السؤال
لي صديق حميم يشتكي من الإحباط التام والشعور بالدوار، وتتغير ملامحه كليا بحيث يعجز عن الكلام وكأنه مشلول، ويكاد يسقط أرضا - على حد تعبيره - كلما كلمه أحد أو سمع اثنين يعرفهما يتحدثان عن اللواط والمثلية وما شابه ذلك، بحيث يلفت انتباه المتحدثين، ويدركان أنه اضطرب وتغير، وقد فكر في الاستقالة من عمله لئلا يرى هؤلاء المتحدثين في هذه المواضيع، ويحسبونه تورط في قضايا لا أخلاقية ومخالفات شرعية كما يتحدثون فيه قبل توبته.
علما أن الكثيرين - وأنا منهم - يشهدون له بالعلم وحسن السلوك والسيرة والتعامل، وعمره (45) عاما، وأب لطفلين، وهو جامعي، فكيف يتخلص من حالة تغير الملامح والحياء والخجل والإحباط؟!
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيك خيرا وأن يبارك فيك وأن يكرمك بحرصك على أخيك والبحث عن مصلحته، كما نسأله تبارك وتعالى أن يصرف السوء عن صاحبك، وأن يجعله من أهل الجنة، وأن يرد إليه توازنه وأن يعينه على تجاوز محنته، وأن يجعلنا وإياك وإياه وسائر المسلمين الموحدين من أهل الجنة.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن ما ذكرته من أعراض غير طبيعية تدل على أن هناك شيئا في جسده وعقله؛ لأن الإنسان منا لا يمكن أن يصدر منه تصرفات غير طبيعية إلا إذا كان في نفسه شيء غير طبيعي، وهذا الشيء الذي في نفسه يحتاج إلى أن يذهب إلى أحد المعالجين بالرقية الشرعية أو يقوم بمعالجة نفسه، والرقية الشرعية آياتها وأحاديثها معروفة، وهناك من الشباب الملتزم من يقومون بالرقية الشرعية ويرقون الناس ابتغاء مرضاة الله وبعضهم قد يأخذ مقابلا.
وإذا لم تجد كتيبا يحوي هذه الآيات وتلك الأحاديث فإن الإنترنت مليء بمثل ذلك، فاكتب في أحد محركات البحث (الرقية الشرعية) وستأتيك كمية كبيرة من المعلومات حول هذا الموضوع، تستطيع أن تقوم برقيته مرات متعددة، حسب الظروف مرة أو مرتين أو ثلاثة في اليوم، كلما أتيحت لك فرصة أن تكثر عليه من القراءة، أو يقوم هو نفسه بذلك أو أحد أفراد أسرته كزوجته أو أحد إخوانه، والأفضل أن يرقي المرء نفسه؛ لأنه صاحب الداء والعلة فيكون رفقه بنفسه أكثر من غيره، فإن استطعتم ذلك فهذا حسن، وإذا لم تستطيعوا ذلك ولم يستطع هو ذلك فلتبحثوا عن أحد الأخوة المشايخ الثقات الذين يعرفون عندكم بسلامة المعتقد ولا يعالجون بطريقة بدعية، ليقوموا برقيته عدة مرات، وأنا واثق إن شاء الله أنه سيتحسن ويكون في حالة طيبة.
وإذا لم يتيسر له ذلك فاذهبوا به إلى أخصائي نفسي؛ لأنه لابد أن يعالج، إما بالقرآن والرقية الشرعية وإما بالعلاج العضوي، والأخصائي النفسي سيصف له دواء كيماويا ودواء سلوكيا حتى يتحسن ويتخلص من هذه العادة ومن تلك الأعراض التي تشعره بالخجل وتشعره بالإحباط وتشعره بالضعف أمام إخوانه.
نسأل الله عز وجل أن يشفيه وأن يصرف عنه كل سوء وأن يعافيه من كل بلاء، وأن يجزيك عنه خير الجزاء، وأن يعيننا وإياكم على طاعته ورضاه.
وبالله التوفيق.
==========================================
انتهت إجابة المستشار الشرعي الشيخ موافي عزب، ولإتمام الفائدة واكتمال الجواب تم عرض استشارتك على المستشار النفسي د. محمد عبد العليم، فأجاب قائلا:
فإن التفاعل الذي يحدث له هو تفاعل نفسي عصابي شديد يسميه البعض بما يشبه عصاب ما بعد الحدث أو عصاب ما بعد الإصابة أو عصاب ما بعد الصدمة، أي أنه حين تذكر الأشياء التي أصبح الآن يبغضها وكانت له تجربة خاصة معها فإنه يتولد لديه تفاعل نفسي عصابي شديد، وهذا التولد العصابي ناتج من اجترارات وأفكار يسترجعها حول الموضوع الذي يتم التحدث فيه، ولا شك أنه تفاعل نفسي عنيف، وهذا دليل على حسن توبته إن شاء الله، ولابد أن يبلغ بذلك؛ لأن ذلك هو العلاج الأساسي.
وما يحدث له من توتر أو ما يشبه الشلل وأنه يكاد يسقط على الأرض، هذا كله ردة فعل عصابية، وهذا الأخ لا يعاني من أي نوع من الخوف أو الهرع الاجتماعي، وعجزه عن الكلام وصمته هو قمة هذا التفاعل العصابي، ويسميه البعض بالتفاعل الانشقاقي أو التفاعل التحولي، بمعنى أن الإنسان من هول التغيرات الوجدانية الداخلية لا يستطيع أن يتحرك أو يتكلم أو يتصرف بصورة صحيحة، فهذه بشرى عظيمة لهذا الأخ، وهو أنه بحمد الله قد بنيت وتولدت لديه هذه التفاعلات النفسية الداخلية، والبعض يسميها بتفاعلات تأديبية، بمعنى أن مرارة التفاعل في نفسه وقسوته هو نوع من التأديب الداخلي للنفس البشرية، وهذا يجعل الإنسان يبتعد أكثر وأكثر من المسلك الذي كان ينتهجه.
ورغم ما يظهر عليه من معاناة إلا أن هذا التفاعل الذي يحدث كله خير، فهذه بشارة كبرى، ويجب أن لا تكون ردة فعله وتفاعله بهذه الصورة العنيفة، بمعنى أن هذا الأخ إذا تفهم التفسير الصحيح فهذا سوف يساعده قطعا ولا شك في ذلك.
وعليه أن يحاول تجاهل هذا الشعور، وتجاهله يكون يسيرا إذا تفهم طبيعة التفاعل العصابي الذي يحدث له، ومن أجل مساعدته يمكن أن نصف له عقارا دوائيا بسيطا يساعد في علاج هذه الحالة، والدواء يعرف تجاريا (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil) ويعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine)، والجرعة المفيدة في مثل حالته هي جرعة صغيرة، يبدأ في تناول الدواء بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرام) ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم يرفع الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراما) ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك يخفض الجرعة إلى عشرة مليجرام (نصف حبة) مرة أخرى، ويستمر عليها يوميا لمدة شهرين، ثم يتناول نصف حبة مرة كل يومين لمدة ثلاثة أسابيع، ثم بعد ذلك يتوقف عن الدواء.
فهذا الدواء من الأدوية السليمة ومن الأدوية التي تساعد في مثل هذا النوع من القلق العصابي، وسيكون من الجيد له أن يتدرب على بعض تمارين التنفس، فأود منه أن يجلس في الغرفة في مكان هادئ ويكون مسترخيا، ثم يتذكر هذا التفاعل الذي يحدث له في الظروف التي ذكرتها، وبعد ذلك يغمض عينيه ويفتح فمه قليلا ثم يأخذ نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، يجعل صدره يمتلئ بالهواء حتى ترتفع البطن قليلا، ثم بعد ذلك يمسك على الهواء في صدره لمدة قصيرة، ثم يخرج الهواء عن طريق الفم، ويكون الهواء أيضا بكل قوة وبكل بطء.. يجب أن يكرر هذا التمرين خمس مرات في كل جلسة بمعدل جلسة صباحا وجلسة مساء.
وحين تأتيه هذه التفاعلات التي ذكرتها يمكنه أن يأخذ نفسا عميقا حتى وإن كان ذلك أمام الناس، فهذا سوف يقلل قطعا من هذه التفاعلات، وأنا على ثقة تامة أن تناوله للدواء الذي ذكرته واتباعه للإرشاد السابق وتفهمه لطبيعة علته والالتزام بالرقية الشرعية سوف تزول عنه هذه الأعراض تماما، نسأل الله العلي العظيم أن يشفيه ويشفي جميع المسلمين ويعافيهم من الأمراض والأسقام.
وبالله التوفيق.