أصبحت أتردد في تغيير عملي ولكن لم أجد عملاً غيره

0 581

السؤال

جزاكم الله خيرا لمساعدتكم للشباب.
أبدأ مشكلتي التي تتمثل في عملي الذي لا أحبه ولا أستمتع به، عملي أستاذة، أدرس الأطفال في قرية نائية، هذا العمل يؤثر على نفسيتي كثيرا لأنه يتطلب مني جهدا كبيرا واحتمالا للظروف الطبيعية الصعبة والمبيت في وسط أمقته، وفي المقابل الدخل أو الراتب لا يستجيب لطموحاتي، وما يؤثر علي سلبا هو ضميري، فأنا لا أعمل بالشكل الذي يرضي الله ويرضي الناس ويرضيني.

حاولت ولكن دون جدوى، أصبحت عصبية كثيرا في قسمي ولا أتقن عملي ولا أريد أن آكل حراما، فكثيرا ما أغيب عن العمل، وفي عودتي إليه من جديد تسوء نفسيتي كثيرا.

ندمت على اختياري لهذا المجال، مرت 6 سنوات على هذا الحال لكن أقول لنفسي: ما هو البديل؟ بماذا سأغيره؟ أبحث في نفسي عن المجال الذي يناسبني لكن لا أجد إجابة، لا أريد أن أكمل حياتي هكذا.

أعترف أن نفسي ضعيفة ولست من النوع الذي يتحمل الشقاء، أريد عملا أسعد به ولا أحس بمرور الوقت، ما هو السبيل للعثور عليه? كيف أكتشف المجال الذي يناسبني؟ كيف أكتشف نفسي وهواياتي وقدراتي?

جلست مع نفسي كثيرا دون أن أصل إلى جواب، حياتي بلا طعم، فقط أعمل لأكسب المال الذي لا يكفيني .. في الأخير عرفت أن مواهبي تجمدت وماتت لأني لم أبحث عليها في بداية حياتي فكيف لي أن أعاود اكتشافها؟ هل فات الوقت؟

حلمي أن أجد عملا أستمتع به؛ لأن العمل أمضي فيه معظم حياتي ووقتي الذي سأحاسب عليه وأريد أن أتقنه وأقدم فيه شيئا جديدا حتى تكون لحياتي معنى.

أريد منكم تزويدي بالكتب أو إعطائي خطوات محددة وليس كلاما عاما.

فكرت أن أتزوج وأستقيل من عملي أفضل من بقائي على هذا الوضع، لكن الجميع ينبهني بأني سأندم إن تركته؛ لأن العمل في هذا الوقت ضروري للمرأة خصوصا إن لم تتوفق في زواجها أو ... إلى متى سأصبر حتى يتحسن الوضع والعمر يجري؟ وماذا سأقول لربي عندما أقف بين يديه.

بالله عليكم أنا في حاجة لمساعدتكم، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سوسن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمن عليك بعمل طيب مناسب ترضين فيه مولاك – جل جلاله – وتسعدين فيه بالقيام به وتحققين من ورائه نفعا ماديا يكفيك ذل السؤال.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - من أنك تعملين مدرسة للأطفال في قرية نائية بعيدة عن محل إقامتك وتبيتين في وسط لا تحبينه وتأخذين دخلا لا يستجيب لطموحاتك.. هذا حقيقة وتلك العوامل مجتمعة هي التي أدت بك إلى كراهية هذا المجال، فتدريس الأطفال حقيقة في الواقع أعتقد أنها رسالة، بل هو من أنسب الأعمال التي تتناسب مع ظروف المرأة المسلمة، حيث إنها لو درست الكبار وقعت هناك مشكلة الاختلاط ومشكلة تعلق الشباب بها، إلى غير ذلك من المشكلات الكثيرة التي تعاني منها كل الأخوات المدرسات الصالحات إذا كن يدرسن الطلبة في المرحلة الإعدادية أو الثانوية، حيث إن الشباب وصل إلى سن المراهقة والرجولة، وأصبح لديهم تطلعات جنسية وقد ينظرون إليها نظرات مريبة وقد يتصرفون معها تصرفات حمقاء – إلى غير ذلك -.

ولذلك أرى أن العمل في تدريس الأطفال هو من أنسب الأعمال حقيقة للمرأة المسلمة الصالحة التي تريد أن تقدم خدمة لدينها وفي نفس الوقت أيضا تحافظ على عفتها وحيائها وأخلاقها.

نعم إن عملية التدريس عملية شاقة في العموم، ولكنها تبقى مع الأطفال أسلس وأسهل؛ لأن الأطفال – كما نعلم – سهل قيادتهم، قليلة مشاكلهم، لا يردون دائما ويجادلون كما يفعل الكبار، وإنما يتلقون كل ما يلقى إليهم أو يسمعونه براحة وبساطة وبلا مقاومة، ولذلك تعتبر هذه أخطر مرحلة حقيقة في حياة الإنسان.

أيضا وفوق ذلك أن تدريس الأطفال وتعليمهم دين الله تبارك وتعالى هذه من أعظم أبواب الدعوة؛ لأن هذا الطفل عندما نشأ على يد معلمة مسلمة صالحة استطاعت أن تغرس فيه حب الخير والإيمان، وأن تغرس فيه محبة الله تبارك وتعالى العمل بالشريعة، خرج عبدا صالحا مستقيما وجاء في ميزان حسناتها يوم القيامة، لأننا نعلم أن الطفولة المبكرة هي أخطر مرحلة في التربية حقيقة، فهي مرحلة الأساس، ونعلم أن الأسر – مع الأسف الشديد – قد شغلت عن تربية أبنائها بأمور كثيرة نتيجة التحديات والتي على رأسها المشكلات الاقتصادية.

ونعلم أيضا أن معظم البيوت ليس لديها خطة لتربية أبنائها، فأنا أعتبر أنها فرصة ذهبية بالنسبة لك إذا أردت أن تخدمي دينك بأن تخرجي هذا الصف وقد تشبع أفراده بمحبة الإسلام ومحبة الله تعالى ومحبة النبي محمد عليه الصلاة والسلام حتى وإن لم يطبقوا، فقد لا يكونون في سن يطالبون فيها بالصلاة مثلا، فقد يكونون أطفالا في رياض الأطفال الصغار، ولكن قد تغرسين فيهم محبة الله ومحبة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ومحبة الإسلام، وتغرسين فيهم الاعتزاز بأنهم من المسلمين.

فأنا لا أرى أن المشكلة في المجال، وإنما المشكلة في العوامل المصاحبة، وهذا الذي أطلب منك - بارك الله فيك – أن تجتهدي في تغييره، فكونك تعملين في قرية نائية ما المانع أن تتقدمي بطلب بنقلك إلى مكان آخر وأن تسلكي في ذلك كل السبل الممكنة، أن ترفعي أمرك إلى أكبر جهة إذا أمكن ذلك وأن تستعيني ببعض الشخصيات بالوساطات - وساطات قطعا في كل ميدان خاصة في العالم العربي كالماء والهواء – ابحثي عن واسطة مؤثرة في إدارة التعليم لديكم على أن تقوم على نقلك إلى قريتك - أو مدينتك - أو قريبا منها؛ لأني أتصور أن هذه الظروف الصعبة تصاحب العمل لو زالت فإنك ستكونين سعيدة في هذا الميدان؛ لأنه ميدان رائع حقيقة، ويشعرك بالمتعة والانسجام إذا أحببته، وإذا كنت صاحبة رسالة فستنسجمين معه انسجاما كليا، وهذا الذي أراه باعتبار أني مارست هذه المهنة وأرى أيضا إخواني وأخواتي أصحاب الرسالة يحرصون عليها؛ لأن مجال التربية هو المجال الوحيد الذي يتم به تغيير الفكر وتغيير السلوك وإخراج الأجيال القادرة على تغيير هذا الواقع الكئيب المحزن الذي تعانيه الأمة؛ لأننا إذا لم نبدأ بالتربية منذ نعومة أظفار أبنائنا فلن نستطيع أن نغير شيئا؛ لأن العود إذا خام واعوج وأصبح يابسا لا يمكن تغييره، أما هؤلاء الأطفال فإنهم كالورقة تستطيعين أن تخطي فيها ما شئت، صفحات بيضاء تستطيعين نقش ما تشائين فيها دون أدنى مقاومة؛ لأن هذه المرحلة السنية لا تعرف المقاومة، ولذلك أقول:

أنا أرى أن هذا العمل هو أفضل عمل وأنسب عمل بالنسبة لك حقيقة، ولكن الذي جعلك تكرهين هذا العمل إنما هي الظروف المصاحبة، وهذا هو الذي أتمنى أن تجتهدي في تغييره حتى تكونين - بإذن الله تعالى – متفرغة بدنيا وعقليا لأداء هذه الرسالة العظيمة.

وأما عن الراتب فهذه أرزاق، والله تبارك وتعالى قدر لنا أرزاقنا قبل خلق السموات والأرض، وأنا أتصور لو أنك سعيدة بعملك وأنك قريبة من بيتك، لو أنك تنامين في بيتك، فإنك لن تفكري في قضية الراتب لأنها ستكون آخر شيء.

هذا العمل لا يمنع من الزواج أو التفكير فيه؛ لأن الزواج هو فطرة الله تعالى وسنته التي فطر الناس عليها، جعل المرأة بطبيعتها تواقة لرجل يعينها على غض بصرها وتحصين فرجها، وجعل الرجل بطبيعته تواقا للمرأة أيضا، فلقد أودع الله تعالى محبة الجنسين في قلب كل طرف منهما، حتى يعمر الكون وحتى تكثر الذرية وحتى تستمر الرسالة الإنسانية في الحياة، وهذا مطلب شرعي ومطلب طبيعي أيضا، حث عليه الإسلام وتدعو إليه الفطرة، فلا مانع - بارك الله فيك – من الزواج؛ فإن تقدم إليك الكفء الصالح فلا تترددي مطلقا، حتى وإن اضطرك ذلك لترك العمل، ولكن من الممكن أن تجمعي ما بين الحسنيين؛ لأن العمل مع الأطفال – كما ذكرت – ليس فيه محاذير شرعية، خاصة وأنك ممن يحب الله ورسوله ويحرص على خدمة الإسلام وتخافين مقابلة الله تبارك وتعالى وأنت مقصرة.

إذن أقول: عملك عمل رائع ومجال متميز ولو لم تكوني فيه لتمنيت أن تكوني أنت فيه، ولكن حاولي تغيير الظروف المصاحبة، ولا تمنعي نفسك من الزواج إن تقدم إليك الكفء الذي توافرت فيه الشروط الشرعية التي أخبرنا عنها نبينا صلى الله عليه وسلم.

وعليك بالدعاء والأخذ بالأسباب، فاجتهدي - بارك الله فيك – في الأخذ بأسباب التغيير وتوجهي إلى الله بالدعاء والإلحاح على الله واطلبي ذلك من الوالدة أو من الوالد أو من أحبابك ممن تعرفينهم من عباد الله في المجتمع الذي تعيشين فيه أن يعينك الله تبارك وتعالى على الانتقال إلى محل إقامتك وأن ييسر لك الصبر وأن يوفقك لأداء هذه الرسالة وتعليم أبناء المسلمين، واعلمي أن مهنة التعليم هي مهنة الأنبياء والمرسلين، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين بدأ رسالته بقوله تعالى: (( اقرأ ))[العلق:1].

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأله أن يرزقك التأقلم مع هذا العمل والسعادة به، كما أسأله تبارك وتعالى أن ييسر لك الانتقال إلى محل إقامتك، والبعد عن هذه المشقة التي تجعلك تكرهين العمل، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونا لك على طاعته ورضاه.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات