السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا امرأة عمري 26 عاما، جامعية ومطلقة مرتين، رزقني الله من الأول ابن، ومن الثاني بنت، كلما جلست مع نفسي أندم على ما عملت وأعزم على عدم العودة، لكني أجد نفسي أكرره مرة أخرى، وذلك كالكلام الزائد في غير محله، وأستشير الناس كثيرا في أموري كلها، ولا زلت أدعو الله أن يذهب عني هذا الطيش والخفة والعجلة، وذلك تقريبا في كل صلاة.
وأما عن صفة العجلة والعصبية فهي منتشرة في كل أفراد العائلة سوى أمي، ولكنهم لا يبالون، وقد تعقدت من حالي، وأرى أني لا أصلح أن أدير عائلة ولا أن أفتح بيتا، خصوصا عندما يحدث خلاف بيني وبين زوجي، وما زلت أعاني، فهل أجد عندكم ما يخفف عني؟!
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أيمن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح لك نفسك، وأن يرزقك التوفيق والسداد في كل قول وعمل، وأن يلقي عليك محبة منه سبحانه، وأن يعافيك من تلك المشاكل التي كانت سببا في طلاقك الأول والثاني، وأن يوفقك فيما بقي من حياتك في تربية أبنائك، وبدء حياتك من جديد حياة طيبة مستقرة مباركة.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن هناك من السلوكيات ما ينشأ الواحد منا عليها في بيئته، ويصعب عليه التخلص منه، وهناك من السلوكيات من يولد بقدر الله وفيه استعدادا لهذا السلوك، ويطالب بأن يغيره بالآيات والأحاديث وأخلاق الإسلام الموجودة في القرآن والسنة، فهناك أشياء ينشأ الواحد عليها كنوع من الابتلاء، وذلك كالأمراض، كما أن الواحد يولد أحيانا بعلة أو بعاهة أو بمرض معين، كأن يولد أعور مثلا أو يولد أعرج أو غير ذلك، وكذلك أيضا يولد الإنسان وفيه أحيانا نوع من الخفة في عقله، أو نوع من الحدة في طبعه، هذه أيضا موجودة، وهي نوع من الابتلاءات والامتحانات والاختبارات.
وهذا الاختبار له عليه أجره من الله تعالى؛ لأن الله لما خلق آدم عليه السلام ومسح على ظهره أخرج منه ذريته كلها ووضعها في كفه، فرأى آدم عليه السلام أبناءه جميعا، حتى رأى منهم الأعمى والأعور والأعرج وأصحاب العاهات، فقال: يا رب لم خلقت أولادي هكذا ولم تخلقهم كإخوانهم أسوياء؟ قال: خلقتهم كهذا ليتعظ بهم أبناؤك الأصحاء، فالإنسان كلما يرى صاحب بلاء يعلم فضل الله عليه، ولذلك أوصانا النبي عليه الصلاة والسلام أننا إذا رأينا صاحب البلاء أن نقول: (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا).
فأحيانا بعض هذه السلوكيات الغير طبيعية قد تكون مردها إلى التربية الخاطئة، وقد تكون العوامل الوراثية قد لعبت فيها دورا، وقد تكون هذه أقدار الله التي شاءها وخلق الإنسان بها، ولكن في جميع الأحوال يطالب الإنسان أن يغير حاله إلى الأحسن، ولا ينبغي أبدا أن يستسلم بحجة أنني خلقت هكذا، أو بحجة أنني ربيت هكذا؛ لأن الله أعطانا القدرة على تغيير كل شيء فيما يتعلق بمحيط حياتنا، وطلب منا ذلك، فإن عجزنا فتلك إرادتنا، ولكننا مطالبون بتغيير أنفسنا، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11].
فهذه التصرفات التي تذكرينها هي تصرفات غير مسئولة ومزعجة، وأعتقد أنها السبب الرئيسي في تطليقك، فلابد من وقفة مع النفس، وأنت تقولين: إن كل مرة تعزمي على عدم العودة، ولكنك تجدين نفسك تكررين ذلك مرة أخرى، إذن هذا ضعف في شخصيتك أصلا، وما دمت تعرفين أن هذا هو سبب المشاكل، وأن هذه التصرفات هي سبب انفضاض الناس عنك، وأن هذه التصرفات هي التي أدت بك إلى الطلاق، فلماذا تستمرين فيها؟ ولماذا تتراخين في علاجها ومقاومتها؟
لابد إذا أردت أن تغيري نفسك، أن تبدئي قضية التغيير يقينا، وأن تعزمي عزما أكيدا على التغيير؛ لأن القضايا النفسية إذا لم يقم الإنسان بمواجهتها بنفسه شخصيا لن تتغير أبدا، حيث لا يمكن لأحد أن يحلها أبدا إلا أنت، فإذا لم تأخذي بزمام نفسك، وتصرين على عدم تكرار هذه التصرفات، فلن ينفع معك أي نصح، ولن ينفع معك أي توجيه، ولذلك قومي نفسك بنفسك، فكلما بدا لك موضوع تريدين أن تستشيرين فيه، وكان أمرا خاصا فحاولي أن تضعيه في أعماق نفسك، ولا تسمحي له أبدا أن يخرج، وقطعا ستتألمين في الأيام الأولى؛ لأنك لم تتعودي ذلك، وعندما تريدين تغيير هذه العادة؛ فإن هذا أمر لن يكون سهلا ميسورا، ليس مجرد العزم وفقط، وإنما العزم ومواصلة الإصرار على التغيير.
فإذن لابد لك من هذا ولا خيار أمامك، لا يمكن لأحد أن يغير هذه الأنماط السلوكية، فإذا لم تجدي القدرة من نفسك فلن تجديها من أحد سواك، فاعزمي هذه المرة عزما أكيدا وقويا، وكلما شعرت بالرغبة في العودة إلى هذه التصرفات الغير مرضية، فحاولي أن تقاومي هذا الكلام.
وهناك بعض الكتب من الممكن أن تعينك بإذن الله، فيوجد كتاب اسمه: (كيف تبني ثقتك بنفسك)، للدكتور عمرو حسن أحمد بدران، ويوجد كتاب آخر أيضا: (استراتيجيات إدارة الذات)، كيف أدير ذاتي؟ للدكتورة هيا السبيعي، من جامعة قطر، وهناك أيضا كتاب: (الشخصية المؤثرة)، أيضا للدكتور عمرو حسن بدران، وكذلك أيضا: (إدارة تغيير الذات)، لهيا السبيعي كذلك، وأيضا هناك كتاب اسمه: (كيف تزرع الثقة في نفسك وفي من حولك)؟ للدكتورة هيا السبيعي أيضا.
فهذه الكتب تعينك بإذن الله؛ لأنها تقدم لك بعض أنماط السلوك التي تساعدك على تغيير هذا الواقع، وعلى استعادة ثقتك بنفسك بصفة عامة، ولكن هذه الأمور الخاصة التي أنت فيها لا يوجد لها حل إلا بقرار منك شخصيا، فعليك بالدعاء أن يعافيك الله تعالى من ذلك، ولا تتوقفي عن الدعاء، ثم أصري واعقدي العزم على ضرورة تغيير نفسك، وبكل قوة وحزم؛ لأن النفس كالطفل، والطفل كما قال الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فإذا لم تقفي أمام الطفل وتمنعينه من أي تصرف مشين فسوف يفعله، وكذلك إذا تركت العنان لنفسك، فلن تتوقف أبدا، بل ستزداد سوءا مع الأيام.
وما زالت الفرصة أمامك لتكوني إنسانة موفقة ورائعة، خاصة وأن عمرك لا زال في السادسة والعشرين، ولديك فرصة أن تتزوجي بإذن الله بعبد صالح يكون عونا لك على طاعة الله، وتقضين معه بقية عمرك، نسأل الله أن يرزقك السداد في القول والعمل، وأن يعافيك من كل بلاء.
وبالله التوفيق.