التعلق والعشق وأثره النفسي والبدني

1 84

السؤال

لدي صديق أحبه جدا ولا أحب الافتراق عنه أصبحت أتعلق به، إذا غاب عني بعذر أتضايق منه وأهدده بقطع العلاقة، أتضايق جدا إذا ساعد الآخرين ولم يساعدني، بت لا أستطيع أن أحتمل نفسي، أثرت هذه المشكلة على نفسي، أصبحت أشعر بالاكتئاب والضيق النفسي إذا لم يحضر لي أتصل به تلفونيا وأتمنى حضوره.
حالتي النفسية متأثرة جدا، ولدي قرحة كل يوم تسوء حالتي بسبب الضيق الشديد، ساعدوني في حل هذه المشكلة حتى أصبح إنسانا سويا وطبيعيا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هاشم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك وأخيك من المتحابين فيه المتزاورين فيه المتآخين فيه الذين يظلون بظله يوم لا ظل إلا ظله.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن هذا التعلق الذي تتحدث عنه يسمى بحب التملك، فهو ليس حبا عاديا، وليس أخوة عادية، ولكنه نوع من التملك والرغبة في الاستئثار بهذا الطرف الآخر، وهو نوع من العشق المحرم حتى وإن لم تكن فيه تجاوزات شرعية، لأنك بذلك أصبحت الآن تتأثر - كما ذكرت – لأي موقف، حتى إذا غاب عنك بعذر فإنك تتضايق منه وتهدده بقطع العلاقة، فما بالك لو كان بغير عذر؟ وكذلك إذا ساعد غيرك ولم يساعدك فأنت أيضا تشعر بنوع من الحزن والهم لأنك تريده لك وحدك، وهذا - كما ذكرت لك – هو السبب بأن هذا التعلق تعلق غير طبيعي.

ولذلك أعلم أن هذه حالة مرضية وأنها حالة من الشذوذ في العلاقة، ولن يستطيع أن يساعد الدكتور هاشم إلا الدكتور هاشم نفسه.

أنت الآن إذا غاب عنك هذا الأخ تتضايق وتتكدر وتهدده بقطع العلاقة وتشعر بنوع من الاكتئاب والضيق النفسي إذا لم يحضر، تتصل به بالتليفون وتتمنى حضوره، فحالتك مؤثرة والقرحة تتألب عليك يوميا، حل هذه المشكلة إنما هو بيد الدكتور هاشم وحده.

تقول لي: كيف؟ أقول لك - بارك الله فيك -: ابدأ أنت بعدم الاتصال به، ستعاني في الأول معاناة شديدة، وأنا واثق من ذلك قطعا، ولكن دعه يتصل بك ولا ترد أنت عليه، ولو مرة كل يوم، مع تكرار هذه المرات سوف تعتدل هذه العلاقة وتصبح علاقة طبيعية؛ لأن تعلقك الزائد به هو الذي أدى إلى تلك الحالة النفسية وشعورك بالاكتئاب والضيق النفسي، قد يترتب عليه أن تعبده من دون الله – والعياذ بالله – عبادة؛ لأن أعلى درجات العبادة إنما هو – كما ذكر ابن تيمية رحمه الله في تعريف العبادة: غاية الحب والتعلق مع غاية الذل والخضوع، فإن هذه علاقة عبادة ليست علاقة تعلق عادية، ولذلك خطرها عظيم على دينك ودنياك، وعلاجها - كما ذكرت – بأن تتوقف عن الاستمرار في تلك العلاقة، وتبدأ تخفف اتصالك به، وإذا شعرت بالرغبة الشديد لذلك فحاول أن تقاوم، وكلما جاء على بالك أو جاء في ذاكرتك حاول أن تطارد الفكرة ولا تستسلم لها، وإذا كنت وحدك تحاول أن تخرج لتقف مع أي أحد، حاول أن تشغل نفسك بأي شيء آخر، المهم أن تقاوم، وأنا واثق أنك ستتعب في الأسبوع الأول تعبا شديدا، ولكن -صدقني- بعد مرور أسبوع من المقاومة وعدم الاستسلام ستشعر بأن الدكتور هاشم عبد الرحيم أصبح شخصا آخر تماما.

تحرر من العبودية لغير الله وليصبح قلبه ملكا له وحده وليس ملكا لغيره؛ لأن قلبك الآن هذا يتحكم فيه، رغم أنه يستجيب لك ورغم أنه ينصاع لك، إلا أنه ملك عليك قلبك فأصبحت مستعمرا ومستغلا استغلالا وإن كان سلبيا إلا أنه حقيقة ملك عليك فؤادك، ولذلك أقول -بارك الله فيك-:

أتمنى كما أنك وفقت في دراسة الطب البيطري وأصبحت طبيبا بيطريا، فينبغي عليك أن توفق في إنقاذ نفسك من هذه التهلكة الشرعية والنفسية، كيف؟ إنما هو بالتوقف عن هذه العلاقة تخفيفها في المقام الأول، بما أنها علاقة ليس عليها آثار محرمة شرعا من اللقاءات الجسدية أو غيره، إلا أنها علاقة - كما ذكرت – آسرة، علاقة تجعلك عبدا لهذا الشخص، فلا تستطيع أن تفكر في غيره، بل لعله قد طرد من قلبك محبة الله بالكلية لأنه لم يعد لله عز وجل في قلبك مكانا، وإذا لقيت الله بذلك فهذا لن ينفعك؛ لأن هذا من العشق المحرم، ولذلك أقول - بارك الله فيك -:

ابدأ بعدم الاتصال به، وخفف من الاتصال به، يعني إذا كنت تتصل به خمس مرات في اليوم اجعلها مرتين فقط، وقاوم، قاوم الرغبة، قاوم بقوة، وقل لنفسك رسائل إيجابية: (أنا قادر على تركه، أنا قادر على التخلي، أنا قادر على عدم الاتصال به، أنا قادر، أنا قادر) خمسون (قادرا)، وجه رسائل إيجابية لنفسك بأنك قادر على حسم هذه المعركة لنفسك؛ لأنه من العيب أن يكون رجلا يتعلق برجل إلى هذا الحد وهذه الدرجة، ومن الجرم أن يكون العبد عبدا لغير الله سبحانه وتعالى جل جلاله.

إذن قاوم، قلل الاتصال في الأيام الأولى، حاول أن تقاوم، إذا كنت وحدك في الغرفة نائم فقم، وإذا جاءتك الفكرة وأنت جالس وحدك فاخرج، وإذا كنت وحدك في الغرفة أجلس مع أهلك أو مع والديك، أخرج طالع التليفزيون، اقرأ أي كتاب، اقرأ أي بحث، أخرج من البيت إلى الشارع، حاول أن تتكلم مع أي أحد، حاول أن تقيم علاقات مع غير هذا الأخ، علاقات معتدلة، حتى تتخلص من هذا التعلق ومن هذا العشق، وتصبح العلاقة طبيعية.

أنا لا أقول لك اقطع علاقتك به، ما دام ليس هناك شيء محرم، ولكن أقول أنقذ نفسك من هذه العلاقة، لأنها علاقة شاذة محرمة، ولذلك أقول: التوقف حتى تكون في حد الاعتدال، وحد الاعتدال الاتصال بأن أطمئن عليه، مرة في الأسبوع أو مرتين، ولكن ليس بهذه الدرجة الجنونية التي عندك؛ لأن هذا - بارك الله فيك – سيسبب لك أمراضا نفسية عظيمة فوق الأمراض الشرعية التي قد تحرمك الإيمان بالله تعالى وتفقدك منزلتك عند الله بين الصالحين.

إذن علاجك في يدك أنت وحدك، ولا حل إلا من يدك أخي الدكتور هاشم، فاستعن بالله ولا تعجز، وأوصيك بالمثابرة والصبر والتحمل؛ لأن الأمر سيكون صعبا جدا في الأول، وأوصيك بالدعاء أن تدعو الله تعالى أن يعافيك من هذه العلاقة المحرمة، ادع الله وابك بين يديه أن يجعلك شخصا طبيعيا كما تريد، وهذا أمر بيد الله وحده؛ لأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، فاجتهد - بارك الله فيك – في الدعاء.

أكثر من الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لأن الصلاة على النبي بكثرة يترتب عليها أن يكفيك الله همك وأن يغفر الله لك ذنبك.

أنا واثق أن المسألة كلها عشرة أيام إلى خمسة عشر يوما ستصبح شخصا طبيعيا جدا، واعلم أنه لن يساعد الدكتور هاشم عبد الرحيم إلا الدكتور هاشم عبد الرحيم.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، والتخلص من تلك الآفة، وأن تصبح عبدا لله تبارك وتعالى وحده، وأن تملك قلبك وزمام نفسك، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات