المعطي وهو الآخذ، وأن من يقتل نفسه عمدا سوف ينتهي إلى سوء المصير، والعياذ بالله تعالى.
الأرقام فيما يخص عدد المنتحرين في الدول الإسلامية - الحمد لله تعالى - قليلة جدا، وذلك مقارنة مع الأرقام التي نطلع عليها على غير المسلمين، وذلك لأن ديننا الإسلامي الحنيف لا شك أنه حامي وواقي لنا من هذا التصرف المشين والشنيع وهو أن يأخذ الإنسان حياته عنوة.
الحياة جميلة وجميلة جدا، ولكن في بعض الأحيان نتبع الطاقات السلبية النفسية الداخلية ونبني عليها أفكارنا ونبني عليها قراراتنا، وهذا هو الذي يجعل الإنسان يحس بالضيق في كثير من الأحيان في أبسط الأمور.
قد قرأت رسالتك بكل تمعن ولا أرى أنه لديك مشكلة ضخمة وجسيمة، ومع ذلك أنا لا أقلل من شأنها ومن شعورك نحوها، ولكن حقيقة الذي أود أن ألفت نظرك إليه هو أنك محتاج أن تغير مفاهيمك حول نفسك، فأنت تقسو على نفسك كثيرا، وتقيم نفسك بصورة سلبية للدرجة التي جعلت هذه الأفكار السوداوية تنمو وتترعرع في داخل كيانك مما دفعك إلى هذه الأفكار التشاؤمية والتي صرفها الله تعالى عنك، فله الحمد والشكر والمنة.
أنت لديك أشياء جميلة في حياتك، فأنت في بدايات الشباب، وحقيقة هذا هو العمر الذي يتمناه كل إنسان، العمر الذي تفجر فيه الطاقات ويحس الإنسان فيه بحضوره ووجوده وفعاليته وقوته، ويضع الإنسان آماله وأهدافه التي يمكن أن يحققها بوضع الآليات المناسبة لها، فأنت - الحمد لله - رجل مهندس ومؤهل وهذا من فضل الله عليك، وأنت لديك الأسرة المسلمة، وأنت قطعا لديك أهلك وأرحامك وأقرباؤك وأصدقاؤك، فمن أجل كل هؤلاء يجب أن تعيش ويجب أن تعيش حياة سعيدة، وهذا مهم جدا، فالإنسان يمكن أن يغير نفسه، وهذا ليس بالصعب أبدا، فأرجو أن تكون أكثر إيجابية في تفكيرك، وأرجو أن تكون دائما على صلة بالصحبة الطيبة وبالخيرين الذين تجد معهم المساندة وتجد منهم الاستبصار والدعم متى ما كنت في حاجة إلى ذلك.
يبقى بعد ذلك مشكلتك الأساسية وأنت على دراية كاملة بها، وهي انصرافك للكمبيوتر والإنترنت وقضاء ساعات طويلة لا شك أن ذلك أثر عليك سلبا وكون طاقات نفسية سالبة، وهذه الطاقات النفسية السالبة كما ذكرت لك هي سبب المشكلة، فنحن نعرف تماما أن الكمبيوتر والإنترنت بالرغم من أنها أشياء جميلة وإيجابية ولكن قطعا الإنسان الذي يصرف نفسه لها ويقضي الساعات الطويلة فإنه يدمر نفسه بصورة واضحة وتلقائية، فهي تؤدي لا شك إلى الانقطاع عن العالم الخارجي، وتؤدي إلى الشعور بالإحباط، وتؤدي إلى تقليل قيمة الذات، وتؤدي إلى الانطوائية، وتتدحرج المهارات الاجتماعية في الجوانب الأخرى حتى تصل إلى مرحلة يجد الإنسان فيها صعوبة التفاوض مع الآخرين والتفاهم معهم، ويتقلص الإنسان اجتماعيا لدرجة أنه لا يقوم بواجباته الاجتماعية من تواصل ومشاركة للناس في أفراحهم وأتراحهم وفي مناسباتهم.
أنت تعرف مشكلتك جيدا فعليك أن تحرر نفسك من هذه التبعية ومن هذه المشكلة، فيجب أن تتخذ قرارا صارما، ويجب أن تحدد خارطة صارمة يومية تدير من خلالها وقتك وزمنك بصورة متوازنة، ونحن لا نقول لك احرم نفسك من الكمبيوتر والإنترنت..لا نقول ذلك، ولكن يجب ألا تعطيها الأسبقية في الجدول الزمني الترتيبي الذي سوف تضعه لقيامك بالمهام التي يجب أن تقوم بها.
يبقى بعد ذلك العلاج الدوائي، وبفضل الله تعالى توجد أدوية كثيرة جدا يمكن أن تساعد في حالتك، والدواء الذي أراه مناسبا لحالتك هو العقار الذي يعرف علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، وله أسماء تجارية أخرى.
فابدأ في تناول هذا الدواء بجرعة عشرين مليجرام (كبسولة واحدة) يوميا بعد الأكل، ويمكنك أن تتناولها ليلا أو نهارا، وبعد شهر ارفع الجرعة إلى أربعين مليجرام (كبسولتين) في اليوم، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، وتوقف عن تناوله.
من الضروري جدا حين تضع الخارطة التي توزع من خلالها الزمن يجب أن تعطي وقتا للرياضة، فإن الرياضة مهمة وضرورية جدا؛ لأن الرياضة تؤدي إلى حرق الطاقات السلبية وتؤدي إلى إفراز بعض المواد الكيميائية منها مادة تعرف باسم (الأندرفين Endorphin) فقد وجد أنها مريحة للنفس وتؤدي إلى الاسترخاء، والشعور الداخلي بالابتهاج للدرجة التي جعلت البعض تسمي هذه المادة باسم (المورفين Morphine) أو (الأفيونات الداخلية Endogenous opiates) التي يفرزها المخ تلقائيا.
إذن أرجو أن تتبع هذه الإرشادات وتتناول الدواء الذي وصفته لك وهو بفضل الله تعالى من الأدوية السليمة والمتميزة جدا، وعليك أن تعيش حياتك بقوة وبأمل، وعليك أن تعرف أن الحياة جميلة، وأسأل الله تعالى أن يعينك وأن يسددك، وعليك أن تكون حريصا في عباداتك وصلواتك وتلاوتك للقرآن والدعاء والذكر، فهي - إن شاء الله تعالى – من أعظم المعينات التي تزيل الاكتئاب وتشعر الإنسان بقيمته الحقيقية.
ولمزيد من الإرشادات السلوكية لعلاج القلق راجع هذه الاستشارات: (288014 - 2206953 - 288014 - 2136823 - 2403966) وللتخلص من الاكتئاب أيضا: (288014 - 237889 - 241190)، العلاج السلوكي للتفكير في الانتحار: (2240168 - 15807 - 2364663 - 2294112)
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.
وبالله التوفيق.