السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأنا طالب طب بشري (سنة ثالثة)، وهدفي هو أن أكون طبيبا ناجحا أدافع عن دين الله بعلمي، وأن أكون مؤلفا لكتب تثبت وجود الله بالدليل القاطع لمن ينكر ذلك وكل هذا سيكون بعد تخرجي إن شاء الله ونيلي لشهادة الدكتوراة التي تؤهلني لإصدار مثل هذه الكتب وتعطيها الصبغة العلمية.
السؤال هو: ما الذي يترتب فعله علي الآن لأحقق هذا الحلم في المستقبل؟ وما هي أصناف الكتب المرغوب الاطلاع عليه سواء في المجال الطبي أو الديني أو أي مجال يفيد في هذا الموضوع؟
وجزاكم الله عني وعن المسلمين كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فرحان سرور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - العلي الأعلى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يوفقك في دراستك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين، وأن يعينك على تحقيق تلك الأهداف الكبيرة الرائعة.
وبخصوص ما ورد برسالتك – ابني الكريم الفاضل – من أنك تدرس الطب البشري وقد أكرمك الله تعالى بوصولك إلى السنة الثالثة، وأن هدفك أن تكون طبيبا ناجحا تدافع عن دينك بعلمك وتؤلف مؤلفا يثبت وجود الله تعالى، إلى غير ذلك. ثم تقول: ما هو الذي يترتب عليك فعله الآن لتحقق هذا الحلم في المستقبل؟ وما هي أصناف الكتب المرغوبة للاطلاع عليها في هذا المجال سواء كان مجال الطب أو الدين؟
يقول الحق جل وعلا: ((ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه))[الأحزاب:4]، معنى ذلك أن الإنسان لابد أن يركز على شيء معين وأن يجعله هدفه الأكبر، ثم بعد ذلك ينطلق منه إلى غيره، وعندما تتشعب الأهداف وتكثر فإن قدرة الإنسان على إنجازها تكون ضعيفة أو متواضعة، ولذلك أتمنى الآن - بارك الله فيك – أن تركز في دراستك فقط، والذي يفيدك حقيقة في تحديد الكتب الأفضل أو المرغوب الاطلاع عليها إنما هم أساتذتك أهل الاختصاص، فأنت الآن تدرس الطب العام ولم تتخصص بعد.
ولذلك أنت لك أن تسأل المخلصين من أساتذتك عن الكتب التي تقوي مادتك العلمية في السنة التي أنت فيها حاليا، وتركز على مواد الدراسة غاية التركيز، وتنتبه إلى شرح الدكاترة غاية الانتباه، وتحرص على المراجعة بانتظام، وإن استطعت أن تحضر دروسك قبل أن تذهب إلى الكلية لكان ذلك خيرا، وبعد عودتك من اليوم الدراسي فأيضا أتمنى أن تراجع ما أخذته في نفس اليوم، وأن تكتب مختصرات خاصة بك أنت حتى تستطيع أن تراجعها في ليلة الامتحان - بإذن الله تعالى – وتحرص على أن تراجع آخر الأسبوع ما درسته طيلة الأسبوع من مواد، وتجتهد غاية الاجتهاد في أن تسأل عن كل ما أشكل عليك، وأن تكون متفاعلا محاورا مناقشا بأدب ورفق واحترام مع مدرسيك في داخل قاعات الدراسة، وأن تدع الله تعالى أن يجعلك من الفائزين المتميزين، وأن تجعل لك هدفا كبيرا، وأتمنى أن تكتبه أمامك ولو على لوحة صغيرة على مكتبك وفي غرفتك (أتمنى أن أكون أستإذن كبيرا في الطب)، فقط اكتب هذه العبارة - بارك الله فيك – لأن تحديد الهدف يسهل الوصول إليه، وركز الآن – كما ذكرت – على دراستك فقط، ولا تلتفت لشيء آخر الآن، ركز على أن تكون متميزا وأن تكون الأول على دفعتك والمتميز بين زملائك، لأنك إذا كنت بهذا المستوى سوف تعان - بإذن الله تعالى – على أن تحقق ما تريد، فقد تكون - بإذن الله تعالى – في يوم من الأيام أستإذن في هذه الجامعة ودكتورا كبيرا، وعندما تتكلم سيسمع الناس لك، وفي مثل هذه الأحوال بعد أن تنتهي من دراستك النظامية سيكون من السهل عليك أن تكتب في هذا المجال أو في غيره، وعندها سوف تتسع مداركك، وسوف تنمو معارفك، وسوف تتوافر لديك من المراجع والمؤلفات ما لا يتوفر إلى الآن، لأنك تعلم أنه في كل يوم تضخ المكتبات جديدا في عالم الثقافة والمعرفة، سواء أكان ذلك بأيدي كتاب مسلمين أو غيرهم، وبذلك أقول: لكل حادث حديث ولكل مقام مقال، فعليك أن تركز الآن على دراستك، واحرص على أن تكون الأول أو من الأوائل بين زملائك وعليهم، وإذا من الله عليك بذلك فأنت - بإذن الله تعالى – سوف تحقق الهدف الأول وهو أن تكون متميزا في مجالك الطبي، وأيضا تحقيق الهدف الثاني وهو أن تكون متميزا في المجال الديني وتحقق ما تصبو إليه من خدمة دينك - بإذن الله تعالى -.
ولتحقيق هذه الأهداف الكبيرة كما ذكرت لك لابد من المذاكرة والانتباه – كما أشرت سابقا –.
ثانيا: لابد من الدعاء والإلحاح على الله أن يوفقك الله لتحقيق هذه الأهداف.
ثالثا: عليك بالاستقامة على منهج الله تعالى، والاجتهاد في ترك المعاصي؛ لأن المعاصي ظلمة تبدد نور المعرفة، وكما قال الشافعي – عليه رحمة الله ورضوانه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلــــــم نـــــور *** ونــور الله لا يهـــدى لعاصي
ووكيع هذا هو شيخ الشافعي، فإذن أقول لك - بارك الله فيك – اجتهد في الحرص على الطاعة والابتعاد عن المعاصي، واجتهد في اجتناب المعاصي حتى وإن كانت من باب الصغائر؛ لأن المعصية كما ذكرت لك عبارة عن طبقة تصيب القلب فتحرم الإنسان من نور الرب جل جلاله، وتحرمه التوفيق وتحرمه التميز، فاحرص على أن تكون مطيعا لله بتنفيذ أوامره وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم مجتهدا في ترك المحرمات التي حرمها الله تبارك وتعالى عليك أو حرمها النبي عليه صلوات ربي وسلامه، وأنا واثق أنك إن سرت بهذه الطريقة فسوف تكون - بإذن الله تعالى – علما من أعلام الطب، وفي نفس الوقت أيضا ستكون متميزا في خدمتك لدينك.
كما لا يفوتنا أن نذكرك باستحضار نية دراستك لتؤجر على كل تعب قد يصيبك فيها، ونعني بذلك نية تسخير علم الطب الذي تدرسه في خدمة دين الله، وهذه النية هي حاصلة معك بفضل الله، وإنما تحتاج إلى تعاهدها.
أيضا ينبغي أن تفهم أن ما تقوم به هو نوع من الفروض الكفائية لخدمة المسلمين، فأنت مأجور على ذلك أيضا.
الخلاصة هي أنه ينبغي أن تسير في خطين متوازيين، خط الدراسة العلمية، وخط الثقافة الشرعية، لكن خط الثقافة الشرعية يمر بمرحلتين:
ثقافة إجمالية يمكنك تحصيلها أثناء دراستك للطب البشري، بشرط ألا تؤثر على مستواك الدراسي.
ثم ثقافة تفصيلية، وهذه يأتي دورها بعد تخرجك إن شاء الله، بحيث تضع لها منهجا علميا للتحصيل، يمكن أن تستعين بأحد العلماء عندكم ليساعدك على وضع هذا البرنامج، أما سؤالك عن الكتب فهذه ستكون ضمن البرنامج التفصيلي بعد التخرج، فنرجئ الحديث عنها إلى ذلك الوقت بمشيئة الله تعالى.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأسأله تعالى أن يوفقك لما تصبو إليه، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.