نصائح لفتاة تشعر بعدم الرضا بما قسمه الله تعالى.

0 705

السؤال

السلام عليكم.

مشكلتي هي عدم الرضا بما قسمه الله، رغم أني أستغفر ربي كثيرا، ولكني كثيرا ما ينتابني هذا الشعور.

أفيدوني أثابكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يملأ قلبك بمحبة له ومحبة لنبيه ومحبة لدينه، وأن يرزقك الرضا بما قسمه لك وقدره من فضله العميم ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن يتولاك ويحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإن هذه المشكلة التي تعانين منها إنما هي نتيجة قلة العلم الشرعي لديك، ونتيجة قلة النظر في نعم الله التي منحك إياها وأكرمك بها، إذ إنك تحصرين النعم في شيء معين، وتنظرين لهذا الشيء فتجدينه موجودا عند غيرك بصورة أفضل وأكبر مما عندك، ونسيت أو تناسيت بقية النعم التي أنعم الله بها عليك.

فنجد أن بعض الناس يكون على قدر من الجمال وعلى قدر من الصحة وعلى قدر من المحبة وحسن الخلق، ولكنه قليل المال فيحتقر هذه النعم كلها بجوار قلة المال؛ لأنه ركز النعم كلها في المال، فبما أن ماله ليس كثيرا أو رزقه ليس موسعا. فإذن هو لم يعطه الله تبارك وتعالى شيئا، وهذا ما قاله الله تبارك وتعالى في صنف من أصناف الناس، فقال: (( وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ))[الفجر:16]، ونسي أن أقل نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليه لو أنفق ملء الأرض ذهبا لما استطاع أن يشتريها من أحد أو أن يستردها إذا أخذها الله تعالى.

فإذن: المشكلة تكمن في أنك ركزت النعم في شيء معين، وهذا الشيء لعل نصيبك فيه أقل من غيرك، فبدأت تشعرين بعدم الرضا عن الله، كأن تكونين مثلا قصيرة أو أن تكوني مثلا متوسطة الجمال، أو تكوني مثلا نحيفة نحافة زائدة، أو بدينة بدانة زائدة، فتشعري بأنك أقل من غيرك أو أحسن من غيرك، أو تكون عندك بعض الإعاقات مثلا فتشعرين بأن غير المعاقين أفضل منك، وبذلك تبتلين بهذه المشكلة وهي عدم الرضا بما قسم الله.

والعلاج أن تتركي النظرة الجزئية، وأن تنظري إلى واقعك نظرة كلية، والنبي عليه الصلاة والسلام وضع لنا هذه القاعدة، الإنسان لا ينظر أبدا النظرة الجزئية، يعني: لا تركزي النعم في نعمة واحدة؛ لأن الله قال: (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ))[إبراهيم:34]، وإذا كان الله تبارك وتعالى قد حرمك من نعمة فلماذا لم تفكري في آلاف النعم التي تستمتعين بها؟! يعني: إذا كانت هناك نعمة واحدة فقدتها أدت بك إلى عدم الرضا عن الله، فبالله عليك: أهذا عدل وإنصاف؟! لماذا لم تفكري في بقية النعم الأخرى العظيمة والجليلة والرائعة؟!

أخت مثلا قد تكون قصيرة، وتشعر كذلك بعدم الرضا لأنها قصيرة وغير مستريحة، فلماذا لم تنظر إلى أن لها عينين تبصر بهما وهناك من هي عمياء أو عوراء وتعيش مثلا حياة كئيبة، لماذا لم تفكر في أخت فقدت سمعها فهي لا تسمع أي كلمة، وهي أيضا في نفس الوقت تسمع كل شيء؟! لماذا لم تفكر في هذه الأخت المشلولة المقعدة التي لا تتحرك ولا تستطيع أن تقضي حاجتها؟! لماذا لم تفكر في نعمة اليد وأن الله أعطاها يدين تستطيع بهما أن تغسل نفسها وأن تطهر نفسها من الأنجاس وأن تأكل بيدها وأن تسلم على الناس؟! تصوري الآن لو أنه ليس لك، فبالله عليك هل هناك نعمة تساوي هذه النعمة؟ عندما لا تستطيعين مصافحة أحد، بعض الناس الذين أصيبوا الشلل أو بقطع أيديهم تجدينه جالسا كما لو كان جذع شجرة، لا يستطيع أن يرفع لقمة إلى فمه، ولا يستطيع أن يلبس ثوبه، ولا يستطيع أن يستحم، ولا يستطيع أن يقضي حاجته لأنه يحتاج في دورة المياه إلى من يرفع له ملابسه ليقضي حاجته، وإذا قضى حاجته لا يستطيع أن يغسل عورته، أبالله عليك: أليست كل هذه نعما ابنتي الكريمة؟! لماذا تحصرين نعم الله في نعمة واحدة، لماذا تنكرين فضل الله عليك بهذا القدر العظيم.

ولذلك العلاج كلما جاءتك هذه الأفكار الشيطانية، أن تنظري حولك وقولي: (إذا كنت قد فقدت نعمة فإن هناك ملايين النعم، يا رب لك الحمد على هذه النعم)، فورا أول ما تأتيك الفكرة ارفعي يدك وانظري إليها وقولي: (أهذه نعمة قليلة؟!)، امشي على قدميك وانظري إليهما، وقولي: (أهذه نعمة قليلة؟!) انظري بعينيك في المرآة وقولي: (أنعمة البصر قليلة، أنعمة السمع قليلة؟ لماذا أنا أنظر دائما إلى نقطة الضعف ولا أنظر إلى الفضل الواسع والعطاء العميم من الله تبارك وتعالى جل وعلا؟!)، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام علمنا هديا لابد لنا أن نلتزمه إذا أردنا أن نخرج من هذه المشكلة، أولا قال: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، فالرضا بما قسم الله يجعلك أغنى الناس وأسعد الناس، وقال: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم)، يعني: دائما انظري إلى من هو أقل منك في المال وفي الجمال وفي الصحة وفي العقل وفي الجسد وفي المنزلة وفي الأسرة وفي العائلة وفي غير ذلك.

دائما إذا وجدت في نفسك مسألة عدم الرضا فانظري إلى الأقل، اخرجي وامشي في الطريق ومري على أصحاب الإعاقات، اذهبي إلى مستشفى العجزة، اذهبي إلى غرف العناية المركزة، اذهبي إلى مدارس المعاقين، وانظري بنفسك لتري أنك على قدر عظيم من فضل الله تعالى، فتنكسر عندك هذه الحالة التي أنت لا تريدينها.

أنت لا تحبين الشعور ألا وهو عدم الرضا، ولكنه يغلب عليك -كما ذكرت- نتيجة أنك تنظرين فقط إلى نقطة الضعف ولا تنظرين إلى بقية النقاط الإيجابية الرائعة، فأنت عندما تزورين المستشفى وترين المرضى وهم لا يستطيعون أن يتحركوا في فرشهم وترين أصحاب الإعاقات الطويلة قطعا ستشعرين بفضل الله تعالى عليك، فاجعلي لك زيارة ولو كل شهر مرة لهذه الأماكن، أو مري مثلا في بعض الطرقات لتري أصحاب الإعاقات، ولو سألتهم وقلت لهم: (كيف حالكم؟) لقالوا من أعماق قلوبهم: (الحمد لله نحن بخير، نحن أفضل من غيرنا بكثير).

وعليك بالدعاء أن يصرف الله تبارك وتعالى عنك هذا الشعور السلبي، وعليك بزيارة هذه الأماكن التي ذكرتها لك، وعليك بالنظر دائما إلى من هو أقل منك وإلى من هو دونك، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وعليك دائما بعدم النظر إلى السلبيات وترك الإيجابيات العظيمة التي أكرمك الله بها، وإنما كلما جاءك هذا الشعور السلبي فانظري إلى يدك وانظري إلى عينك وانظري إلى شعرك وانظري إلى قدمك وقولي: (هذه نعم عظيمة كيف لا أحمد الله تبارك وتعالى عليها وغيري محروم من ذلك كله؟!)، نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يمن عليك بالرضا بما قسم لك، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات