السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني منذ عامين من هواجس نفسية فظيعة، وحالة اكتئاب شديدة، والأدهى من ذلك هي حالة الذعر التي تتملكني في المواقف العامة واتخاذ القرارات، أو الذهاب إلى الرؤساء في العمل، أو التعامل مع الزملاء؛ التي لا أستطيع أن أقول أنها خجل أو توتر لا أقدر على تسميتها بشكل دقيق؛ مما أثر علي في الدراسة فوق الجامعية والخوف الشديد من مقابلة من هم أرفع مني درجة علمية، وصرت أخاف من أن أدرس أو أتكلم في مجمع من الناس لأنهم قد لا يسمعونني، فأرجو أن تساعدوني وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Muhamed s.h حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الحالة التي تعاني منها هي حالة مخاوف، وذلك من الناحية التشخيصية، وفي جلها هي نوع من القلق النفسي الشديد ظهر في شكل ما نسميه بالمخاوف الاجتماعية، ومخاوف الساحة - أو الساح – حيث تجد صعوبة في المواقف العامة، والحالة أدت إلى اكتئاب ثانوي، فما وصفته إذن من اكتئاب شديد هو ليس أصلا في الأمر، إنما قلق المخاوف هو الذي أثر على أدائك، وهذا التأثير على الأداء خاصة في نطاق المهني والاجتماعي أدت بلا شك إلى الشعور بشيء من الكدر وعسر المزاج.
والحالة بسيطة بالرغم مما تسببه لك من انزعاج وآلام نفسية، حين أقول لك بسيطة أعني أن علاجها ليس بالصعب، وأول ما نبدأ به هو أن ندعوك لأن تصحح مفاهيمك عن هذه الحالة، فهي مجرد قلق نفسي، كما ذكرت لك يسمى بالرهاب الاجتماعي، وهو ليس دليلا على ضعف شخصيتك أو قلة إيمانك أو نقص كفاءتك، هو حالة مكتسبة ربما تكون نشأت من خبرات سلبية معينة في مرحلة الطفولة أو اليفاعة ولم تلاحظها في وقتها، بمعنى قد تكون تعرضت لموقف كان فيه شيء من الخوف، وظل هذا عالقا على مستوى عقلك الباطني، ومن ثم بدأ يظهر منذ عامين، وقد تكون هنالك مسببات جعلته يظهر على السطح، هذه المسببات أيضا ربما تكون بسيطة للدرجة التي لم تعرها اهتمامك ولم تلفت نظرك.
الأسباب في مثل هذه الحالات غير معروفة بالدقة، ولكن الكثير من العلماء يقول أنها ناتجة من استعداد نفسي، وهذا الاستعداد يعتمد على التكوين الشخصي والتكوين العاطفي والتكوين الغريزي، وبعد ذلك يأتي تأثير البيئة والمحيط، والتفاعلات التي تحدث بين المكونات الشخصية والبيئة هي التي تؤدي في أغلب الظن إلى هذا النوع من القلق، والذي أود أن أؤكده لك أن الآخرين لا يقومون بمراقبتك، وأؤكد لك أن أداءك أفضل مما تتصور، وذلك حسب الدراسات والبحوث، وأؤكد لك أيضا أن أعراض الخوف وخاصة الأعراض الجسدية كالرعشة والتعرق وتسارع ضربات القلب هي أعراض فسيولوجية ناتجة من الخوف، وغالبا هذه الأعراض تتضخم وتتجسد لدرجة مبالغ فيها أيضا، والذي أود أن أصل إليه أن أداءك الاجتماعي والمهني أفضل مما تتصور.
ثالثا: عليك بتطبيقات علاجية سلوكية، من أهمها أن تركز على المهارات البسيطة مثل التحدث إلى الناس مباشرة والنظر إليهم في وجوههم وعدم تجنب هذا؛ لأن هذا من المهارات الاجتماعية المهمة، ولا تكثر من استعمال اللغة الجسدية كلغة اليدين، إنما اعتمد أكثر على اللغة التخاطبية، وتذكر دائما أن الآخرين ليسوا بأفضل أو أمهر منك، فأنت الحمد لله لك إيجابيات كثيرة، فقد أكملت تعليمك الجامعي وتبحث الآن في الدراسات العليا، وهذا لا شك أنه دليل على مقدراتك.
أنصحك أن تعرض نفسك لكل مواقف الخوف؛ لأن هذا هو المبدأ السلوكي المعروف، وهو أن تعرض نفسك لمصادر خوفك مع تجنب الاستجابة السلبية، أي الهروب من الموقف، وأنت تعيش في السودان، والمجتمع هناك مجتمع اجتماعي ولله الحمد، شارك الناس في مناسباتهم وفي أفراحهم وأتراحهم، وكن حريصا أن تؤدي صلواتك الخمس في المسجد وكن في الصف الأول، وبعد انتهائك من الصلاة سلم على إخوانك من المصلين وحاورهم وتجاذب أطراف الحديث معهم، هذه كلها مهارات اجتماعية مهمة.
يوجد علاج نفسي نسميه العلاج في الخيال، والعلاج السلوكي في الخيال يتطلب منك أن تجلس في مكان هادئ وتتأمل أنك تقوم بعرض محاضرة، أو مادة ما أمام مجموعة كبيرة من الناس فيهم الأساتذة والخبراء، عش هذا الخيال لمدة لا تقل عن ربع ساعة يوميا، ويفضل إذا انتقلت بخيالك بعض التطبيقات كأن تقوم بتسجيل ما سوف تلقيه في هذا العرض، قم بتسجيله، وتخيل المشهد بأن الحضور أمامك كما ذكرت لك من الأساتذة والمختصين، وبعد ذلك استمع لما قمت بتسجيله، هنا تكون قد لعبت دورا إيجابيا، ولعب الدور أو تمثيل الأدوار هو جزء مما نسميه باسم (السيكودراما Psychodrama) أو (الدراما النفسية) أو (تمثيل الأدوار)، وهي طريقة علاجية نفسية معروفة، تساعد في تقليل مثل هذا النوع من المخاوف.
أريد أن أصف لك أدوية وأبشرك أنه توجد أدوية فعالة لعلاج هذا النوع من القلق والمخاوف، وهو مزيل أيضا للاكتئاب ومحسن للمزاج، وهو غير إدماني وغير تعودي ومتوفر في السودان إن شاء الله، وسوف أعطيك الاسم العلمي لهذا الدواء، يسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، وهو يوجد تحت مسميات تجارية كثيرة في السودان.
أرجو أن تتناوله بجرعة حبة واحدة (خمسين مليجراما) ليلا، ويفضل تناوله بعد الأكل، استمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك قم برفع الجرعة إلى حبتين (مائة مليجرام) وتناولها ليلا، وهذه الجرعة جرعة علاجية كافية بالنسبة لحالتك، علما بأن الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، ولكنك لست بحاجة لمثل هذه الجرعة.
استمر على الحبتين لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى حبة واحدة لمدة ستة أشهر أخرى، ويمكنك بعد ذلك أن تتوقف عن تناول الدواء، ويجب أن يكون هناك التزام قاطع بتناول العلاج؛ لأن هذا هو العامل الرئيسي للاستفادة من هذا الدواء.
أنا على ثقة تامة أنه بتطبيقك للإرشادات السابقة والذي يقوم على تفهمك لحالتك وطبيعتها وأن تقوم بالمواجهة الخيالية والمواجهة في الحقيقة وأن تتناول الدواء الذي ذكرته لك سوف تجد نفسك أن حالتك قد تحسنت بصورة ملحوظة، وعليك أن تنظم وقتك أيضا وتستثمره بصورة فاعلة حتى تتحصل على الدرجة العلمية التي تصبو إليها، وختاما نشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.
وبالله التوفيق.