السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعمل مدرسا في المرحلة الثانوية للبنين، وتواجهني بعض الحالات، مثل أن يغيب طالب عن الصف مع وجوده في المدرسة مع طالب آخر شاذ بحيث يختفون عن الأنظار؛ فكيف يكون التعامل معه؟
وطالب كثير الحركة في الصف، ويقوم برمي الطلبة بما في يده، وقد حذرته عدة مرات وخصمت من درجاته ولكن دون فائدة.
وهناك عدد من الطلاب يحدثون الضوضاء أثناء الشرح، إما بالغناء أو بالأحاديث.
مع العلم بأن المدرسة التي أعمل فيها هي مدرسة صناعية تستقبل الضعاف من الطلبة في الناحية العلمية، فأرجو إرشادي إلى الأسلوب الأمثل في التعامل مع هذه الحالات.
مع جزيل الشكر والامتنان.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل / أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قد يكون هروب الطالب من المدرسة، أو كثرة الضوضاء أثناء شرح الأستاذ راجعة إما لأسباب نفسية أو أخلاقية، أو أسباب تتعلق بأسرة الطالب ومشكلاتها الاقتصادية، أو الأسباب تتعلق بالبيئة المحلية، كوجود دور لهو قريبة من المدرسة تجذب الطالب إليها، وهناك أيضا أسباب أخرى منها:
1- قسوة مدير المدرسة، أو قسوة المدرسين وسوء المعاملة للطلبة، ومصادرة حرياتهم.
2- تراخي الإدارة المدرسية، وعدم متابعتها لحالات الغياب الفردية.
3- المدرسة لا تشكل مكانا جذابا للطلبة.
4- إحساس الطالب بالفشل وتخلفه دراسيا.
5- نقص رقابة الأسرة على الطالب، وتركه يلهو كما يشاء.
6- عدم ارتباط المناهج بوجدان الطالب.
7- قيام بعض العصابات بإغراء الطلبة لاحتراف الرذيلة.
8- النقص في طموح الطالب نحو الاستمرار في التعليم.
9- إرهاق الطلبة بالواجبات المدرسية، وتكليفهم بأعباء لا قبل لهم بها.
ويحب أن نعرف -يا أخي أبا محمد- بأن المعلم ركن أساسي في التربية، فهو يقوم بمهمة الأنبياء في التوجيه والإصلاح.
ولقد حدد علماؤنا القدماء رحمهم الله تعالى صفات المعلم المسلم في التعامل مع طلابه، وذكروا أفضل الآداب، ولكن الوقت والمكان لا يتسع لسرد كل أقوال علمائنا في التربية، وأقتصر على قول ابن جماعة في مراعاة أحوال الطلاب وحسن تأديبهم فقال: " ينبغي أن يعتني العالم بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة والإحسان إليه، والصبر على جفائه، إذ ربما وقع منه نقص لا يكاد يخلو منه إنسان أو سوء أدب في بعض الأحيان، فيبسط عذره قدر الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف؛ قاصدا بذلك تربيته وتحسين خلقه وإصلاح شأنه".
وهنا أقدم بين يديك -أخي أبا محمد- نصائح وخطوات لعلها إن شاء الله تعالى تحقق أحسن النتائج في التعامل مع الطلبة:
1- الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: حاول أن تخاطب طلبتك على قدر عقولهم وإمكاناتهم بحكمة، بعيدا عن التجريح والتشهير، وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق، فتؤلف به القلوب النافرة والشاردة، وهي أحسن من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
2- التربية بالأحداث: بحيث تبرز العبرة للطالب ثم تعلق عليها من خلال الأحداث اليومية، وهنا يمكن للطالب أن يسمع لك ويصغي، وتحاول أن تربط قلبه بالله في كل حادثة وفي كل شعور.
3- استثارة ذهن الطالب بالسؤال: هذا الأسلوب يبين أهمية التأثير على الأفراد، والتجاوب مع حاجاتهم وطرائق تفكيرهم، وذلك بالسؤال والجواب، بحيث لا يمضي الجواب على سؤال الطالب إلا بحدود أو ضوابط.
4- تشجيع الموهوبين وذوي الكفاءات: وهنا يجب أن تعتني بالموهوبين وتحثهم على الإبداع في الوجوه النافعة من شعر وقصة أو رسم مباح، أو مهنة نافعة، وتعمل على الثناء على عملهم، وتقدم لهم الجوائز النافعة لهم.
5- حاول أن تعمل على تأخير العقوبة ما أمكن ذلك؛ حتى تعرف الدوافع الحقيقية التي أدت بالطالب إلى اقتراف ما من شأنه تعرضه للعقاب.
6- يجب أن يسأل كل مدرس نفسه عند وقوع أي مشكلة من الطالب ما وجه القصور؟ هل هو في المنهج، أم في طرق التدريس، أم في الأسلوب المتبع داخل الفصل؟
7- حاول أن تتجنب معاقبة الجماعة بأسرها لسوء سلوك فرد أو جماعة صغيرة منها.
8- واعلم يا أخي أن الطلاب إذا أحسوا أن الدروس التي يأخذونها عديمة الجدوى قليلة الفائدة، فإن الضبط والربط داخل الفصل يصبح شاقا عليك.
9- يجب أن يكون هنا توسط في أسلوب العقاب والتأديب، والابتعاد عن الشدة والقسوة، وهذا ما أقره علماؤنا القدامى رحمهم الله تعالى، وهذا ابن خلدون يعلمنا أسلوب التأديب والزجر، يقول : أن يزجر من تعدى في بحثه، أو ظهر منه لدد وسوء أدب، أو ترك الإنصاف بعد ظهور الحق، أو أكثر الصياح بغير فائدة، أو أساء أدبه على غيره من الحاضرين أو الغائبين، أو ترفع في المجلس على من هو أولى منه، أو نام، أو تحدث مع غيره ، أو ضحك أو استهزأ بأحد من الحاضرين، أو فعل ما يخل بالأدب في الحلقة، أي: بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة في الحلقة، هذا كله بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة تربو عليه.
وفي الأخير أرجو من الله تعالى أن توفق في هذا العمل، وبالله التوفيق.