السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ 18 عاما، في كلية من كليات القمة، تبدأ مشكلتي مع المراهقة حيث أنني كنت مواظبا على الصلاة وصلتي بالله تعالى، ولكني وفي إحدى المرات كنت أتصفح موقعا إسلاميا كبيرا، وجدت به قسما للاستشارات ومنها قسم للاستشارات النفسية، ودخلت بالفضول إلى قسم الشذوذ (والعياذ بالله).
وهنا انقلبت حياتي رأسا على عقب، أفكار تقول لي: أنت شاذ! قلت لها: لا، أنا لست شإذن، ففي الاستشارات أن الشاذ يميل إلى الرجال، فأنا لا أميل للرجال مطلقا، إنما مثلي مثل غيري للنساء، وأنا كنت أغض بصري لحرمة ذلك، بدأت بعد ذلك تساؤلات بحيث أنك شاذ، فقلت: لا، قلت: ماذا أفعل إن دعاني أحد إلى نفسه؟ قلت: لن أفعل لأني أخاف الله، قيل: ولكنك من تريد ذلك أن يفعل بك، وهنا قلت: لا، أنا لا أريد ذلك ولا أميل مطلقا إلى الرجال كما قلت.
قيل: بل أنت كذلك. مع صداع والله صداع يجعلني لا أقدر على المشي ولا الخروج ولا أي شيء، صرت بعد ذلك أخشى على أخي من نفسي ومن أولاد أعمامي.
صرت حطام إنسان، فكرت في الانتحار حتى أريح نفسي وأهلي، ولكني تذكرت الله وكيف أموت كافرا، ولكن كيف هذه الأمور وأهلي من علية القوم، وينتهي نسبنا إلى سيدنا الحسن بن علي عليه رضوان الله، وأبي من صفوة القوم، وكذلك أمي.
أخاف على دراستي، فأنا لم أعد أريد المذاكرة، فليذهب العمر والمستقبل مع هذا الأمر.
أفيدوني ما هذا الأمر، فأنا أكاد أموت من الصداع كلما تذكرت هذه الأمور، أما عن شبابي فأنا لم أتعرض لتحرش أو تعرض لأحد ولا أنا.
هذه الأفكار تكاد تقتلني، فأنا أسمع منذ كنت على الموقع صوتا داخليا يقول دائما: أنت شاذ، وأنا لا أخلاقي ولا سمعتي ولا ديني بسوء حتى أكون على هذا الأمر.
ساعدوني، أموت كافرا منتحرا أم أعيش محطما فاشلا حقيرا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.
فإني أتمنى أن تكون لازلت محافظا على الصلاة، فقد بدأت رسالتك بأن مشكلتك بدأت مع المراهقة حيث إنك كنت مواظبا على الصلاة وصلتك بالله تعالى، فأتمنى ألا تكون قد فرطت في الصلاة مطلقا، وأنت -بفضل الله تعالى- تشير في رسالتك إلى قيمك الإنسانية العالية وقيمك الإسلامية الرفيعة، فحين أوردت موضوع الصلاة في صياغة الماضي فقد أزعجني بعض الشيء، ولكن أتصور أنك لم تقصد أنك لا تصلي الآن، وعموما فقط وددت أن أوصيك وأوصي نفسي بأهمية وعظمة الصلاة.
هذه الأفكار التي سيطرت عليك حول الشذوذ الجنسي هي في الحقيقة أفكار وسواسية، وحين نرجع إلى تعريف الوسواس القهري نجد أنه: عبارة عن فكرة أو خاطرة أو خيال أو صورة عقلية أو فعل طقوسي أو أفكار يتم اجترارها أو مخاوف تكون متسلطة على الإنسان بالرغم من قناعة الإنسان بسخفها، ولكنه لا يستطيع أن يردها أو يتوقف عنها، وإذا حاول ذلك يزيد عنده القلق، والبعض يحدث لهم بعض التطبع والتواؤم للدرجة التي يقل فيها القلق، وهذه نعتبرها ظاهرة سلبية، أي: إذا قل القلق المرتبط بالوساوس فهذه تدل أن الوساوس قد تمكنت من الشخص للدرجة التي تصعب معه الوسائل العلاجية.
وأنت - بفضل الله تعالى – أرى أن وساوسك حول موضوع واحد وفي نفس الوقت درجة القلق لديك مرتفعة، وهذا يعني محاولتك لمقاومة هذه الوساوس ورفضها.
الصداع الذي تشتكي منه لاشك أنه ناتج من انقباضات في عضلة فروة الرأس، وهي عضلة كبيرة جدا، ويعرف أن التوتر النفسي ينعكس كثيرا على بعض عضلات الجسم ومنها عضلة فروة الرأس، وهذا الانقباض هو الذي يؤدي إلى هذا الصداع.
الوساوس القهرية في حد ذاتها هي نوع من القلق النفسي الشديد، وإن كان هنالك الآن بعض الاختلاف بين العلماء في أي المجموعات التشخيصية يمكن أن تشخص تحتها الوساوس القهرية.
أقول: إن هذا الخلاف قد نشأ، ولكن أغلب المختصين يرون أنها نوع من القلق النفسي، والوساوس القهرية يكون الإنسان فيها مرتبطا بالواقع ومستبصرا لدرجة كبيرة.
الوساوس أيضا قد تكون مرتبطة أيضا بنوع من الكدر والكآبة وعسر المزاج، وهذا هو الذي قد يدفع البعض لأفكار قبيحة وسلبية كالتفكير في الانتحار وما شابه ذلك، ولكننا نعرف -بفضل الله تعالى- أن الذين يعانون من الوساوس القهرية هم من أنبل الناس ولديهم مقياس القيم لديهم مرتفع جدا ولا نراهم في ساحة الجريمة مطلقا ولا يقومون بإلحاق الأذى بأنفسهم.
هذه من ناحية عامة، وفوق ذلك أنت الحمد لله مسلم، وأنت الحمد لله حريص على تمسكك بدينك، وحتى مشاعرك نحو النساء تحاول كبتها وتغض بصرك، وذلك درءا للشبهة وبعدا عن الحرام، فأسأل الله تعالى أن يثبتك على ذلك.
أيها الابن الكريم! أرجو أن يكون هذا التوضيح مفيدا بالنسبة لك؛ لأن تفهم الحال في حد ذاته هو جزء كبير جدا من العلاج.
يأتي بعد ذلك أؤكد لك أن الوساوس القهرية يمكن - إن شاء الله تعالى – علاجها، ويتمثل هذا العلاج في مقاومة فكرة الوساوس وفي تحقيرها، وذلك بأن تتمعن فيها التمعن التام، وهنالك بعض الوسائل السلوكية أو نستطيع أن نقول إنها نوع من الحيل السلوكية - إذا طبقت بصورة صحيحة – هي مفيدة جدا.
أود منك أن تجلس في مكان هادئ وتتأمل في أي من هذه الأفكار الوساوسية التي ذكرتها وتبدأ في التفكير فيها بعمق، بل تكررها في خيالك، ثم بعد ذلك قل لنفسك: (قف، قف، قف)، كرر هذا عدة مرات، وأنت هنا تخاطب الفكرة الوساوسية من أجل التوقف.. كرر هذا التمرين خمس مرات في كل جلسة بمعدل جلسة في الصباح وجلسة في المساء.
والتمرين الثاني: هو أن تقرن ما بين الوساوس وما بين استشعار مضاد لها، فقد وجد أن الإطباق أو التزاوج ما بين فكرة الوساوس وإدخال الألم على النفس من الطرق الجيدة لإضعاف الوساوس حتى تتلاشى -إن شاء الله تعالى-.
إذن: يمكنك تطبيق هذا التمرين من خلال أن تفكر في الفكرة الوسواسية وتتمعن فيها، وفي نفس الوقت قم بالضرب على يدك بقوة شديدة على جسم صلب كالمنضدة مثلا، ويجب أن يكون هذا الضرب بقوة حتى تحس بالألم.
الفكرة هي أن تربط ما بين الفكرة السلبية وبين الألم. كرر هذا التمرين أيضا خمس مرات بمعدل مرة صباحا ومرة مساء، والفكرة هي أن تربط بين الألم كإحساس مرفوض والفكرة الوساوسية.
هنالك تمارين أخرى كثيرة جدا كأن تفكر في الفكرة الوسواسية ثم قم بالبصق على الأرض كأنك تضعها تحت حذائك، وقم بالدوس والضرب عليها بحذائك، وهذا بالطبع إشارة لتحقير الفكرة.
هذه التمارين في ظاهرها كأنها ليست ذات صيغة أو قائمة على مبادئ علمية، ولكن الحقيقة أن هذه العمليات العلاجية السلوكية هي خلاصة تجارب علمية كثيرة وطويلة وقد أثبتت فعاليتها - إن شاء الله تعالى - .
تمرين آخر هو أن تستبدل الفكرة الوساوسية بفكرة مضادة وتقوم بتكرار هذه الفكرة عدة مرات.
لاشك أنه من الضروري دائما أن تتأمل في الإيجابيات العظيمة في حياتك، فأنت -الحمد لله- في بدايات الشباب وفي أحد كليات القمة، وتنتمي إلى أسرة كريمة، فهذه إيجابيات عظيمة يجب دائما أن تتذكرها؛ لأن تذكر الإيجابيات - إن شاء الله تعالى – يتغلب ويطغى على السلبيات مثل هذه الأفكار الوسواسية.
لاشك أن الإكثار من الاستغفار وأن تستعيذ بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم وأن تسأل الله تعالى أن يبعد عنك هذه الوساوس، هذا أمر مطلوب دائما، وهو -إن شاء الله تعالى- من معينات العلاج المثبتة والضرورية.
يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وأرجو أن أزف لك البشرى أن الوساوس القهرية مثل هذه الأفكار الاجترارية تستجيب للعلاج الدوائي بصورة جيدة وممتازة جدا، والسبب في ذلك أنه يعتقد - ومع مؤشرات علمية قوية - أن هنالك بعض الاضطرابات في بعض المواد الكيميائية في المخ تسمى بالموصلات العصبية ربما يكون هنالك نوع من الضعف في إفرازها أو عدم الانتظام في إفرازها، فهذه المجريات البيولوجية لابد أن تصحح كيميائية وذلك بتناول الدواء.
والأدوية - بفضل الله تعالى – أدوية سليمة وحديثة وممتازة جدا، وبجانب أنها تعالج في إزالة القلق والوساوس، هي أيضا مزيلة للمخاوف ومحسنة للمزاج - بفضل الله تعالى - .
أرى أن العقار الذي يعرف علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، سوف يكون عقارا مناسبا جدا لحالتك، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة يوميا بعد الأكل لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى.
هذا الدواء من الأدوية السليمة وقليلة الآثار الجانبية، وهو لاشك أنه فعال جدا في علاج القلق والتوتر والوساوس من هذا النوع.
الذي أنصحك به هو أن تلتزم التزاما قاطعا بتناول الدواء؛ لأن الانتظام يضمن لنا - بإذن الله تعالى – أن البناء الكيميائي سوف يكون بصورة صحيحة، وهذا بلا شك سوف ينتج عنه السيطرة على المسارات البيولوجية والكيميائية المضطربة وإرجاعها إلى وضعها الصحيح مما يزيل هذه الوساوس.
توجد أدوية أخرى منها عقار يعرف تجاريا باسم (فافرين Faverin) ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، وعقار آخر يسمى تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، وعقار ثالث يعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، وعقار رابع يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، ولكن البروزاك في نظري هو أكثر الأدوية التي تم دراستها في علاج مثل هذه الحالات.
أبشر فأنت -الحمد لله- تعادي أو أن أفكارك مخالفة تماما لما يدعو إليه البعض وهو أمر الترويج للشذوذ، فأنت الحمد لله تعالى أقلقك الأمر للدرجة التي أصبت بهذا القلق الشديد، وهذا يدل على نفورك التام من هذا الأمر، وأنت -إن شاء الله تعالى- في حفظ الله وفي رعايته وفي حرزه، وأنت بعيد تماما عن كل هذا الأمر.
ولا شك أن بداياتك حدثت حين اطلعت على هذا الأمر في إحدى المواقع النفسية كما ذكرت، وهذه دائما من المشاهدات الضرورية، حيث إن القلق والوساوس القهرية بما أنها سلوك مكتسب تكون هنالك بعض المثيرات أو الروابط التي من خلالها بدأت الوساوس، وعليه يجب دائما أن تفكر أن ما يرد في هذه المواقع هو حقائق علمية لا ننكر ذلك، ولكن بالطبع لا ينطبق عليك - بإذن الله تعالى - .
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك، ونسأل الله لك العافية، وأرجو أن تركز على دراستك وتكون من المتميزين وتدير وقتك بالصورة الصحيحة، ودائما تكون في رفقة الصالحين والخيرين والطيبين، فسوف تجد منهم المساندة والاستبصار.
وبالله التوفيق.