عزوف فتاة عن الزواج بعد أن مرت بتجربة مريرة

0 398

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مررت قبل سنة ونصف تقريبا بزواج صعب استمر 5 أشهر، الزوج كان طفل أمه المدلل، والأم مسيطرة ومتحكمة، وأرادت أن تجعلني نسخة من ولدها.

لم أهنأ بهذا الزواج أبدا، صبرت وتحملت وفوق هذا كله حين أراد هذا الزوج الاقتراب مني لم يفلح، فقد كان شبه عاجز بسبب ثقل وزنه، ومن بعدها زادت المشاكل سوءا، وأصبحت معاملته لي غير معقولة، لا يكلمني بالأيام! وإن كلمني كان أسلوبه جافا وقاسيا وجارحا! أتقرب منه فيتركني ويذهب إلى أمه! حتى في وقت الخطوبة كانت أمه حاضرة معنا أغلب الوقت، وفي تأثيث بيت الزوجية أمه هي من جهزت المنزل بالكامل بدون أن يستأذنوا مني! وقد كانت صدمة عظيمة إذ كنت طوال عمري أفكر كيف أجهز بيتي بذوقي أنا وزوجي، وغيرها من الأمور التي لا تعد ولا تحصى.

الحمد لله انتهى هذا الزواج بالطلاق، وأنا سعيدة جدا بطلاقي، فقد كنت متزوجة أمه أكثر منه بالإضافة، إلا أني ما زلت آنسة.

الآن لدي حالة غريبة، أصبحت أكره الزواج وفكرة أني أرجع لهذا العالم، لا أتخيل كيف أدخل برجلي إلى نفس المكان الذي كنت فيه بمشاكله وصعوباته! كيف أتعامل مع أم جديدة وزوج جديد!

أفكر أن أعيش آنسة طوال عمري، فلدي وظيفتي التي تكفيني ولدي بيت أهلي، بنفس الوقت أشعر بالوحدة أحيانا ولكن شعور الكراهية والخوف من الزواج أكبر من الوحدة بكثير.. علما بأن موقف أهلي من تجربتي لم يكن قويا لسببين:
الأول: أنني كنت أخفي عنهم مشاكلي.
وثانيا: وهو الأهم: عندما أخبرتهم طنوا أنني أتدلع وأني ما زلت صغيرة ولم أفهم الزواج جيدا.

ولولا أن هذا الزوج هو من طلقني بإرادته لكنت ما زلت حتى الآن على ذمته؛ لأن والدي رفض فكرة الطلاق بحجة أنني لا أعرف مصلحتي، حتى موضوع العجز لم يصدقه أبي وظن بأنني بسبب خوفي أصبحت أتخيل ولم يقصر طليقي بحشو رأس أبي بأمور خيالية.

كلما أتذكر موقف والدي أزيد كرها للزواج، لأني لا أدري ماذا سيحدث إن تزوجت مرة أخرى.. لم أعد أثق بأبي ولا بغيره من الرجال .. أريد أن أعيش وحدي بسعادة وراحة بال وبنفس الوقت أخشى الوحدة وأريد البيت المستقر وأن أكون أما.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بشائر الخير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله –تبارك وتعالى– أن يعوضك خيرا عن تجربتك السابقة، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك يحسن التفاهم معك والإحسان إليك، ويؤدي دوره معك في تأسيس أسرة مسلمة طيبة، ويشعرك فيها بدورك الذي هيأك الله -تبارك وتعالى– له، وتنجبين منه ذرية صالحة طيبة مباركة.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة– فإنك لو نظرت في كف يدك لوجدت أن أصابعك الخمس موجودة في هذا الكف ولكنها ليست متساوية وليست صورة واحدة، وإنما فيها المتين وفيها الطويل وفيها القصير وفيها النحيف، وهكذا كل شيء، حتى شعر البدن، شعر الرأس يختلف عن الشعر الموجود في بقية أعضاء الجسد، شعر في مكان يكون غليظا كثيفا شديدا، وشعر في أماكن تجدها هباء منثورا.. هكذا كل شيء.

فوجود الناس على صفة واحدة هذا مستحيل، ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى: ((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة))[هود:118]، فمن فضل الله تعالى ومن رحمته أنه جعل الناس مختلفين في كل شيء، ((ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم))[هود:118-119].

فإذا نقول: إن الحكم على تجربة واحدة أو الحكم على الواقع من خلال تجربة واحدة هذا ليس إنصافا ولا عدلا، وهو حقيقة مجافاة للواقع ومخالفة للحقيقة، فإنه كما ذكرت لك: أنتم إخوة وأخوات من أب واحد وأم واحدة، هل أنتم جميعا صورة واحدة لبعضكم البعض؟ قطعا لا، فإن كل واحد منكم - سواء أكان من الذكور أو الإناث له - مقومات وله صفات وله أشياء يقدمها ويفضلها على غيره وله لون معين أحيانا وطول معين أحيانا، قد نتشابه في بعض الأمور، ولكننا نختلف في أمور كثيرة.

إذن الحكم كما ذكرت على تجربة الزواج من خلال تجربتك أنت هذا ليس إنصافا ولا عدلا، ولذلك أقول: مهما كانت هذه التجربة فقد مرت بحلوها ومرها وخيرها وشرها، ولا ينبغي أبدا أن تجعلك تتخذين قرارا بهذه الكيفية التي وردت في رسالتك، أصبحت تكرهين الزواج وفكرة أن ترجعي لهذا العالم، وهذا ليس صحيحا؛ لأنه – واسمحي لي أولا أن أقول لك – أنت الآن تعيشين براتب، نعم راتبك موجود، وتعيشين في بيت أهلك ولكن يبقى السؤال:

إلى أي مدى سيظل أهلك يحتضنونك؟ وإذا كانوا لا مانع لديهم من وجودك بينهم ولكن هل تضمنين بقاء الوالد والوالدة؟ هل تمضنين بقاء هذا العطف والحنان؟ طيب لماذا لا تقومين بدورك في تأسيس بيت جديد تكونين أنت ملكة عليه، تعيشين كما تعيش أمك في بيتها، لك الكلمة ولك الأمر ولك النهي ولك السمع ولك الطاعة، أنت الآن في جميع الأحوال ضيفة من الضيوف ليس لك شيء، نعم هذا بيت أبيك وبيت أمك ولكن الآن لو أن هؤلاء – لا قدر الله – رحلا عن الحياة من الذي سوف يتحملك أو يحويك أو يأويك؟ حتى وإن وجد البيت وإن وجد المال فكما ذكرت أنت الشعور بالوحدة كيف يبدد، الشعور بعدم الأمان والاستقرار كيف يكون؟ الشعور بالرغبة في الأمومة كيف تقاومينها؟

فأنا أرى أن هذه الفكرة ليست صحيحة بالمرة، ومسألة أنك تتخيلين كيف تدخلين رجلك إلى نفس المكان مرة أخرى وتتعاملين مع أم جديدة وزوج جديد، فإن الواقع ليس في كل بيت توجد أم جديدة، نعم فيه زوج جديد ولكن لا يلزم أن يكون فيه أم، فقد تكون فيه أخت، قد تكون فيه أم حقيقة بمعنى الكلمة، قد تكون فيه أم صادقة تأخذ بيدك إلى الخير والنفع، وقد لا تكون فيه أم بالمرة، فكثير من الناس ليس لهم أمهات، والقلة القليلة الذين لهم أمهات على الأقل يعيشون معهم في نفس المكان.. فنعم قد تكون الأم موجودة كأمك - حفظها الله – ولكنها لا تتدخل في شئون إخوانك، فإخوانك لهم حياتهم الخاصة وأمهم موجودة ولا تتدخل في حياتهم، فهذا ممكن جدا.

ومسألة الطفل المدلل هذا الذي تزوجته ليس كل الرجال كذلك، ولذلك قيسي على ذلك إخوانك، وقيسي على ذلك أخواتك، وقيسي على ذلك أباك، هل أبوك طفل مدلل عند أمك مثلا، هل إخوانك أطفال مدللون؟ كل هذا مستحيل طبعا.. انظري إلى بيوت أعمامك وإلى بيوت أخوالك وإلى بيوت خالاتك وبيوت إخوانك، إلى زميلاتك في العمل، أليست هذه الشريحة كلها متزوجة ولها أسر ولها أزواج ولها بيوت وحياتها مستقرة؟! إذن هذه فكرة ليست صحيحة، وإنما إذا كان قد قدر لك أن تتزوجي برجل من هذا الطراز وبهذا الحجم الكبير وبهذا العجز الكامل، فإن الرجال جميعا ليسوا كذلك، والدليل على ذلك: انظري بعينك إلى الطريق العام – إلى الشارع العام – هل كل الناس كذلك؟ انظري إلى أقاربك، انظري إلى إخوانك، هل إخوانك بنفس هذا الوضع؟ قطعا لا.

ولذلك أقول: هذه فكرة غير صحيحة وغير موفقة وغير صائبة، وهي نوع حقيقة من معالجة الخطأ بخطأ أشد منه، لأنك الآن لا تشعرين، خمسة وعشرون عاما لازلت صغيرة، والتجربة - الحمد لله - مرت بسيطة وأنت مازلت آنسة إلى الآن، إذن الرغبة فيك قائمة، وإذا كنت لم توفقي لأن الرجل لم يكن يصلح بالمرأة أن يكون زوجا فليس معنى ذلك أنك ستخفقين مرة أخرى؛ لأن الإخفاق لم يكن من جهتك، وإنما العجز والفشل كان من جهة الرجل الذي لمست أمه ضعفه فكانت موجودة معكم في كل الأوقات ودخلت في أمور لا ينبغي أن تتدخل فيها، ليس لأنها تحب التدخل وإنما لأنها تعلم أن ابنها لا يصلح أن يكون زوجا وليس لديه ذوق ولا يستطيع أن يدير نفسه، فهو عاجز عن إدارة نفسه وبالتالي سيكون أعجز وأعجز عن إدارة أسرة، فتمددت أمه في هذا الفراغ.

أما معظم الناس فيعيشون حياة طبيعية جدا، فنحن نعيش حياة طبيعية في بيوتنا، وكل الناس من حولنا يعيشون حياة طبيعية، وتبدأ الأخت مع زوجها، قد يكون فيها أم للزوج وقد لا يكون، وقد تكون في نفس المكان الأسرة الكبيرة وقد تكون في شقة مستقلة في فلة مستقلة في بيت مستقل، وتبدأ حياتها وعلى عاتقها مسئولية كبيرة: إدارة هذه الأسرة تكوين هذه الذرية الصالحة في هذا المحضن الطيب المبارك.

فأنا أقول: توكلي على الله، ولا ينبغي لك أبدا أن تردي أحدا يأتيك بالشرط أن تكون فيه الصفات التي تجعله رجلا حقيقيا، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).. إذن هذه شروط، أن يكون صاحب دين وأن يكون صاحب خلق، وتسألون عنه في بيئته، وتسألون عنه في مكان عمله، وتسألون عنه في أهله، وتسألون عنه أصحابه، وتسألون عنه إمام المسجد الذي يصلي مثلا الذي يصلي بجواره إن زعم أنه يصلي في مسجد، لابد من حصر دقيق لتصرفاته؛ لأن هذه تجربة ثانية وليست التجربة الأولى، فلا نريد للثانية أن تأتي فاشلة أو تأتي ضعيفة، وإنما نجتهد ونحافظ على الصفات الشرعية، وبإضافة الصفات الشرعية المنصوص عليها هناك صفات شرعية أيضا مفهومة من الشرع، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) والباءة معناها: القدرة البدنية والقدرة المالية.

رجل الآن من الصالحين ولكن لا يملك قوت يومه، فماذا ستفعلين بصلاحه وتقواه؟
نعم سيفتح الله له، ولكن الآن أنت تحتاجين إلى مقومات حياة ليست موجودة، فإذن بجوار الصلاح والدين والخلق وجود فرصة عمل طيب، عمل نعيش منه حياة طيبة كريمة، لا نتسول ولا نمد أيدينا للناس، أن يكون شخصا من أسرة محترمة من عائلة متقاربة من عائلتكم حتى وإن كان أفضل، أن يكون رجلا أيضا على قدر من الثقافة والوعي باعتبار أنك أيضا كذلك حتى يسهل التفاهم بينكما، وبذلك أعتقد أن حياتكما ستكون من أسعد الحياة إذا من الله تبارك وتعالى عليك بذلك.

وأنت استفدت الآن خبرة من هذه التجربة الصغيرة البسيطة حتى تكونين زوجة صالحة، وحتى تواجهين الأمور بجرأة ووضوح، وحتى لا تجعلين الأمور غامضة في حياتك، حتى لا يتهمك أحد بالقصور أو العجز أو الدلع أو غيره، توضع النقاط على الحروف، ودائما تقيمين قاعدة الحوار مع زوجك وتوسعين دائرتها، بصرف النظر عن وجود مشاكل – ونسأل الله ألا توجد مشاكل – ولكن نتفاهم حول كل شيء، ونتعلم مع بعضنا الشورى حول كل شيء.

إذا أردت أنت شيئا، أحيانا تقولين زوجي لا يستأذنني، المشكلة أيضا أنت لا تستأذنينه ولا تشاورينه، ولكن لو شاورته حتى في ملابسك حتى في خرجاتك وطلعاتك وروحاتك وجياتك تقولين له: ما رأيك؟ حتى عندما تذهبين للسوق وتريدين أن تشتري فستانا أو قميصا أو غيره أو أي شيء تقولين له: ما رأيك؟ حتى تعلميه أن يقول لك: ما رأيك؟ بالطريقة هذه سيكون هناك تفاهم رائع وحياة سعيدة وأسرة مستقرة، وبالتالي ستكونين أما رائعة ترزقين بأولاد على قدر من الروعة والجمال.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات