حالات الاكتئاب ودور التغيير الذاتي في نمط الحياة للتخلص منها

0 604

السؤال

السلام عليكم

أنا اسمي أمل، وهذا اسمي المستعار، لأنني أتمنى أن أرى الأمل في حياتي المظلمة، عمري 26 سنة، مشكلتي لا أعرف كيف أبدؤها! ولكن منذ كنت صغيرة بدأت عندي مشكلة الانعزال وأصبحت كئيبة ومتشائمة، وأشعر بالوحدة والخوف من كل شيء.

استمرت هذه الحالة عندي في المدرسة حتى بعد تخرجي، حيث كنت معزولة عن صديقاتي وأشعر بالضيق عندما أراهن يلعبن وأنا أقف جامدة، وازدادت هذه الحالة وفقدت الثقة بنفسي تماما عندما دخلت الجامعة، وهي خليط من الناس، كنت أحس بأنني ضائعة عمياء لا أعرف كيف أرى العالم، تائهة في بحر أصرخ ولا أحد يجيب!

أشعر بالخوف الملازم لي في أي مكان حتى من الزواج، لا أتحمل أن يلمسني شاب أو أن أحب أحدا.

أتلعثم في الكلام وأرتبك وأطرافي ترتعش عندما أخرج من البيت وأذهب إلى أي مكان فيه أناس، لا أعرف حتى كيف أمشي؟! كيف أتكلم؟! أصبحت أسيرة البيت ورهينة المحبسين مثل الشاعر أبو العلاء المعري، أشعر أن من يراني يقول: من هذه البائسة القبيحة. على الرغم أني متوسطة الجمال، أشعر بالسخط والقبح من حالي.

أعاني كل يوم، أبكي وأنحب وأفقد السيطرة على نفسي، وأقول: ماذا يحدث لي؟ لماذا لا أحب نفسي؟ علما أنني عشت حياة صعبة مليئة بالمشاكل والأنانية من قبل الأهل، كل واحد يفكر في حاله ولا أحد يحترم الثاني، كأنني في غابة البقاء للأقوى.

مشاكلي كثيرة لا تعد ولا تحصى، على العموم إنني أرجوكم أن تساعدوني لأنسى الماضي السيئ، لأنني بدأت أفضل الموت على الحياة التي لا أستطيع أن أحبها بدون أمل ولو قليلا.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله – جل جلاله – أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يخرجك من هذه الحياة المظلمة، وأن يصرف عنك الأمراض النفسية المتراكمة، وأن يرزقك الأمن والأمان والسعادة والاستقرار، وأن يمن عليك بخيري الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – أقول لك: إن هذه الأشياء التي تعانين منها الآن بلا شك وراءها سبب رئيسي وهو بداية حياتك، حيث أنك منذ أن كنت صغيرة وأنت تعانين من هذه المشاكل ولم يفكر أحد أن يتدخل أبدا لتصحيح هذه الحالة ولإعادتك إلى الوضع الطبيعي الذي تكونين عليه، ونتيجة استمرار الفترة الطويلة -قطعا ستة وعشرين عاما مدة ليست قليلة وليست بالسهلة- فطيلة هذه الفترة وأنت يتركز عندك هذا المفهوم السلبي عن الحياة وعن الظروف وعن الأحوال، وتتقوى عندك نزعة الشعور بالوحدة والخوف من كل شيء، حتى أصبحت الآن حالة صعبة.

لو أن هذه الحالة - بارك الله فيك – قد تم علاجها مبكرا ما كنت قد وصلت إلى هذه الحالة الصعبة الآن، ورغم ذلك أقول لك أيضا: رغم أنك وصلت فعلا إلى حالة صعبة وأنك تعانين معاناة شديدة في كل الاتجاهات وفي جميع المجالات، إلا أني أقول: إن الله تبارك وتعالى قال: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11]، فإذا لم تبدأ أختي أمل بتغيير نمط حياتها فهي لن تتغير، وتغيير نمط حياتك ليس أمرا صعبا، وإنما بعض المهارات التي من الممكن أن تتعلميها، بعض الأفكار التي من الممكن أن تكتسبيها، وسوف تتحول هذه الأشياء كلها من سلبية إلى إيجابية.

أنت ـ ولله الحمد ـ أولا جامعية، ثانيا متوسطة الجمال، إذن أنت لست فاشلة دراسيا ولست ذميمة، ثالثا أنك ـ ولله الحمد والمنة ـ على خير وطاعة، فأنت لست أيضا عاصية كبعض الفتيات في مثل هذه السن، فأنا أرى أن لديك مهارات رائعة وإمكانات كبيرة جدا، وأرى لو استطعنا توظيف هذه المنح الإلهية توظيفا جيدا أعتقد أننا سوف نخرج من هذا المنعطف المظلم، وسوف تخرجين إلى نور الحياة المبهج بإذن الله تعالى.

أنا أقول - بارك الله فيك – فقط أنت تحتاجين إلى بعض التغيير الداخلي في داخل نفسك حتى تستطيعي أن تخرجي من هذا المنعطف. وهذا التغير كما ذكرت – ومعذرة في التكرار – ليس مستحيلا، وإنما هو ممكن؛ لأن الله تبارك وتعالى ما بين لنا حقيقة التغيير إلا لأنه يعلم أن لدينا قدرة على ذلك، ولذلك قال: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11]، وقال: (( فاتقوا الله ما استطعتم ))[التغابن:16]، وقال: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ))[البقرة:286]، وقال: (( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ))[الطلاق:7].

ستظل هذه الحالة على ما هي عليه ما لم تبدأ أمل في إنقاذ نفسها، فأمل هي الوحيدة القادرة على إنقاذ نفسها من هذا المنعطف وإخراجها من هذا الواقع المظلم، وأنا سوف أذكر لك عدة أشياء - بإذن الله تعالى – سوف تساعدك ولعل الله تعالى أن يجعل فيها علاجا لهذه الحالة:

أولا: أتمنى أن تقرئي كتابا بعنوان (تعلم التفاؤل)، وهو كتاب مترجم يباع في مكتبة جرير عندكم بالمملكة، لمؤلفه الدكتور (ماركن سرجمن)، هذا كتاب رائع في تعلم التفاؤل. وكتاب آخر أيضا لمؤلف اسمه منعم الزياتي، بعنوان (أين السعادة). وهناك كتاب ثالث أيضا بعنوان (اعتني بحياتك)، وهذا أيضا كتاب مترجم.

هذه الكتب - إن شاء الله تعالى – لو أن الله تعالى من عليك بقراءتها وفهمها سوف تتغيرين بنسبة كبيرة - بإذن الله تعالى - . أضيف إليها كتابا أيضا بعنوان (من يشد خيوطك)، وهذا أيضا إصدار مكتبة جرير، فتستطيعين بهذه الكتب أن تعيدي الثقة إلى نفسك - بإذن الله تعالى – وأن تخرجي من هذه الأشياء الصعبة التي تعانين منها الآن.

فوق ذلك - أختي الكريمة الفاضلة – أين أنت من الدعاء؟ الدعاء سره عجيب وأمره غريب، وهو أعظم مما تصورين في تغيير الواقع، بل لعله من أقوى الوسائل التي تغير الواقع، وليس واقعك أنت فقط، وإنما واقع العالم كله، أين أنت من دعوة نوح عليه السلام عندما قال الله - تبارك وتعالى - عنه: (( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ))[القمر:10-12]، وأيضا دعاؤه على قومه وعلى الكفار بقوله: (( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ))[نوح:26-27].

دعا نوح عليه السلام على كل الكفار في عصره فدمرهم الله ولم يبق منهم أحد حتى الجنين في رحم أمه، وأين أنت من دعوة موسى عليه السلام عندما دعا على فرعون وقومه: (( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ))[يونس:88]، فقال الله تعالى: (( قال قد أجيبت دعوتكما ))[يونس:89].

إذن دعوة واحدة غيرت وجه التاريخ، دعوة نوح عليه السلام محى الله بها الكفر كله، ودعوة موسى عليه السلام دمر الله بها أعظم طاغية في العالم، ومعه أكثر من نصف مليون عسكري من جنوده.

فإذن هذا الدعاء يغير الواقع، وكثير وكثير من الدعوات، ولكني أذكر لك فقط على سبيل المثال.. فإذن أتمنى أن تكثري من الدعاء والإلحاح على الله أن يغير الله واقعك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء، فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد)، وقال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، فالدعاء يغير الواقع أختي أمل، فعليك بالدعاء بارك الله فيك.

ثانيا: - جزاك الله خيرا – أين أنت من أذكار الصباح والمساء؟ أذكار الصباح تعطيك شحنة إيمانية عالية جدا وطاقة قوية جدا تجعلك في قمة النشاط والحيوية، خاصة (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحا، وثلاث مرات مساء. وكذلك بقية الأذكار التي تعلمينها من سنة النبي - عليه الصلاة والسلام -.

ثالثا: أين نشاطك الدعوي؟ فأنت الآن - بارك الله فيك – خريجة كلية آداب قسم لغة إنجليزية، لماذا لا توظفين هذه اللغة الآن في خدمة الإسلام وفي دعوة غير المسلمين، خاصة وأن عندكم مراكز للجاليات أحوج ما تكون إلى داعيات يتكلمن اللغة الإنجليزية؟ أين أنت من نشاط المحاضرات والندوات التي تعقد في أرجاء المملكة؟

أتمنى أن تخرجي من الوضع الذي أنت فيه للمشاركة في هذه الأشياء، على الأقل مجرد حضور، عندما تخرجين إلى المساجد تسمعين المحاضرات وتجالسين الأخوات المسلمات الملتزمات وسوف تتعرفين على أخوات صالحات وعلى أمهات فاضلات يعوضنك خيرا، وتخرجين من هذه العزلة الكئيبة التي أنت فيها.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يعافيك، وأن يصرف عنك كل سوء، وأنا أقول: إن التغيير في يدك أولا وآخرا قبل كل أحد، فإذا لم تكن أمل قادرة على أن تغير نفسها فلن يستطيع أي طبيب مهما كانت مهاراته أن يغير نفسها.

أخيرا سوف أحيل استشاراتك على أخي محمد عبد العليم الدكتور والأخصائي النفساني ليصف ويشرح لك بعض المهارات السلوكية والدوائية لعل الله تبارك وتعالى أن يعافيك من ذلك.

أسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، وأسأله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يعينك الله تعالى على أن تتخطي تلك المحن وأن تخرجي من هذه العزلة وأن تكوني في أحسن حال.

هذا وبالله التوفيق.
++++++++
انتهت إجابة الشيخ / موافي عزب. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
++++++++

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب، وكما أفادك الشيخ موافي عزب – جزاه الله خيرا – عن حالتك، وأنها واضحة ومفهومة، وأود أن أضيف إلى ما ذكره الشيخ وهو: أن مرحلة الطفولة كان سابقا لا يعرف عنها الإصابة بالاكتئاب النفسي، كان هذا هو المفهوم والمنظور الساري حتى قبل عشرين عاما، ولكن الدراسات أثبتت بعد ذلك أن الطفل يمكن أن يصاب بالاكتئاب بكل مكوناته وكل مخرجاته، والذي لاحظته في رسالتك أنه من الواضح كان لديك اكتئابا في مرحلة الطفولة، وبعد ذلك تطور الأمر إلى مخاوف، والمخاوف التي تنتابك هي المخاوف الاجتماعية وكذلك ما يعرف بمخاوف الساحة أو الساح، وهي أنك لا تشعرين بالأمان مطلقا حين تخرجين من البيت أو دون رفقة.

هذا هو التكوين النفسي لتشخيص حالتك، والدراسات تشير أن المخاوف التي تبدأ في مرحلة الطفولة قد تستمر إلى ما بعد مرحلة اليفاعة أو حتى في مرحلة الشباب، وبعد ذلك يمكن أن تختفي تماما بعد أن يكتمل البناء النفسي وتتطور المهارات الاجتماعية لدى الإنسان.

أيتها الفاضلة الكريمة: ملاحظ تماما أنك قد ركزت على السلبيات الموجودة في حياتك، وهذا أمر منطقي، فالإنسان حين يصاب بشيء من الكدر والكآبة وعسر المزاج يركز على سلبياته وينسى إيجابياته تماما، والذي أنا أريد أن أركز عليه هنا هو أنك لديك الكثير من الإيجابيات وأولها أنك قد أكملت دراستك الجامعية في تخصص ليس بالسهل، وهذا يدل أنه بالرغم من المعاناة التي كنت تعانينها إلا أن الدافعية لديك كانت قوية وفاعلة وهذا هو الذي جعلك تنجزين ـ الحمد لله ـ هذا الإنجاز الطيب.

الشيء الآخر: أنا أريد أن أؤكد لك أن المخاوف والاكتئاب والكدر النفسي يجعل الإنسان متشائما، ويكون لديه إحساس بالمبالغة في مشاعره، هذا ضروري جدا أن تستوعبيه، خاصة أنك ذكرت أنك تتلعثمين في الكلام أمام الآخرين وتصابين بالارتباك وترتعش أطرافك وهكذا، لا شك أنني على قناعة أن شيئا من ذلك يحدث لك، ولكنه ليس بنفس البشاعة والتصور الذي تتصورينه، التفكير السلبي هو الذي جعلك تجسمين وتضخمين هذه المشاعر.

أنا أقول لك أن الأمل كبير جدا في أن تخرجي من هذه الحالة، وذلك بأن تنتهجي نمط التفكير الإيجابي. أنت الآن مطالبة بأن تكوني محايدة ومتجردة حيال الحكم على نفسك.

أريدك أن تمسكي ورقة وقلما واكتبي هذه السلبيات التي أوردتها في الرسالة، ولكني أريدك أيضا بنفس الصدق والتجرد والأمانة والحيادية أن تكتبي ما هو إيجابي في حياتك حتى ولو كان بسيطا، وأنا أؤكد لك أنك حين توازنين ما بين ما هو سلبي وإيجابي سوف تجدين أن الإيجابيات أكثر.

قد تختلفين معي في هذا، ولكني أؤكد لك إذا كان هنالك تواصل مباشر بيني وبينك أو أتيت لي في العيادة – على سبيل المثال – كنت سوف أصل لهذه الخلاصة وسوف تقتنعين بها، ولكن أعلم تماما أنك إن -شاء الله- إذا قمت لوحدك بهذا التقييم المسئول – ونحن نسميه التقييم المسئول بمعنى أن يكون قوامه الصدق والأمانة وألا تظلمي ذاتك وألا تحقريها وأن تعطيها حقها الحقيقي- إذا قمت به سوف تصلين لهذه الخلاصة التي ذكرتها لك.

بعد ذلك اسعي لتطوير الإيجابيات، أنا أريد أن أصل لخلاصة أنني أريد منك أن تقيمي ذاتك التقييم الصحيح المنصف، وبعد ذلك تفهمي ذاتك، وبعد ذلك تسعي لتطوير ذاتك.. هذه هي الأسس والأطر الثلاثة التي تؤدي إلى التفكير الإيجابي، ومن ثم إن شاء الله الخروج من الحالة التي أنت بها.

أنا أؤكد لك أن حالتك ليست من أسوأ الحالات، طرق العلاج كثيرة ومتوفرة، وأهمها التغيير من داخل الذات، وبالنسبة للماضي أنا لا أريد منك أبدا أن تنظري إليه بسلبية وسوداوية، فالماضي ما هو إلا عبارة عن تجارب، تجارب نستفيد منها، بعضها نضعه في عقلنا الباطني والعقل الباطني هو مستودع كبير يقبل كل شيء، يقبل الصالح والطالح الخير والشر، ولكننا نحاول دائما أن نتخير ما هو إيجابي من هذا المستنقع أو المخزن الكبير لأن ذلك يساعدنا حقيقة في تطوير أنفسنا.

إذن الماضي هو عبارة عن تجارب وليس فشلا، والتجارب يستفاد منها لبناء مستقبل ثابت وقوي وأن يعيش الإنسان على الأمل والرجاء وأن يعيش حاضره أيضا بقوة وواقعية وفعالية، وأنت إن شاء الله لك المقدرة على ذلك.

من الواضح أنك تحملين الكثير من المهارات الاجتماعية فأنت لست في حاجة لأي نوع من النصح في هذا السياق، ولكن أنصحك بأن تواجهي هذه المخاوف وأن تحقريها ولا تعطيها أي قيمة، فكري في خلق الله الذين يخرجون ويأتون ويضحكون، أنت لا تقلين عنهم في أي شيء أيتها الفاضلة الكريمة.

المبدأ السلوكي المهم لتعديل السلوك هو أن تعرضي نفسك لمصادر خوفك، وفي نفس الوقت تستجيبي استجابة إيجابية وليست استجابات سلبية.

بقي بعد ذلك أن أحمل لك بشرى كبيرة جدا وهي أن الأدوية النفسية الحديثة اتضح أنها فاعلة جدا في علاج مثل حالتك، وبفضل الله تعالى هذه الأدوية ليست إدمانية وليست تعودية وليس لها أي آثار جانبية مضرة، كما أن الطريقة التي تعمل بها هي طريقة علمية وواضحة جدا ومعروفة، وهي تعمل من خلال تنظيم وتحسين فعالية ما نسميه بالناقلات أو الموصلات العصبية، وهي مجموعة من المواد الكيميائية يعتقد أن اضطرابها في إفرازها يؤدي إلى المخاوف ويؤدي إلى الاكتئاب النفسي، ومن أهم المواد التي تم التركيز عليها هو الناقل العصبي الذي يعرف باسم (سيروتونين Serotonin).

توجد أربعة أو خمسة أدوية كلها فعالة، والدواء الذي أود أن أنصحك بتناوله هو العقار الذي تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ويعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine)، وهو متوفر ـ الحمد لله ـ في المملكة العربية السعودية، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة نصف حبة ليلا، يفضل أن تتناوليه بعد تناول الأكل، وبعد أسبوعين ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة، ثم بعد شهر ارفعي الجرعة إلى حبتين، وهذه هي الجرعة العلاجية المناسبة لحالتك.

يمكن أن تتناولي الجرعة كجرعة واحدة - حبتين (أربعين مليجرام) ليلا، أو يمكنك أن تتناولي حبة واحدة في الظهر وحبة واحدة ليلا، ولابد أن تستمري على هذه الجرعة يوميا لمدة ستة أشهر على الأقل لأن هذه أقل فترة علاجية ممكنة، والجرعة التي وصفناها لك ليست كبيرة أبدا، هي جرعة وسطية؛ لأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، ولكن بفضل الله تعالى أنت لست في حاجة لمثل هذه الجرعة.

بعد انقضاء فترة الستة أشهر على الجرعة العلاجية ابدئي بعد ذلك في الجرعة الوقائية ومرحلة سحب الدواء، خفضي الجرعة بمعدل نصف حبة كل ثلاثة أشهر، بمعنى أنه بعد انقضاء الستة أشهر خفضي الدواء إلى حبة ونصف في اليوم واستمري على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك خفضيها إلى حبة واحدة واستمري كذلك لمدة ثلاثة أشهر، ثم إلى نصف حبة واستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

إذن – إن شاء الله تعالى – باتباعك للإرشادات السابقة وتناولك للدواء مع الحرص على التواصل الاجتماعي وتطوير مهاراتك وإدارة وقتك بصورة ممتازة وممارسة أي نوع من الرياضة تناسب الفتاة المسلمة، وكذلك الانضمام لأي عمل خيري أو تطوعي كما ذكر لك الشيخ موافي – جزاه الله خيرا – ستخرجين من ذه الحالة، فهذه كلها آليات علاجية ممتازة جدا، فأرجو أن تكوني حريصة بأن تأخذي بكل هذه الرزمة العلاجية، وهي واحدة ويجب أن تؤخذ جميعها لأنها مكملة لبعضها البعض.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات