السؤال
السلام عليكم.
ابنتي عمرها 18 عاما، ولا أعرف كيفية التعامل معها!؟ إنها تعصي أوامري ولا تستجيب لي أبدا، جربت معها كل شيء المعاملة الجيدة والطيبة ولا فائدة، حتى أنها تهمل دراستها ولا تريد أبدا الدراسة، ما الحل لكي أستطيع التعامل معها؟
أرجو المساعدة ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Heba حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله – جل جلاله – أن يصلح حال ابنتك، وأن يهديها صراطه المستقيم، وأن يمن عليها بالصلاح والاستقامة والهداية والعفاف والتقى، وأن يجنبها الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلها بارة بك مطيعة لك محسنة إليك.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه وكما لا يخفى عليك أن الحياة في بلاد الغرب تختلف عن الحياة في بلاد الإسلام عامة والبلاد العربية خاصة، حيث إننا ومازلنا إلى الآن رغم التغير والتغريب المكثف والمركز الذي أصاب الأسرة المسلمة في العالم العربي، إلا أنه مازال هناك نوع من القدرة على التوجيه وعلى التوبيخ أحيانا وعلى العقاب أحيانا بالنسبة للأبناء الجامحين والمخالفين لما ينبغي أن يكونوا عليه.
أما في الغرب وكما لا يخفى عليك أن الحرية هناك لا حد لها ولا نهاية، وأن ابنتك وصلت إلى سن حرجة وأن من حقها الآن وفق هذه الأنظمة والقوانين الوضعية أن تنفصل عنك نهائيا وأن تبدأ حياتها وحدها، وألا ترجع إليك في شيء، كل هذه الأمور تلقي بظلالها على العملية التربوية؛ لأنه بلا شك ابنتك تعرف هذه الأمور وتعرف أن هذه الحقوق لها؛ لأن هذه الأمور تسمعها في كل مكان وتسمعها من كل إنسان، وبذلك فأنت تسبحين ضد التيار؛ لأن الحق الآن وفق الأنظمة والقوانين معها، وأن من حقها تفعل ما تشاء، تصلي أو لا تصلي، تذاكر أو لا تذاكر، تسمع كلامك أو لا تسمع، هذا كله أصبح يسمى عندهم بالحرية الشخصية، وطبعا بئس هذه الحرية التي تؤدي إلى الفوضى والتي تؤدي إلى الدمار، ولكن مع الأسف الشديد هذا هو الواقع المؤلم الذي يعيشه الغرب والذي يعيشه الشرق والتي تعيشه كل البلاد التي تعرف الإسلام ولم تحي حياة ولو قريبة منه؛ لأنهم يقتلون أنفسهم بأنفسهم، ويدمرون حياتهم بأيديهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم.
هذه الإفرازات التي تفتقت عنها عقول الشياطين هي التي تحكم تصرفات الناس في الغرب الآن، حياة ليس من ورائها هدف أو غاية إلا مزيد من الاستمتاع بهذه الحياة بأي صورة من الصور، ولا حلال ولا حرام هناك، وإنما فقط أنظمة وقوانين تنظم هذا الانحراف وهذا الدمار. ولذلك ابنتك ضحية هذا الواقع المؤلم، وهذا الذي تشكين منه الآن إنما هو ثمن وضريبة لهذا الاغتراب والإقامة في بلاد المهجر، ومن هنا أقول حقيقة: إن مهمتك صعبة وعسيرة وليس أمامك إلا سبل قليلة جدا وفرص متواضعة وضئيلة، أولها فرصة الحوار والنقاش الدائم..محاولة الإقناع ومحاولة لفت نظرها إلى ما ينبغي أن يكون، فكما ذكرت عن طريق الحوار، لأنك لا تستطيعين أن تسلكي شيئا أكثر من ذلك، وفرصة التربية التي ضاعت قديما قد لا نستطيع أن نتداركها الآن، فالتربية هي عملية تراكمية، فقد ثبت علميا أنها تبدأ والجنين مازال في رحم أمه، فالآن بعد الثمانية عشرة عاما الآن العود قد اعوج أو الجدار قد مال.
إذن أقول: هناك مشقة - أختي الكريمة هبة – ولذلك ليس أمامك – كما ذكرت – إلا الحوار والتفاهم مع ابنتك قدر الاستطاعة، ومحاولة إقناعها بما ترغبين أنت في تحقيقه لها وبيان فساد هذا الواقع الذي تعيشه وأن هناك واقعا يختلف تماما عن هذا الواقع، وأننا ننتمي إلى أمة تسمى أمة الإسلام، وأن الإسلام هذا دين عظيم، بصرف النظر عن سلوك المسلمين، ولأنه لو تم تطبيقه بطريقة صحيحة لكان أصحابه من أسعد الناس حقا في هذه الحياة، وبالتالي أيضا سيكونون كذلك في القبر ويوم القيامة.
حاولي بارك الله فيك أن توسعي دائرة الحوار وأن توسعي دائرة التفاهم؛ لأنه لا خيار أمامك أكثر من ذلك. أيضا عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يصلح الله حالها، وأن يحفظها الله من هذا الجو الموبوء، وأن يجنبها الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، فإن الدعاء سلاح عجيب في تغيير الواقع، فعليك به أيضا والإكثار منه والإلحاح على الله، وثقي وتأكدي من أن الله قادر أن يحول ابنتك رغم هذه الظروف الصعبة التي تعيشها إلى إنسانة في قمة الصلاح والهداية والاستقامة، فعليك بالدعاء ولا تتوقفي عنه أبدا لأن فيه النجاة -بإذن الله تعالى-.
الصبر الجميل أيضا سلاح رائع، فأنت أيضا مع الحوار ومع الدعاء عليك بالصبر وعدم الانفعال وعدم الضجر؛ لأن هذا الأمر سيؤثر عليك نفسيا ويفقدك القدرة أيضا على السيطرة على تصرفاتك وألفاظك، مما يجعلك أيضا تفشلين في التعامل مع ابنتك في هذا الجو الذي أشبه ما يكون بحياة الحيوانات لا ضباط ولا قانون يردع أحدا.
أما فيما يتعلق بدراستها أيضا فهي مسألة تحتاج إلى حوار، وأعتقد أنه من السهل جدا أن تجلسي معها لتبيني لها أهمية الدراسة وفائدتها، خاصة في هذه البلاد، فكل شيء خاضع للحوار والنقاش والتفاهم، فإن قبلت منك ذلك قبلت، وإن لم تقبل فأنت قد أديت الذي عليك، وهذا هو نتاج خطأك الماضي، فهذه التربية الآن أو هذه التصرفات التي تصدر من ابنتك إنما هي نتيجة التربية السابقة، فأنت لو أنك كنت قد ربيتها تربية شرعية منضبطة منذ أيامها الأولى صدقيني ما كانت تفعل ذلك أبدا، ولكن الذي تفعله الآن هو ثمرة طبيعية لعدم الاهتمام بالتربية الإسلامية المرشدة؛ لأن التربية الإسلامية ليست تربية سلبية، وإنما تربية إيجابية وقوية، وهي أقوى من تربية الغرب بمراحل، ولذلك أقول – بارك الله فيك – عليك:
كم أتمنى أن تدخلي على المواقع التي تتكلم عن فن التعامل مع المراهق من منظور إسلامي؛ لأن المنظور الإسلامي يختلف عن المنظور الغربي، فأيضا تكتسبن بعض المهارات من خلال هذه المواقع التي تتعامل مع المراهقة من منظور إسلامي، وبذلك -إن شاء الله تعالى– سوف تتمكنين من مواجهة هذه التصرفات الشاذة ولو بنسبة ما على الأقل إذا لم تستطيعي التغيير السلوكي بالكلية فلا أقل من أن تمنعي الانجراف أيضا بالكلية، وإن كانت بطيئة إلا أن المهم أننا وضعنا نقطة تأتي بعدها نقطة ويأتي فوقها وتحتها حرف فتتكون جملة جميلة - بإذن الله تعالى – وهي الطاعة والاستجابة والنجاح في الحياة.
أقول: ادخلي هذه المواقع؛ لأنها بلا شك عندك سهلة ميسورة، عندنا كتب كثيرة تتكلم عن المراهقة والتعامل مع المراهق، والكن الآن الموجود على الإنترنت أكثر بكثير من هذا، خاصة من منظور إسلامي؛ لأن المنظور الإسلامي يختلف عن الغربي، حتى وإن كان بعض المواقع متأثرة بالنظرة الغربية، إلا أنك ستجدين - إن شاء الله تعالى – مواقع إسلامية واعية تتكلم عن كيفية التعامل مع المراهقين وكيفية التعامل مع الأولاد والبنات في مثل هذه السن، ومجلة البيان التي تصدر في العالم العربي كانت قد أصدرت كتابين عن كيفية التعامل مع الفتاة في المراحل المتأخرة والمتقدمة، أتمنى أيضا لو دخلت على الإنترنت وكتبت مثلا (مجلة البيان)، وطلبت الإصدارات وستجدين هذا الكتاب موجودا، فلعك تستفيدين منه - بإذن الله تعالى – في التعامل مع ابنتك، التي أسأل الله تعالى أن يغفر لها وأن يتوب عليها، وأن يبصرها بالحق، وأن يهديها صراطه المستقيم، وأن يجنبها الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.