الحساسية الزائدة والحزن.. تقويم سلوك الأبناء نفسياً

0 380

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لي صديقة ابنها يبلغ من العمر 7 سنوات، وتقول لديها مشكلة لا تستطيع حلها معه، هو ولد حساس عندما تصرخ فيه مثلا فإنه لا يتكلم، ولكنه يخزن كل شيء بداخله.

وهو مثلا إذا حدث شيء بينه وبين زملائه في المدرسة واعتدى أحد عليه لا يرد الاعتداء بالمثل في نفس الوقت، ولا يشتكي حتى للمعلمة! ولكن إذا تصادف مع نفس الطفل مرة أخرى ففي هذه الحالة يضرب الطفل، ويكون هو الذي اعتدى، وهو المخطئ.

وهذه الأشياء هنا في هولندا تكون مشكلة للولد، ويقولون لأبيه وأمه إن ابنكم يضرب الأطفال، في حين أنه يكون في البداية هو المعتدى عليه.

ولكنه كما قلت سابقا لا يأخذ حقه في نفس الوقت. ومن ناحية أيضا أنه لا يشتكي لأحد ولا حتى لأمه، فكيف تجعله يتكلم عندما يضايقه أحد من زملائه، أو أي شيء آخر أو يشتكي للمعلمة؟

ولي سؤال مهم أيضا وهو أنه كل شخص فينا يغلب عليه في التصرفات، مع الأولاد ما تربى عليه سواء كان هذا سلبيا أم إيجابيا ولكنه في الغالب سلبي، فالأهل - كما لا يخفى على فضيلتكم - من ناحية أساليب التربية الخاطئة بسبب عدم التعليم أو سوء الإدراك، فنحن نتصرف تماما كما كان يتصرف معنا أهلنا عن دون قصد واللاشعور، وكيف نستطيع تطبيق مثلا أساليب التربية الحديثة، فنحن والحمد لله لسنا نفتقد التعليم ولكن نفتقد الصبر وطول البال مع أطفالنا، فنجد أننا نقسو عليهم، ونجد أن كل الذي تربينا عليه هو الذي يظهر أولا، وهل فعلا الطبع يغلب التطبع؟

أرجو النصيحة فعلا كيف نتصرف ونهذب ونربي أنفسنا جيدا حتى نستطيع تربية جيل سليم ومعافى نفسيا.

وجزاكم الله كل الخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، وبعد:

فجزاك الله خيرا وبارك الله فيك ونشكرك كثيرا على اهتمامك بابن صديقتك وعلى ثقتك فيما تقدمه الشبكة الإسلامية.

فإن هناك بعض الأطفال تبنى لديهم رهبة داخلية تفقدهم التعبير في الوقت الذي يتطلب التعبير، وتكون هنالك احتقانات داخلية ربما يعبرون عنها في وقت آخر، وأعتقد أن هذا ينطبق على هذا الطفل، وهذه المشاكل تعالج بما يعرف بـ (السيكودراما Psychodrama) أو (الدراما النفسية)، وهي تقوم على مبدأ أن نقوم بتمثيل الموقف، ونجعل الطفل مشاركا في هذا التمثيل.

فعلى سبيل المثال: يمكن أن تقوموا بإعداد موقف معين كمثل مواجهة بين طفلين كيف يتصرف الطفل، فيمكن لأمه - أو أنت – تلعب دور الطفل الآخر.

هذا النوع من العلاج يعتبر علاجا ناجعا في مثل هذه الحالات إذا طبق بالصورة الصحيحة، وهو أن تلعب الأدوار أن الطفل يفتقد المهارات والمقدرات فيها.

لا شك أنه يفضل أن يكون موضوع السيكودراما - أو لعب الدور – مختلفا من موضوع إلى آخر، فأرجو محاولة تطبيق هذا المبدأ مع هذا الطفل وسوف يستفيد منه كثيرا.

الطفل في هذا العمر لا شك أنه يستوعب، ويمكن أن يشرح له بلغة بسيطة ولغة فيها شيء من اللطف والتحبيب والترغيب، كيف يتصرف في المواقف حسب ما يتطلبه الموقف.

وأنا على ثقة كاملة أن الشرح المبسط مع تطبيق مبدأ السيكودراما – لعب الأدوار – سوف يحل مشكلة هذا الطفل تماما.

سيكون أيضا من الجميل أن نترك هذا الطفل يعبر عن مشاعره عن طريق الرسم، فالرسم شيء جميل جدا نجعله يتعلم الرسم، ومن خلال الرسم أيضا سوف يجد متنفسا ويعبر عن مشاعره.

أيضا أرجو أن تتاح للطفل فرصة الاستفادة من الألعاب ذات القيمة التعليمية، فاللعبة ذات القيمة التعليمية تساعد كثيرا الطفل في التنفيس والتفريغ النفسي، ويجد من خلالها أنه أصبح أكثر ارتياحا وأنه يتعامل مع جهة يستمتع بها، وفي نفس الوقت لا يحس بأي نوع من التهديد.

سيكون أيضا من الجميل لهذا الطفل أن يمارس أي نوع من الرياضة مع زملائه؛ لأن الرياضة تمتص طاقات الغضب، وفي نفس الوقت تشعر الطفل بالاسترخاء وبالطمأنينة بمن حوله.

هذا هو الذي أود أن أنصح به.

بالنسبة للموضوع الآخر وهو: مدى انعكاس طرق تربيتنا على أبنائنا؟ هذا بالطبع أمر حوله الكثير من النقاش وحوله الكثير من الجدال، فهنالك من يتمنى الآن أن ينشأ أبناءه بالصورة التي نشئ بها؛ لأنه يرى نفسه قد نجح ويرى نفسه أنه منضبط اجتماعيا، يجد نفسه مستبصرا، يجد نفسه محافظا على دينه.

وقد كنت في حلقة نقاشية منذ فترة قريبة، هذه الحلقة النقاشية كانت تتحدث عن أثر القنوات الفضائية والتحدي القيمي والأخلاقي الذي يواجهه الشباب، وكثير من المتحدثين – وهم من العلماء – منهم من رأى أن الرجوع لأساليب التربية القديمة مع بعض التحسينات ربما تكون هي الحل، وهذا الرأي ربما يكون فيه نوع من الحدة أو نوع من التحيز الشديد، ولكن لا نستطيع أن نقول إن كل تجارب الماضي أو الطرق التي تربينا عليها كانت طرقا فاشلة، لا ليست كلها كانت طرقا فاشلة، أعتقد أن القالب المطلوب الآن هو الحوار، الحوار مع الطفل، أن نسمعه صوتنا بكل دفء وبكل ذوق، وأن نعطيه القدرة ليحاورنا على أن يأخذ وعلى أن يعطي.

هذا هو الأمر الضروري جدا.
الطفل من المهم جدا أن يتربى على أن يعرف دينه ولغته، هذا أيضا ضروري، فلا يمكن أن نحافظ على هوية أبنائنا ولا يمكن أن نربيهم التربية الصحيحة إذا أهملنا تعليمهم لدينهم ولغتهم.

هذا أيضا مفهوم وضروري، خاصة أنتم تعيشون في بلاد غير عربية وغير إسلامية، فكونوا أكثر حرصا على هذا الأمر.

أيضا إعطاء الطفل فرصة للتعبير عن ذاته يساعد كثيرا، نعطي الطفل الفرصة أن يعبر عن ذاته وعن ما بداخله، هذا أيضا ضروري جدا.

هنالك أيضا ما يعرف بالاجتماعات الأسرية، فلابد أن يكون هنالك اجتماع أسري مرة في الأسبوع، نخصص هذا الاجتماع لإجراء حوارات، وتكون هذه الجلسة برئاسة أحد أعضاء الأسرة ويكون ذلك بالتناوب، مرة يرأسها الأب ومرة يرأسها أحد الأطفال، ومرة ترأسها الأم – وهكذا – تكون هنالك ضوابط للحوار:

لا يتحدث أحد في هذا الاجتماع إلا بعد أن يستأذن من رئيس الجلسة، وتناقش الأمور الأسرية أو الأمور العامة أو التعليمية – أو هكذا - هذه تعطي الأطفال ثقة قوية جدا في أنفسهم وتعطيهم المقدرة على الحوار.

أيضا لابد أن نعلم الطفل أن يشترك في قرارات الأسرة مهما كان صغيرا، حتى لو كان القرار في الأصل صادرا من الأبوين، ولكن نحاول أن نجعل الطفل يشارك في هذا، فعلى سبيل المثال: إذا أرادت الأسرة أن تشتري سيارة – مثلا – بالطبع الطفل يفرح لهذا كثيرا، ولكن نجعله هو الذي يختار اللون مثلا أو يختار حتى شكل السيارة أو ماركة السيارة – أو هكذا - هذا التعلم على اتخاذ القرارات يبني شخصية الطفل بصورة متميزة.

هناك أمر تربوي آخر وهو يجب أن نعلم أن الطفل يتعلم من الطفل أكثر مما يتعلم من الكبار، ولذا نكون حريصين جدا على اختيار الأطفال أو من هم في سن أطفالنا لأن يتفاعلوا معهم ويتمازجوا معهم ويطوروا من مهاراتهم الاجتماعية.

التربية أيضا تتطلب أن نجعل الطفل يطلع على مواد تعليمية خارج النطاق الأكاديمي، كأن يقرأ في التاريخ: تأريخ أمته، أن يعرف عن أهله، جغرافية المنطقة، وهكذا.. هذه أيضا في نظري من الأمور التربوية الضرورية.

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك، ونشكرك كثيرا على تواصلك وثقتك فيما تقدمه الشبكة الإسلامية.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات