السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة ناهزت الثلاثين من العمر، أنهيت دراستي الجامعية ولم أعمل، وأعاني من مشكلة باتت تزعجني في هذه السنوات الأخيرة، وهي الخوف الشديد من كل شيء، رغم أني أصلي صلاتي المفروضة وأقوم الليل وأحاول بر والدي قدر المستطاع، لكني أعاني من حالة الخوف من كل شيء ومن المجهول، وأخاف من اللصوص.
علما بأني قبل سنوات بسيطة تعرضت لمحاولة سرقة، عندما كنت في مكان عام أنوي شراء غرض لي، وقد مرت الأمور بخير ولله الحمد، ومع أني أقول أذكار الصباح والمساء وأذكار الخروج والمعوذات إلا أني أظل قلقة من أن تتكرر معي مشكلة السرقة، وأصبحت لا أخرج وحدي وأمتنع عن قضاء أمور مهمة من أجل ألا أخرج وحدي، والجميع يلاحظ ذلك.
ولم أعد أستطيع قيادة السيارة، حيث تأتيني نوبات بكاء عندما أتذكر حلما مزعجا بخصوص السيارة، وما زاد الطين بلة أني أصبحت أخاف حتى من الذين يتقدمون للزواج مني، فقد عشت تجربة خطوبة مؤلمة، ففقدت الثقة في الرجال، رغم أني مؤمنة بقضاء الله وقدره، والحمد لله أنه نجاني من شخص كان يدعي الخلق والحياء، لكن الرجال الذين يتقدمون لخطبتي ليسوا بملتزمين بالقدر الذي أريد، وأود زوجا أكثر التزاما مني؛ لأن الرجال قوامون على النساء، ومن حقوق الزوجة على الزوج أن يعلمها أمور دينها، ولم يعد لي صبر لكي أناقش الزوج في مسألة الحفاظ على الصلاة أو ترك التدخين.
وهناك من يقول لي: إنه يجب أن يكون يقيني بالله كبيرا، حتى يتسنى لي العيش بسلام، لكني أشعر بأن يقيني بالله كبير، لكني لا أدري ما العمل، فهل من دعاء أقوله يخفف عني همي هذا؟ وهل من علاج أو أمور أقوم بها تساعدني على الخروج من حالتي هذه؟!
أفيدوني جزاكم الله عني وعن المسلمين خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإن الخوف الذي تعانين منه هو نوع من القلق النفسي وليس أكثر من ذلك، حيث إن المخاوف بجميع أنواعها تشخص تحت مسمى القلق النفسي، والمخاوف بطبيعة الحال هي سلوك مكتسب، ونقول: إن هناك عوامل مرسبة وعوامل مهيئة وعوامل معجلة وعوامل معضدة تساعد في استمرارية القلق.
والعوامل المرسبة دائما هي العوامل التي تتعلق بشخصية الإنسان ومدى استعداده، والعوامل المهيئة لا شك أنها العوامل الحياتية التي تهيئ للإنسان حدوث هذه المخاوف، وأنت لديك تجربة واضحة وهي تجربة أنك تعرضت لمحاولة السرقة، فلا شك أن هذه التجربة رسخت في ذهنك بكل سلبياتها وبكل إفرازاتها وآلامها النفسية مما جعلها تتضخم وتتجسم داخليا في فكرك وخيالك وعقلك الباطني، ومن ثم بنت لديك المخاوف.
وحدث لك خوف نسميه برهاب الساح، وهو نوع من الخوف يشعر الإنسان فيه بعدم الأمان إذا خرج وحده أو إذا ذهب إلى أماكن مزدحمة أو هكذا، ولا يشعر بالأمان إلا برفقة الآخرين.
والمخاوف لا تعني أبدا قلة في إيمان الشخص، فمن الواضح أنك مستقيمة وملتزمة ومتدينة، ونسأل الله تعالى أن يزيدك في ذلك، ويعرف تماما أن الخوف كتجربة إنسانية وكسلوك مكتسب يجعل الإنسان دائما يبتعد عن مصادر الخوف، وهذا الابتعاد أو هذا التجنب هو الذي يزيد من الخوف ويؤدي إلى الانعزال، وهناك نوع خاص من الخوف يختلف من هذا الخوف، وهو الخوف من الله، والخوف من الله يقرب الإنسان من الله تعالى، وذلك من خلال الالتزام بعمل الطاعات.
وكما ذكرت لك فإن الخوف لا يعني ضعفا في الإيمان ولا يعني ضعفا في الشخصية، ولكنه يشير أن شخصية الإنسان تحمل الصفات والمميزات والسمات التي تجعلها قابلة للقلق، ويظهر بعد ذلك هذا القلق في شكل مخاوف حين تتهيأ له الظروف والأسباب والمسببات التي يمكن أن تؤدي إلى تكوينه وإلى تولده.
والمبدأ العام لعلاج الخوف أيا كان نوعه هو أن يعرض الإنسان نفسه لمصدر خوفه دون أن يستجيب استجابة سلبية، هذا الكلام يقول لك البعض: إنه سهل من الناحية النظرية ولكنه من الناحية التطبيقية ليس بالسهل، وأنا أقول: لا، هذا الإرشاد النفسي السلوكي يمكن تطبيقه لأنه وسيلة علاجية ناجعة.
والتعرض لموقف الخوف يؤدي إلى مزيد من التوتر، ولكن وجد أن الاستمرارية في هذه المواجهة – أي: مواجهة مصدر الخوف – سوف تؤدي إلى انخفاض القلق والتوتر بعد فترة من الزمن حتى يرجع الإنسان إلى وضعه الطبيعي الاسترخائي الذي لن يعاني فيه بأي قلق أو بأي خوف.
ولتطبيق هذه التمارين عدة طرق ووسائل، من هذه الوسائل أن تكون هذه التمارين تحت إرشاد نفسي، أي: تحت مراقبة أخصائي نفسي، ويمكن أن يطبقها الإنسان وحده إذا كان لديه الدافعية والإصرار والإرادة والاستعداد للتغير، وأحسبك إن شاء الله أنك لديك استعداد جيد للتغير، فأمسكي ورقة وقلما واكتبي كل المخاوف التي تعانين منها، ابدئي بأقلها ثم بعد ذلك اكتبي الأشد فالأشد إلى أن تصلي إلى أكثر أنواع المخاوف التي تجعلك تحسين بخوف شديد يصل لمرحلة الإعاقة إذا كان هذا النوع من الخوف موجودا لديك، أي أنه يعيقك من كل نشاطاتك الاجتماعية.
بعد ذلك تأملي في أنواع الخوف، ابدئي بالأول واجلسي في مكان هادئ وعرضي نفسك في الخيال، هذا يسمى التعريض في الخيال، ونقصد به أن تتخيلي نفسك أنك في هذا الموقف، ولابد لهذا الخيال أن يكون بتركيز وبدقة وجدية وقناعة أنه وسيلة علاجية، ويجب ألا تقل مدته عن خمس عشرة دقيقة، فعلى سبيل المثال: الخوف من الذهاب إلى السوق: عرضي نفسك لهذا الموقف ويكون هذا التعريض بالتدريج، بأن تبدئي رحلة الذهاب إلى السوق منذ التفكير فيها، ثم بعد ذلك الاستعداد بأن تجهزي نفسك من لبس وأخذ النقود ونحو ذلك، ثم بعد ذلك تقولين سوف أرجع بعد ساعة مثلا، ثم الخروج من البيت، وهكذا، أي: تعيشين الرحلة بكل تفاصيلها تعرضا في الخيال بتمعن وبدقة وبقناعة أن هذا علاج.
هذا التمرين يطبق بعد ذلك على بقية المخاوف حسب درجة شدتها، وهذه التمارين تمارس يوميا، وقد رأى معظم العلماء أن الذين يطبقونها بصورة جيدة تقل لديهم المخاوف بصورة واضحة بعد عشرة أيام إلى أسبوعين من التطبيق المستمر، ومع بداية التطبيق في الخيال لابد أن تطبقي في الواقع، وذلك بأن تجبري نفسك وأن تقولي لنفسك: (لابد أن أقتحم هذا الموقف)، وأنا أود أن أؤكد لك أنه لن يحدث لك أي شيء؛ لأن البعض يتصور أنه حين يواجه مصدر خوفه وحين يواجه المواقف سوف يفقد السيطرة على الموقف، أو أنه سوف يسقط أو سوف يتلعثم أو سوف يتعرق أو أنه ربما يصاب بأزمة قلبية، وهكذا، لكن هذا كله ليس بحقيقة، فعلاج الأمر إذن هو المواجهة وعدم التجنب.
هناك نوع من المواجهات الجماعية التي وجدناها مفيدة لعلاج الخوف، منها على سبيل المثال: أن تذهبي وتحضري المحاضرات والدروس الدينية وغيرها، والمشاركة في حلقات التلاوة النسائية، والمشاركة في الأعمال الخيرية الجماعية، هذه كلها وجد أنها تزيل الخوف.
هناك أيضا طرق للعلاج تعتبر من الطرق السلوكية، ومن أهمها: ممارسة تمارين الاسترخاء، هنالك مجموعة من التمارين تسمى بتمارين الاسترخاء، منها تمارين التنفس المتدرج، هذه أيضا تقلل من الخوف ومن القلق ومن التوتر، وأيضا تتطلب الالتزام والممارسة اليومية، هذه التمارين في أبسط صورها يمكن أن تطبق باتباع الآتي:
اجلسي في غرفة هادئة على كرسي مريح أو اضطجعي على السرير، وبعد ذلك أغمضي عينيك وافتحي فمك قليلا، ثم خذي نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، ولابد أن يمتلئ صدرك بالهواء حتى ترتفع البطن قليلا، ثم أمسكي الهواء في صدرك، وبعد ذلك أخرجي الهواء بكل قوة وبكل بطء عن طريق الفم، كرري هذا التمرين خمس مرات متتالية بمعدل مرتين في اليوم مرة في الصباح ومرة في المساء لمدة أسبوعين على الأقل.
وهناك تمارين أخرى كثيرة، يمكنك أن تتحصلي على أحد الأشرطة أو الكتيبات التي توضح كيفية القيام بهذه التمارين على الوجه الصحيح.
بقي أن نصف لك علاجا دوائيا، والحمد لله؛ توجد أدوية فعالة وممتازة لعلاج مثل حالتك، من هذه الأدوية عقار يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، هو من أفضل الأدوية التي تعالج هذا النوع من المخاوف، أرجو أن تبدئي في تناول هذا الدواء بجرعة حبة واحدة (خمسين مليجراما) ليلا - ويفضل تناولها بعد الأكل - لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبتين (مائة مليجرام) ليلا واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى حبة واحدة ليلا، واستمري عليها لمدة خمسة أشهر، ثم بعد ذلك تناولي الدواء بجرعة حبة واحدة كل يومين لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء، هذا الدواء من الأدوية الممتازة والفعالة والسليمة، فأرجو أن تحرصي على تناوله وتلتزمي بجرعته بالصورة التي ذكرتها لك.
وأما بالنسبة لمفاهيمك عن الزواج واختيار الزوج فلا شك أنها مفاهيم صحيحة، ولكن لا شك أن وجود القلق لديك جعلك حساسة أكثر في الموضوع، وربما أصبح هذا الموضوع يسبب لك عبئا وسواسيا ثقيلا، الأمر إن شاء الله في غاية البساطة، سلي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وأنا أقول لك: إن اشتراطك بأن يكون الزوج على خلق ودين هذا شرط مطلوب، وهو الشرط المفترض وهو الشرط الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أقرك عليه تماما، ولا شك أيضا أن استشارة من حولك من الوالدين والعقلاء سوف تكون استشارة جيدة بالنسبة لك، لكني أنبهك لأمر واحد، وهو أن كثيرا من النساء كن هن السبب في هداية أزواجهن.
ولا أقول لك: تنازلي عن شروطك، ولكن لا تكوني أيضا متشددة للدرجة التي تبحثين فيها عن المثالية، أنا أرى أن الزوج الذي يفهم معنى الزواج وسوف يحترم الزوجة ويؤدي صلواته وعباداته -حتى وإن كانت هنالك بعض الهفوات البسيطة في مسلكه- هذا يجب ألا يكون سببا ليصدك عن الزواج، فأنت -والحمد لله- ما دمت من بيئة صالحة وهذا الزوج يتمتع أيضا بالأسس والسمات الضرورية لأن يكون مسلما وزوجا صالحا؛ هذا سوف يكون كافيا، وأسأل الله تعالى أن يوفقك وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يتسنى لك من خلاله العيش الكريم حيث المودة والسكينة والرحمة.
وعليك الالتزام بالأدعية المأثورة، ولا شك أن الرجوع لكتاب الإمام النووي (كتاب الأذكار) سوف يكون معينا لك لتخير المزيد من الأذكار، ولعلاج المخاوف سلوكيا يرجى مراجعة هذه الاستشارات: (262026-262698-263579-265121).
وبالله التوفيق.