السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا -يا شيخ- فتاة عمري 20 سنة، خريجة أول متوسط، متزوجة وعندي بنت عمرها سنة ونصف، أحس بأن وجودي مثل عدمي في الحياة، ـ بالكاد ـ أعرف أقرأ وأكتب، وقد ترى كتابتي ناقصة أو زائدة حروفها، فلا موهبة ولا تعليم ولا شيء..
كل صديقاتي متعلمات إلا أنا، لا تنصحني بأن أكمل دراستي! لأن هذا من سابع المستحيلات، خصوصا أحسست بهذا الإحساس أو ظل يراودني بكثرة عندما تزوجت إنسانا متعلما ومثقفا جدا، وعنده مواهب كثيرة.
المهم يا شيخ ـ الله يعافيك ـ كيف أقوي القراءة والكتابة عندي؟ وكيف أصبح مثقفة من دون إكمال دراستي؟ مع أني أقرأ بكثرة، وكيف أكتشف موهبتي، أو هل يوجد أناس يولدون من دون مواهب؟ لا يوجد جديد في حياتي، أحس أني بسرعة أمل من الحالة الواحدة .. أتمنى أن تردوا علي في أسرع وقت!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يبارك فيك وفي زوجك وابنتك وأن يعينك على تربيتها تربية صالحة، وأن يوفقك لوضع برنامج طيب تنهضين من خلاله بنفسك وترفعين به معنوياتك، وتصبحين من خلاله متميزة بين زميلاتك.
وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – من أنك تشعرين بأن وجودك كعدمه في الحياة، لأنك بصعوبة تعرفين القراءة والكتابة، وأحيانا أيضا قد تزيدين بعض الحروف أو تنقصينها وليس لديك موهبة ولا تعليم لأنك خرجت من أول المتوسط وصديقاتك على مستوى أما أنت فليس لديك الفرصة التي أعطيت لهن لأنك تزوجت مبكرا، رغم أن زوجك - حفظه الله ما شاء الله ورعاه – إنسان مثقف ومتعلم وعنده مواهب كثيرة..
كيف تقوين القراءة؟
أولا: أنت تعلمين أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سببا، وإذا لم يقم الإنسان بالأخذ بالأسباب لا يمكن أن يحصل على نتائج، فأنت الآن إذا لم تأكلي ستشعرين بالجوع، فإذا أكلت ذهب عنك الجوع، إذا لم تنامي ستشعرين بالحاجة إلى النوم، فإذا نمت ذهب عنك النوم، كذلك إذا لم تطبخي الطعام لزوجك ولنفسك وابنتك لن تجدي طعاما في المنزل.
فإذن كذلك أيضا أنت إذا لم تتعلمي لن تستطيعي أن تقرئي ولا تكتبي، ولابد لك من ذلك قطعا؛ لأن العلم بالتعلم كما قالوا (العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والصبر بالتصبر)، لا يوجد إنسان عالم، والناس جميعا كما قال الله عنهم: (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ))[الإسراء:85]، ولذلك عندما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي عليه الصلاة والسلام في أول الدعوة وهو في الغار وقال له {اقرأ} قال: ما أنا بقارئ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولذلك ما قرأ، فكيف تقرئين - بارك الله فيك – وتتميزين وأنت لا تعرفين القراءة ولا الكتابة؟!
إذن لابد لك من التعلم، وأنت تقولين الآن - بارك الله فيك – لا تقل لي الدراسة لأن هذا من سابع المستحيلات. أقول: هذا سابع المستحيلات ولكن ليست من ثامن المستحيلات ولا من تاسعها ولا من عاشرها، فإني أعرف أناسا كانوا يعملون خدما في بعض البيوت، وكانوا يخدمون أبناء صاحب البيت وتعلموا من هؤلاء الأولاد الصغار، حتى أصبحوا الآن أساتذة كبارا ورؤساء وعمداء كليات وجامعات، رغم أنهم تعلموا في وقت متأخر، لكن لما وجدت لديهم الرغبة كانوا يذاكرون مع هؤلاء الطلبة الصغار، واستطاعوا أن يتفوقوا عليهم وأن يصبحوا الآن أساتذة كبارا في عالم الحياة.
إذن أنت إذا توافرت لديك الرغبة الجادة صدقيني سوف تتغيرين، أما أن تقولي (لا تقل لي أكمل دراستي لأن هذا من سابع المستحيلات)؛ هذه هزيمة وهذا لا أريدها لك حقيقة، لأنك عندما تضعين هذا الشرط السلبي الهدام فإنك لن تتعلمي، عندما تضعين هذه العقبة الكؤود أمامك لن تتعلمي، الذين تعلموا ليسوا بأحسن منك، والذين تخرجوا من الجامعات ليسوا بأفضل منك، أنت وصلت إلى أول متوسط فكان من الممكن أن تواصلي تعليمك، فلماذا لا تبدئين مرة أخرى؟!
أقول: لماذا التعليم النظامي؟ لأنه منظم ويساعدك، قد تدرسين منازل وأنت في بيتك، ولكن على الأقل لن تقصري ولن تهملي ولن تضيعي يوما أو أكثر بغير مذاكرة؛ لأنك تعرفين أنك مسئولة عن مستوى أنك تريدين أن تنجحي، أما لو أردت أن تتعلمي بدون هذا التعليم النظامي فسيكون الحافز عندك ضعيفا، ولذلك لماذا أقامت الدول المؤسسات التعليمية؟ حتى تلزم الناس بالتعليم؛ لأنه لو كان الناس يستطيعون أن يتعلموا بغير المدارس والكليات والجامعات لما أنفقت الدولة هذه الملايين على التعليم، لأنهم يعلمون يقينا لو أن كل إنسان ترك لن يتعلم أحد، ولكن حدث هناك التعليم الإلزامي حتى يذهب الإنسان إلى المدارس ليتعلم، أما لو تركت الدولة الناس دون أن يتعلموا – صدقيني – لن تتعلمي أنت ولن أتعلم أنا ولن يتعلم أحد؛ لأن التعليم شاق، ولذلك أقول:
أول أمر أتمنى أن تفكري فيه أنها مسألة العودة إلى الدراسة مرة أخرى؛ لأن هذا أسهل طريق وأبسط شيء، لا تقولي أنه من سابع المستحيلات؛ فلا يوجد هناك شيء مستحيل، يوجد المستحيل على العاجز الضعيف، على الإنسان المهزوم نفسيا، على الإنسان الذي ليست له همة، أما الإنسان العادي الطبيعي لا يعرف شيئا يسمى مستحيلا لأن الله تعالى لو كان هذا الأمر مستحيلا لما جعله بين الناس، ولو كان هذا أمرا مستحيلا لما تعلم الناس، ملايين الناس من حولك الآن يتخرجون من الجامعات والمدارس كل عام، لماذا هؤلاء ليس مستحيلا عندهم ومستحيل عندك أنت؟
إن هذه النظرة الدونية لنفسك أنت تحتقرين نفسك وتقللين من شأنك وهذه هي المشكلة، ولذلك لابد أن تشعري بأنك لست بأقل من زميلاتك الآن صديقاتك المتعلمات المثقفات، غدا ستكبر ابنتك وتحتاج إلى من يساعدها في حل الوظائف وفي حل الدروس، قولي لي بالله عليك من يساعدها؟ إذا كنت أنت لا تعرفين القراءة الجيدة أو الكتابة الجيدة فكيف تساعدين ابنتك، والله ستشعر هذه الفتاة ضدك بأنها تشعر بأنك إنسانة ضعيفة وبأنك إنسانة مسكينة وأنك إنسانة ذليلة، لأنك لم تتعلمي.
ولذلك لابد لك أن تتعلمي، وأن تكملي مشوار الدراسة بأي وسيلة، خاصة وأن هناك ـ الحمد لله ـ فرصة متاحة للتعليم المنزلي أو التعليم المسائي، تستطيعين أن تتعلمي - بإذن الله تعالى – حتى إذا ما كثر أبناؤك كنت عونا لهم على المذاكرة والمراجعة، وكنت فاهمة لما يقرؤون وما يذاكرون فلا يستطيع أحد أن يضحك عليك، وإنما تستطيعين أن تساعديهم وأن تسأليهم وأن تناقشيهم حتى يخرج أبناؤك جميعا من المتميزين.
ليس من اللازم أن تأخذي شهادة لتعملي بها، وإنما أفضل وظيفة أن تعملي في تربية أبنائك بهذه الشهادة، فأنا أقول - بارك الله فيك – حاولي ولا تقصري، فأنت لست بأقل من غيرك، لماذا تجعلين نفسك أقل من صديقاتك المتعلمات؟ لماذا تجعلين نفسك أقل من أخواتك الصغار؟ لماذا تجعلين نفسك أقل من الطالبات اللواتي يمشون أمامك كل يوم وهم يذهبون إلى المدارس يتعلمون ثم يتخرجون ما بين طبيبات ومدرسات وما بين موظفات في كل مرافق الدولة، هل هؤلاء لهن عقل وأنت لا عقل لك؟! هل هؤلاء لهن أعين وأنت لا عين لك؟! مستحيل، أنت أفضل من هؤلاء جميعا لأنك الآن على الأقل مستقرة اجتماعيا، فتستطيعين أن تبرعي وأن تتميزي عن هؤلاء جميعا.
فإذن هذا هو الحل الأول الذي لا حل سواه.
إذا كان هذا الأمر مستحيلا لظروف أخرى غير التي ذكرتها فمن الممكن أن تستقدمي أختا لتعلمك في البيت، وتعلمي أيضا على نظام التعليم، تعلمك القراءة والكتابة وتصبر عليك خاصة في الكتابة والإملاء، وتضبط معك مسألة القراءة والكتابة ضبطا قويا، وهذا الأمر قد يستغرق فترة بسيطة وتصبحين قارئة ماهرة وتصبحين كاتبة بارعة.
مدرسة خصوصية تأتيك مثلا يوميا أو ثلاث أو أربعة أو كل يوم في الأسبوع، حتى تتعلمين وتنطلقين في القراءة وتنطلقين في الكتابة، ثم بعد ذلك تستطيعين أن تقرئي أي كتاب وأن تقرئي أي قصة وأن تقرئي أي مقالة وتستطيعين أن تكتبي، ومن الممكن أن تتحولي حتى بدون شهادة إلى كاتبة متميزة تكتبين في الجرائد الإسلامية أو في الصحافة العامة، وقد وجد كثير من ذلك، فالعقاد – لعلك سمعت به – هذا من عمالقة الأدب العربي المعاصر لم يكن يحمل شهادة ولم يكن يحمل مؤهلا، ورغم ذلك كان من العباقرة الكبار، علم نفسه بنفسه القراءة والكتابة، ثم انطلق فأصبح عملاقا. فأنت من الممكن - بارك الله فيك – أن تفعلي ذلك.
هل يوجد أناس يولدون بدون مواهب؟ أبدا، الله تبارك وتعالى يقول: (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ))[التين:4]، وقال: (( وصوركم فأحسن صوركم ))[غافر:64]، ولكن هذه المواهب عندما يساء استغلالها أو عندما تهمل تموت، ولكنها موجودة. فأنت - إن شاء الله تعالى – مجرد أن تبدئي القراءة والكتابة، ستتفجر عندك طاقات هائلة، لأنك ستقرئين في كل الميادين، ستقرئين في الطبخ في أنواعه المختلفة فتتميزين في الطبخ، ستقرئين في الديكور، ستقرئين في الزينة، ستقرئين في التجمل لزوجك، ستقرئين في نظافة المنزل، ستقرئين في العلاقة الزوجية الخاصة والعامة بينك وبين زوجك، ستقرئين في تربية الأولاد، ستقرئين في الفساتين وكيفية الخياطة، ستقرئين في السياسة، ستقرئين في الاقتصاد، ستقرئين في الفقه، في العقيدة، في التفسير، في السير، في التاريخ، في الأدب، ستقرئين في كل شيء، لأنك ستنطلقين انطلاقة كبيرة - بإذن الله تعالى -.
ولكن أنا أنصح حقيقة بالدراسة النظامية، إذا كانت مستحيلة - كما ذكرت – لظروف تخصك أنت غير الذي ذكرته، فلا مانع أن تستقدمي لك معلمة تمكث معك عاما أو أقل أو أكثر حتى تتقنين القراءة والكتابة إتقانا جيدا، وستكونين رائعة بإذن الله تعالى.
في خلال فترة بسيطة – صدقيني – ستكونين كاتبة متميزة، وتكتبين كلاما ينفع الله عز وجل به أخواتك المسلمات، ويكون من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بيان حقائق علمية رائعة في أي مجال من المجالات، فاستعيني بالله ولا تعجزي، وتوكلي على الله، وأسأل الله أن يفتح عليك بفتوح العارفين، وأن يعلمك كما علم آدم الأسماء كلها.
هذا وبالله التوفيق.