السؤال
أفهم من حولي وأعجز في مواقف صعبة عن فهم نفسي، ومعظم من حولي يفهمني خطأ حتى أسرتي، بالرغم من أني طيبة وصافية النوايا، أحب الجميع، خجولة، وأحيانا قيادية، متواضعة، مطلعة، أخاف الله.
تنتابني حالات يأس من نفسي، من نظرة الآخرين لي!
ما توجيهكم لي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في استشارات موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يأخذ بناصيتك إلى الحق، وأن يضع لك القبول في قلوب الخلق، وأن يرزقك القدرة على التواصل مع كل من تتعاملين معه، وأن يجعلك متميزة دائما أبدا، وأن يذهب عنك الوساوس وكيد شياطين الإنس والجن، وأن يوفقك للدعوة إليه على بصيرة في مجتمعك ومن حولك.
وفيما يتعلق برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- من أنك تفهمين من حولك إلا أنك تعجزين في مواقف صعبة عن فهم نفسك، ومعظم من حولك يفهمك خطأ حتى أسرتك، بالرغم من تلك الصفات الطيبة التي تتمتعين بها، تنتابك حالات من اليأس من نفسك ومن نظرة الآخرين لك، فتسألين عن التوجيه المناسب.
أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: إن رضا الناس غاية لا تدرك، وإن الإنسان منا يتأثر قطعا ولابد ببيئته التي نشأ فيها، كما يتأثر بصداقاته وعلاقاته خاصة في مراحل حياته الأولى، كذلك أيضا يتأثر بقراءاته واطلاعاته التي هي الزاد الذي يتزود به عقل الإنسان، والذي يحوله مع الزمن إلى واقع وأنماط سلوك.
وأنا لا أدري حقيقة هل كانت ظروفك في بداية الحياة في الأسرة صعبة أم أنها كانت طبيعية؛ لأنه كأن هناك أصابع اتهام تخرج من أثناء هذا الكلام تشير إلى طفولتك، حيث إنك رغم أنك قيادية وأنك متواضعة وأنك مطلعة وأنك تخافين الله وأنك طيبة وصافية النوايا وتحبين الجميع وأنك تتمتعين بقدر من الحياء الطيب، إلا أنك كما ذكرت تنتابك حالات من اليأس من نفسك ومن نظرة الآخرين لك، رغم أن هذه كلها الأصل فيها أنها عوامل نجاح، إذن معنى ذلك أن عملية التواصل الاجتماعي بينك وبين المجتمع ليست سليمة مائة بالمائة، وإنما ينتابها بعض الخلل أو بعض الشعور بعدم التوفيق، وهذا كما ذكرت إنما هو أثر من آثار التربية الأولى التي لعلك تعرضت لها في مراحل حياتك الأسرية الأولى، ولذلك أقول:
إن هذه النفس التي تتحدثين عنها تحتاج إلى مساعدة من نوع خاص، هذه المساعدة تكون عن طريق بعض الأخوة المتخصصين في تنمية الذات وفي إدارة الذات وفي تنمية الموارد البشرية، وكذلك أيضا في العلاج النفسي، أخصائي نفساني متميز تحتاجين إلى أن تجلسي بين يديه، قطعا لا يلزم أن يكون رجلا، وإنما قد تكون امرأة على قدر من المهارة حتى تقوم معك بتحليل حياتك كلها واستعمال طريقة ما يعرف بالعلاج بخط الزمن، لنرجع معا إلى الوراء إلى مرحلة الطفولة ولنبحث عن هذه الأسباب التي تؤدي إلى اليأس والتي تجعلك لا تفهمين نفسك في بعض المواقف الصعبة.
لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن هذه الصفات التي تتمتعين بها الأصل أنها كلها عوامل نجاح، والأصل أنها تؤدي إلى نوع من التواصل الرائع، ورغم ذلك كما تقولين بعض الناس يفهمونك خطأ حتى أقرب الناس إليك، إذن قطعا لابد أن هناك تصرفات غير طبيعية، ملفتة للنظر قد تصدر منك رغم إرادتك أو دون شعور منك مما يترتب عليه انزعاج من حولك من هذه التصرفات، وبالتالي يتسبب ذلك في حالة اليأس التي تنتابك نتيجة شعورك بعدم الرضا من قبل الآخرين عن تصرفاتك.
ومن هنا أقول: أنت تحتاجين فعلا إلى أخصائي نفساني، تحاولين أن تفتحي معه صفحة حياتك بالكامل، من أولها إلى آخرها، لأني كما ذكرت أكاد أشك في مرحلة الطفولة أنه قد حدث هناك نوع من الاعتداء على مكوناته النفسية، مما ترتب عليه هذا الاضطراب الذي يجعلك تشعرين بحالات اليأس والذي يجعلك لا تفهمين نفسك في بعض المواقف.
وحتى يتيسر لك الذهاب إلى أخصائي نفساني فإني أنصح بالآتي:
(1) قراءة كتاب (كيف تفهم نفسك وتفهم الناس.. وسائل مجربة للنجاح في الحياة) هذا الكتاب مؤلفه (هنري كلاي) الذي قام على ترجمته رجل يسمى (أسعد فريد)، وهو يباع في مكتبة جرير، فتستطيعين الحصول عليه، وهو كتاب رائع يعطيك قدرا من المهارات الطيبة التي تجعلك تفهمين نفسك وتفهمين الآخرين معك.
قراءة كتاب للمؤلفة (عابدة المؤيد العظم) بعنوان (كيف نتقبل الناس ونتجنب إيذاءهم)، وهذا أيضا كتاب رائع يباع في مكتبة جرير، وهو كتاب طيب..
هذان الكتابان يساعدانك إلى حد كبير على توفير تربة صالحة لتغيير أنماط السلوك أو فهم الدوافع التي تدفع الناس إلى هذه التصرفات أو الحكم عليك بأنك مخطئة أو أنك غير موفقة، أو استغراب تصرفاتك.
(2) هناك فوق ذلك كله الدعاء، فأنا أرى أن سلاح الدعاء لعلك لم تحسني استغلاله بالقدر الكافي، فأنت تعلمين أن الدعاء كما ورد في القرآن والسنة من أعظم عوامل التغيير، يغير البيئة ويغير المجتمعات، بل إنه قد يغير الإنسانية كلها، كما حدث في دعوة نوح عليه السلام عندما قال: (( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ))[نوح:26]، فأهلك الله أهل الكفر كلهم بدعوة، وأيضا كما حدث في قصة موسى وهارون، عندما قال موسى عليه السلام داعيا على فرعون وقومه: (( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ))[يونس:88]، فأغرق الله فرعون وقومه. وكذلك أيضا عندما دعا إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام: (( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ))[البقرة:129] فكان نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أنا دعوة أبي إبراهيم)، فالدعاء قطعا له أثر غير عادي، ولكن مع الأسف نحن لا نحسن استغلاله .. فأنا أتمنى أن تكثري من الدعاء مع البكاء والتضرع خاصة في أوقات الإجابة التي هي أكثر قبولا أو سماعا، الأوقات المختارة التي حث عليها النبي عليه الصلاة والسلام، الدعاء لنفسك بالتوفيق، والدعاء أن يفتح الله لك الحدود والسداد وقلوب العباد، والدعاء أن يوفقك الله تعالى للتواصل الاجتماعي مع الناس بصورة أفضل، والدعاء أن يرزقك الله تبارك وتعالى الرضا عن نفسك والرضا عن معطياتك ومقدراتك التي أكرمك الله بها.
(3) أوصيك بالإكثار من الاستغفار.
(4) أوصيك أيضا بالإكثار من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بشر من أكثر الصلاة عليه بقوله: (إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
وأتمنى ألا تتوقفي عن التواصل مع المجتمع، ولكن حاولي إذا وجدت نوعا من الانزعاج من الطرف الآخر أن تطلبي منه أن يوضح لك ما سبب هذا الانزعاج، هل كلامي هذا فيه شيء من الخطأ؟ هل كلامي فيه شيء من التجاوز؟ واطلبي منهم حقيقة رأيا صريحا صادقا مجردا تماما من المجاملة، حتى تعرفين نفسك، لاحتمال أن هناك أخطاء أنت لا تنتبهي لها، فإذن اسألي كل من ترين أن لديه نوعا من الانزعاج من كلامك أن يبين لك لماذا هو غير مرتاح لكلامك؟ ما هو السبب؟ وبذلك أعتقد لو عرفت هذه الأمور التي يشير إليها لكان من السهل أيضا التخلص منها، خاصة وأنك قيادية وأنك مطلعة وأنك رائدة، وأنك متميزة، وأنك إدارية كبيرة، وأعتقد أن مثلك -بإذن الله- مع هذه الصفات الرائعة التي تكلمت عنها يملك عوامل كبيرة من النجاح والقدرة على التواصل مع الجن ناهيك عن الإنس.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، أسأله أن يأخذ بناصيتك إلى الحق، وأسأله تعالى أن يضع لك المحبة بين عباده، وأن يرزقك القبول في الأرض، وأن يكرمك بمحبته ومحبة ملائكته وأهل السموات، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.