السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا طالب جامعي عمري 23 سنة، فقدت صديقا عزيزا علي، وبعدها صرت أعاني من مشكلة -رغم أني لا أفكر فيه حاليا- وهي أني أبكي بشكل يومي دون سبب، ولا أرغب بالكلام وأعزل نفسي في غرفتي.
وفي بداية حدوث هذه الحالة أشعر بضيق في تنفسي وحرارة في صدري، وأشعر أيضا أني في عالم غريب حيث الناس والأشياء التي حولي لا تبدو منطقية كأنني فقدت اتصالي بالواقع، وهذه الحالة لا تحدث لي بشكل دائم وإنما بشكل متقطع ولكن بشكل يومي، وأشعر باليأس ورغبة في الانتحار كأن أرمي بنفسي من مكان عال أو أقطع شراييني، وقد حاولت الانتحار أكثر من مرة ولكنها باءت بالفشل ولله الحمد.
وأقوم بتجريح يدي عندما أشعر بالحالة، وأرتاح كثيرا عندما أشعر بالألم، حيث أشعر أنني أستحقه، وقد صرت متأخرا جامعيا حيث لم أدرس لمدة ثلاث سنوات وليس لدي أصدقاء، فما رأيكم في حالتي؟ وماذا تقترحون علي في العلاج؟وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن هذه الحالة التي تحدث لك من قلق وفقدان للارتباط بالواقع أو عدم القدرة على التواصل مع محيطك واستشعارك بهذا التغير كأن ما حولك ليس طبيعيا، والبعض قد يشعر أن نفسه أيضا متغيرة ويحس بنوع من الغربة الداخلية.
وهذه الحالة هي نوع من أنواع القلق النفسي، وهو نوع خاص من القلق النفسي يحدث للبعض بعد الصدمات النفسية أو الإصابات الجسدية، وهو نوع من العصاب الذي نشاهده أحيانا لدى الأشخاص الذين تعرضوا للكوارث الطبيعية أو التي هي من فعل البشر، والذين يصابون بهذا النوع من القلق يكون في الأصل لديهم الاستعداد لذلك، وربما تكون شخصياتهم لم يكتمل بناؤها النفسي، وأعتقد أن هذا ينطبق على وضعك الذي أنت فيه، فأنت قد فقدت هذا الصديق العزيز، ولم توضح نوعية هذا الفقد، فإن كنت فقدته نتيجة للموت فنسأل الله تعالى أن يرحمه وأن يقبله قبولا حسنا، وإن كان انقطاعا فقط في العلاقة فنسأل الله تعالى أن يصلح ما بينكما.
هذه التفاعلات النفسية التي تحدث بعد الصدمات بصفة عامة يعرف أنها تستغرق بعض الوقت، وهذا الوقت ليس بالزمن الطويل، بعدها تبدأ الحالة في الانحسار ثم تنتهي تماما وذلك بعد أن يحدث ما يمكن أن نسميه التواؤم النفسي والتكيف مع الوضع الذي حدث فيه الفقد، وبعد مضي وقت من الزمن يسترد الإنسان دفاعاته النفسية الطبيعية مما يؤدي إن شاء الله إلى اختفاء وزوال الحالة.
والجزء الآخر في شكواك وهي أنك تشعر باليأس ولديك الرغبة في الانتحار وقد قمت بمحاولات من هذا القبيل، كما أنك تحس بنوع من الارتياح حين تقوم بتجريح يدك، هذه أيضا حالة نفسية معروفة وهي كثيرا ما تكون مرتبطة بالقلق والاكتئاب النفسي الانفعالي وكذلك اضطرابات الشخصية، وهنا بالطبع ننصح أن تراجع نفسك وتتذكر أنك مسلم وهذا الأمر منهي عنه تماما في الدين، وأن الانتحار بجانب أنه إثم فهو يؤدي إلى ضرر كبير ليس للشخص فقط إنما لمن حوله ولأقربائه ولأحبابه.
وإذا نظرت وضعك باستبصار لن تجد حقيقة ما يدفعك لمثل هذا التفكير الذي نرى فيه الكثير من ظلمك لنفسك، أنت شاب ولديك الكثير إن شاء الله الذي يمكن أن تنجزه في هذه الحياة، وحتى إن تأخرت في الدراسة الجامعية فهذا ليس نهاية الأمر، يمكنك أن تراجع نفسك وأن تبدأ بداية جديدة بعزيمة جديدة وتصميم جديد ومنهج جديد من أجل الدراسة، فبالرغم من السنوات التي ضاعت إلا أنك يمكن حقيقة أن تبدأ هذه البدايات الإيجابية وسوف تحس إن شاء الله بالرضا وسوف تحس بالقبول ذاتك.
وبالنسبة للأصدقاء فالشباب في مثل سنك يوجد لهم أصدقاء وليس من الصعوبة أن تبني صداقات وعلاقات اجتماعية راسخة، ما الذي يمنعك من ذلك؟
يجب أن تسأل نفسك هذا السؤال، فأنت لا ينقصك شيء وليس بك الدونية أو الضعف النفسي أو الجسدي الذي يجعلك تبتعد من الآخرين، ابدأ في تكوين صداقات وفي تكوين معارف، وأقول لك بكل أمانة إن المسجد هو أفضل مكان يمكن أن تبني فيه صداقاتك، اذهب وأد صلواتك في المسجد مع إخوانك المسلمين، هذا فيه خير كبير لك إن شاء الله، وسوف تجد أن علاقتك بالآخرين في المسجد بدأت في النمو وسوف تتخير من بين المصلين من تلائمك طباعه وتجد فيه الخير والمساندة وتتخذه صديقا، وهناك مجالات وأماكن أخرى كثيرة يمكنك أن تتعرف فيها على الشباب من هم في عمرك.
ارجع إلى دراستك فأماكن الدراسة هي مرتع خصب لتكوين العلاقات السوية والعلاقات الطيبة، وأبناء الجيران أيضا يمكن أن تجد وسطهم من يوائمك، إذا كانت هنالك أي من الجمعيات الشبابية أو الأندية يمكن أن تذهب إلى هذه الأماكن وسوف تجد أن هنالك أناسا طيبين وأفاضل يمكن أن تتعرف عليهم.
الصداقة هي تبادل للمعرفة بين الناس، فأنت لابد أن تساند، عامل الناس بطيبة وحيهم بأحسن تحية وتبسم في وجوههم، وكن لك حضورك في المناسبات الاجتماعية، وكن نشطا وفعالا، وشارك الناس في أفراحهم وفي أتراحهم، ولابد أن ذلك سوف يبني من انطباع إيجابي عنك ويشعر الآخرين بنوع من الألفة حيالك.
وهناك عدة طرق لبناء هذه الصداقات، فلا تيأس ولا تسأم ولا تقلل من شأنك أبدا، اجعل لحياتك معنى، أنت في ريعان الشباب كما ذكرت لك.
حاول أن تستفيد من وقتك وذلك بأن توزع الوقت على نشاطات مختلفة مثل القراءة وممارسة الرياضة، العبادة، التواصل الاجتماعي، حاول أن تنجز حتى ولو على نطاق بسيط جدا، سوف تجد بعد ذلك أن أداءك أصبح أفضل، وهذا يحفزك بإذن الله لمزيد من الإنجاز ولمزيد من التواصل، وإن شاء الله الرغبة في الدراسة.
بقي أن أوضح لك أن حالتك ربما لا تتطلب علاجا دوائيا بصورة ملحة، ولكن حتى نساعدك إن شاء الله لتقليل القلق والتوتر وهذا الشعور الغريب الذي يأتيك، أي شعور كأنك في عالم آخر – كما يقولون – أو لا تستشعر اتصالك بواقعك، فهناك أدوية جيدة تساعد في تقليل مثل هذا العرض، من هذه الأدوية العقار يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، وهو من الأدوية الممتازة، وهو في الأصل مضاد للاكتئاب والقلق والخوف والوساوس القهرية، ولكنه وجد أيضا أنه مفيد بصفة خاصة في نوعية القلق الذي تعاني منه، ولا شك أنه سوف يساعد بإذن الله على مشاعرك الوجدانية السالبة والتي نعتقد أن إصابتك بدرجة بسيطة من الاكتئاب هي السبب فيها.
إذن ابدأ في تناول الزولفت، والجرعة التي تتطلبها حالتك ليست بالجرعة الكبيرة، هي حبة واحدة فقط في اليوم، وقوة الحبة هي خمسين مليجراما، تناول الدواء بصورة منتظمة لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى حبة يوم بعد يوم لمدة شهر واحد، ثم توقف عن تناول الدواء.
هذه هي الطريقة المثلى لعلاج حالتك من ناحية تناول الدواء، ولكني أرجع وأقول لك: إن استعادتك ثقتك لنفسك وأن تنظر لأوضاعك وأن تحول أفكارك إلى أفكار إيجابية وتكون لك الدافعية والإصرار على أن تعيش حياة طيبة وجميلة، هي من الوسائل التي يعرف أنها مفيدة جدا لأن يتحول مزاجك إن شاء الله إلى مزاج إيجاب، وتحول المزاج إلى الوضع الإيجابي سوف يزيل القلق وسوف يقضي تماما بإذن الله على مشاعر الضيق والحرارة في الصدر وكذلك الشعور بالغربة الداخلية أو فقدان الاتصال بالواقع.
أنا ذكرت لك مسبقا ضرورة الاستفادة من وقتك وتنظيمه، وأقول لك: إن ممارسة الرياضة -أي نوع من الرياضة- ككرة القدم أو الجري أو كرة السلة أو السباحة، كلها وجد أنها مفيدة في التخلص من هذه الطاقات النفسية السلبية وبناء طاقات نفسية إيجابية، فكن حريصا على ذلك.
وختاما نسأل الله لك العافية والشفاء، ونشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب، وننصحك بمراجعة الاستشارات التالية للفائدة: (262983-110695-262353-230518)، وكذلك الرد الشرعي على من يفكر بالانتحار (262983 - 110695 - 262353 - 230518).
وبالله التوفيق.