التعاطف مع الآخرين بين الإفراط والتفريط

0 181

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي جعلكم عونا لنا دائما وهداة للخير، ومنكم دائما نعرف سبيل الرشاد، أسأل الله أن يرزقكم الإخلاص ويجعله في موازين حسناتكم، أما بعد:
فأنا شاب بسيط جدا عرفت طريق الالتزام منذ عهد قريب أثناء فترتي الجامعية والحمد لله أن هداني الله في ديني ودنياي وتخرجت من جامعتي، والتحقت بعمل وتزوجت -والحمد لله-، ولكن ما يدور بخاطري وما ينغص علي معيشتي أمر ربما البعض يعتبره غريبا إلى حد ما.
وهو أني أكره الظلم جدا، وأتأثر به جدا بطريقة غير عادية، وخصوصا عندما أرى آثاره في المجتمع، ودائما أبحث عن أي حادثة ظلم بنفسي سواء كان عن طريق الإعلام أو الجرائد أو شبكة الإنترنت، فعندما أقرأ عن حادثة اغتصاب أو تعذيب أتأثر جدا، وغالبا أضع نفسي مكان الضحية، فأسمع عن حوادث فظيعة كاغتصاب عشرة شباب فتاة وخطفها من بيتها أمام أعين الناس تحت تهديد السلاح، أو الحوادث الشنيعة التي ارتكبها الصرب في شعب البوسنة والهرسك، والانتهاكات التي يتعرض لها نساء المسلمات، وغيرها من الأمور التي يشيب لها الرأس، وأريد أن أعرف:
أولا: كيف لي أن أتعامل أو أتأثر عندما أسمع أو أقرأ مثل هذه الأمور؟ فأنا أتعب نفسيا جدا وأتخيل نفسي أو أتخيل زوجتي أننا سوف نتعرض لمثل هذا الظلم في يوم من الأيام.

ثانيا: لقد تعلمنا من الشريعة الإسلامية ومن مشايخنا أن الأنبياء والرسل هم أشد الناس بلاء، فهل أحد من الأنبياء أو الرسل تعرض لمثل هذه البلاءات مثل اغتصاب الزوجة أمام زوجها أو انتهاك عرض رجل أمام الناس أو قتل وتمثيل جثث أطفال ونساء أمام عوائلهم.

وجزاكم الله خيرا، وأسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب، ونحمد الله كثيرا الذي أنعم عليك بنعمة الهداية، ونسأل الله تعالى أن يثبتك ويثبتنا جميعا على المحجة البيضاء، وحقيقة ما ورد في رسالتك بما يخص سرعة تأثرك بما تراه وبما تسمعه من أعمال فظيعة وشنيعة، هذا لا يعبر عن حالة مرضية بأي حال من الأحوال، هو يعبر عن حالة وجدانية وحالة عاطفية خاصة، والناس تختلف تماما في تفاعلها مع الأحداث من الناحية الوجدانية، هنالك سريعو التأثر لدرجة المبالغة، وهنالك من هم متبلدوا أو فاقدوا التأثر أيضا لدرجة المبالغة، والأمر المطلوب هو الأمر الوسط.

المشاعر لا نستطيع أن نفصلها كثيرا من الأفعال التي نقوم بها، والمشاعر قد تسيطر على الإنسان للدرجة التي تعيقه من فعل الصواب في كثير من الأحيان، ولذا يرى بعض العلماء النفسيين أن الإنسان يجب أن يحاول بقدر المستطاع أن يفصل ما بين مشاعره وأفعاله؛ لأن ذلك في نهاية الأمر سوف يهمش المشاعر نسبيا، وحين نهمش مشاعرنا نسبيا لن نتأثر بها كثيرا.

الأمر قد يكون فيه شيء من التعقيد ولكن الذي أقوله لك هو: هذا التأثر السريع الذي يحدث لك - إن شاء الله تعالى – ليس شرا كله، ولكن عليك أن تتذكر أنك لا تستطيع أن تسيطر على العالم، هذا أمر ضروري جدا، ويجب أن تعرف أن الخير موجود وأن الشر موجود، جميع أنواع الشر موجودة: الاغتصاب، القتل، الحسد، البغضاء، الشحناء، ... كل هذه موجودة وغيرها منذ نشأة البشرية ومنذ أن بدأت الخليقة، ونحن نعرف أن أول معصية لله تعالى كانت قائمة على الحسد والغيرة ما بين بني آدم – عليه السلام – وقبلها ما بين إبليس وآدم – عليه السلام - .

فيجب أن تعلم أنك لا تستطيع أن تسيطر على العالم الخارجي، ولا تستطيع أبدا أن تفرض قيمك، هذا أمر ضروري وضروري جدا، وحين تتذكر هذه الأحداث وتخاف أن يقع شيء منها على أسرتك – لا قدر الله – تذكر أيضا أنه في نفس اللحظة تحدث أعمال جليلة وأعمال خيرة ويقوم بها الخيرون من الناس، أي في نفس لحظة وقوع هذه الأحداث السيئة هنالك أحداث جليلة وإيجابية وخيرية تقع في نفس اللحظة، فأنت - إن شاء الله تعالى – مع الخيرين ومع الطيبين ومع الذين هم في كنف الله وحفظ الله تعالى.

هذا هو الذي يجب أن تتفهمه، بمعنى أن هذه الأمور موجودة وموجودة بفظاعة ولا تستطيع أنت أن تقوم حيالها بأي شيء، وعليك أن تقدر أنه في كثير من المواقف التي نشاهدها الآن نكتفي فقط بأضعف الإيمان وهو أن نلفظه ونرفضه بقلوبنا، وذلك أضعف الإيمان وليس وراء ذلك من حبة من خردل من إيمان، ومقصودنا أن هذا يكفي تماما.

كونك لا تحب الظلم وترفض الظلم هذا من الصفات النبيلة جدا، فهذا يدل على نبل خلقك، لا أحد يطلبه لا لنفسه ولا للآخرين، ولكن الظلم أيضا طبيعة من طبائع البشر موجود، فالإنسان يغير ما يستطيع أن يغيره إذا رأى ظلما قد وقع، ولكن يجب أن تكون حذرا، فما لا تستطيع أن تغيره أيضا يكفي تماما أن تبغض ذلك بقلبك وتدعو الله تعالى أن يرفع هذا الظلم من الذين وقع بهم.

إذن الأمر كله حوار مع الذات، يجب أن تحاور نفسك وتخضع الأمور لموازين المنطق، هذا في رأيي إذا قمت به كتدريب وتمرين نفسي يومي - إن شاء الله تعالى – سوف تجد أن قبولك لمثل هذه الأحداث التي تقع أصبح في حدود ما هو واقع وما هو مقبول.

يأتي بعد ذلك سؤالك الثاني والنقطة الثانية من ناحيتي أنا أقول لك: نعم، إن الأنبياء والرسل قد تعرضوا لابتلاءات كثيرة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (نحن معشر الأنبياء أشد الناس بلاء)، ولكن بالطبع لم يتعرض أي من الرسل لابتلاء اغتصاب الزوجة أمام زوجها أو هكذا كما ذكرت إذا تفهمت الأمر بصورة صحيحة – لأن زوجات الرسل مطهرات ومعصومات من الوقوع في مثل هذا الذي ذكرته، بل ما حصل من خيانة زوجتي نوح ولوط كانت خيانة في الدين وليس في العرض.

وختاما أود أن أشكرك كثيرا، وأقول لك: حاول أن توجه طاقاتك النفسية إلى اتجاهات أخرى، اتجاهات أكثر فائدة وإيجابية، ولا تجعل أبدا للأفكار التي سردتها والتي لا تخلو من شيء من الوساوس لا تعطيها أبدا حيزا في تفكيرك، وحاول أن ترفضها وتلفظها، وهذا يتأتى بتفهمك لها وإخضاعها للمنطق.

فبارك الله فيك، جزاك الله خيرا.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات