السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، أما بعد:
أولا: أشكركم على هذا الجهد المتواصل لهداية الضالين وإرشاد شباب الإسلام الحائرين، وبداية لي ملاحظة أن جميع الاستشارات والمشاكل المتعلقة بالشباب واحدة تقريبا، فأنا كلما دخلت لأرى استشارة شبابية أجدها شبيهة بسابقتها، وأجد نفسي عندي نفس المشكلة تقريبا، إذن فمشكلاتنا هي مشاكل جيل كامل لابد من تضافر كل الجهود لحلها (علماء, حكومات, خبراء....الخ).
استشارتي: أنا شاب عمري 24 عاما، كالعادة تخرجت من الجامعة وأنا أحب مجالي حبا شديدا (القانون) وكنت أتمنى أن أكمل حياتي فيه، لكن للأسف فقد وجدت أن هذا المجال يحتاج إلى سنين وسنين حتى أبني نفسي وتستقر حياتي، ففضلت الإسراع بالسفر إلى بلد عربي آخر عسى الله أن يرزقني بالحلال ما يسد حاجتي ويحقق طموحي، وبحمد الله وفقني الله إلى ذلك العمل، ولكن ليس هو مجالي، فأعاني بالطبع من ذلك، ولكن يجب أن نحمد الله على تغير الحال إلى الأفضل.
وأنا الآن أسعى للزواج ولكن دائما تأتيني الوساوس والخوف الشديد من تحمل مسئولية هذا الزواج، فأنا معرض في أي وقت لترك هذا العمل والرجوع إلى بلدي لمساندة والدي في وقت حاجتهما إلي، فأنا الذكر الوحيد مع أختين ما زالتا في الدراسة, وساعتها سأبدأ من الصفر حيث لا أمتلك أي خبرات للعمل في مجالي الأساسي وصعوبة الالتحاق بأي عمل آخر، حيث أن بلدي بها من البطالة وقلة فرص العمل مايثير الإحباط, والخوف من مشاكل البطالة وقلة الحيلة التي تهدد حياتي بعد الزواج، هذا الأمر يجعلني أتردد في الإسراع في الزواج بالرغم من حاجتي الشديدة للعفاف.
ويتعلق بهذا الموضوع موضوع آخر أحب استشارتكم فيه وهو: قبل سفري وجدت إنسانة على دين وخلق وتشاركني حب الدعوة إلى الله، فأحببت أن تكون زوجتي وشريكة حياتي وأرسلت لها مع أختي (صديقتها) طالبا رأيها فوجدت منها القبول مما زاد تعلقي بها، إلا أن المشكلة الأزلية التي واجهتني هي أن أسرة هذه الفتاة بالرغم من قرب مستواهم الاجتماعي من أسرتي إلا أنهم شديدو الطموح، بل لا أبالغ إن قلت (الوصولية) فهم لا يرضون لبناتهم إلا زوجا ثريا أو ذا منصب كبير، مما يجعلني على يقين أنهم سيرفضونني، وقد لمحت -من رغبة بالزواج منها- لأختي بهذا الأمر، بالرغم من الاحترام المتبادل بين الأسرتين وحب أخيها لي، لكن ماذا نقول عن الجهل؟! فهل أنسى هذا الأمر وأخالف اتفاقي معها بالتقدم لها عندما يتحسن وضعي؟ أم أتقدم لخطبتها وأنا على يقين شديد أنهم سيرفضونني، مما سيكون له أثر سلبي على نفسي؟
أفيدوني أفادكم الله، وعذرا للإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في استشارات موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يوسع رزقك وأن ييسر أمرك، وأن يرزقك بر والديك، وأن يمن عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة تكون عونا لك على طاعة الله ورضاه، وتهنأ معها بحياة مستقرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك أخي الكريم الفاضل! عبد الله، فإني معجب بفكرك ومعجب بعقلك وطموحك، حيث إنك لم تتوقف عند رغباتك وميولك وتجمد الحياة من حولك، فرغم أنك تحب مجالك الدراسي حبا شديدا، وتتمنى أن تكمل فيه حياتك، إلا أنك وجدت أن هذا المجال تعوقه عدة معوقات ومنها قلة ذات اليد والانتظار لفترة طويلة حتى تؤسس نفسك، مما ترى أن تسافر إلى خارج البلاد، وأن تعمل عملا بعيدا عن تخصصك الأصلي الذي تحبه، إلا أنك حريص وسعيد بهذا العمل الآن وبدأت الحمد لله تتأقلم فيه، وبدأت تسعى للزواج، ولكن ينتابك بعض الخوف الشديد من تحمل مسئولية هذا الزواج، إذ أنك كما تقول معرض لترك هذا العمل والرجوع إلى بلدك لمساعدة والديك، إذ أنك الذكر الوحيد لهما بين أختين، وساعتها ستبدأ من الصفر حيث إنك لا تملك شيئا.
كذلك أيضا هذه الأخت التي تعرفت عليها من خلال أختك، حيث إنها على خلق ودين وتشاركك الدعوة، إلا أن أهلها كما ذكرت يرغبون في الارتباط بالأثرياء وذوي المناصب العالية، مما يجعلك تعتقد أنهم سيرفضونك، رغم أنك لمحت بهذه الرغبة لهذه الأخت عن طريق أختك، فأنت تسأل عن ذلك؟
أقول لك أخي الكريم الفاضل: أحب أن أذكرك أولا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)، فهذه المقادير هي كل شيء في منظومة هذه الحياة بالكامل، ومن هذه المقادير التي قدرها الله تبارك وتعالى الأرزاق، ولقد قدر الله لك رزقك قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهذا الرزق الذي قدره الله تبارك وتعالى لك محفوظ لك عند الله تبارك وتعالى في خزائن الأرزاق وسوف يأتيك لا محالة، سواء ذهبت إلى الشرق أو الغرب أو غيرت مجال العمل أو التخصص أو تزوجت أو لم تتزوج، فهذا رزقك قد قدره الله تبارك وتعالى وفرغ منه وانتهى، ولذلك خوفك من أنك قد تفكر في الزواج لكنك تخشى من تعرضك لترك العمل، فيه نوع من الوهم الذي يدخله الشيطان إلى قلب المسلم ليفسد عليه استقراره وأمنه وأمانه.
أنت لك رزق يومي، سوف يأتيك رزقك في كل يوم، فإذا كان رزقك في مصر معين فقطعا سيأتيك؛ لأن رزقك يطلبك أكثر مما تطلبه، ورزقك يعرف عنوانك وأنت لا تعرف له عنوانا، إذن سوف يأتيك رزقك في الجهة المعينة وعندما تترك هذا العمل لتعمل في جهة أخرى فسيأتيك رزقك في نفس الجهة الجديدة.
فإذن أتمنى ألا تشغل بالك بقضية الأرزاق مطلقا، فهذه قضية فرغ منها مولاك وانتهى كما ذكرت قبل خلق السموات والأرض، ولكن المطلوب منا كما قال الله تبارك وتعالى: ((فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه))[الملك:15]، وقال جل وعلا: ((فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله))[الجمعة:10]، إذن: المطلوب منا فقط هو مجرد الأخذ بالأسباب، أما النتائج فهذه بيد الله تعالى، فخوفك هذا لا محل له مطلقا من الإعراب، ولا ينبغي أبدا أن يسيطر على تفكيرك أو أن تظن أنه سيصبح واقعا، وإنما عليك الآن أن تهتم بعملك وأن تجد وتجتهد فيه، وأن تأخذ بأسباب تطوير نفسك، فإذا كانت هناك فرصة لتطوير أدائك في العمل فيجب عليك شرعا أن تستغلها، حتى تضمن استمرارك في العمل؛ لأن أي صاحب عمل إذا كان لديه موظف خامل ولديه موظف نشيط ومنتج فقطعا هو سيحافظ على الموظف النشيط المنتج الفاهم لعمله، أما هذا الموظف الخامل الذي لا يطور أدائه ولا يكون له دور في النهوض بالشركة أو مكان العمل، فإنه قطعا إذا ما أتيحت الفرصة للتخلص منه سوف يكون ذلك أول الضحايا.
فالمطلوب مني ومنك بارك الله فيك إذا كنا على رأس عمل أن نهتم به، وأن نحرص على أن نكون متميزين فيه، وأن نحرص على تطويره، وعلى تحسينه ما دام ذلك في مقدورنا وما دام ذلك قابل للتحسن؛ لأنه لا يوجد عمل مهما كان في أي مجال من المجالات إلا ومن الممكن أن نضفي عليه بعض الميزات الفنية وبعض التجمل وبعض لوحات التميز، فهذه طاقة أودعها الله تبارك وتعالى فينا، وإذا أحب الإنسان عمله أتقنه وأصبح متميزا فيه بل وجاء فيه بالعجائب والغرائب.
فأتمنى بارك الله فيك ما دمت أنت في عملك والعمل هذا لا يحتاج منك إلى مهارات أكثر مما أنت عليه أن تهتم بتطوير نفسك وتطوير ذاتك، وإن كانت فرصة من دورات فلا مانع من الالتحاق بها، حتى تكون متميزا، وبذلك تأخذ بأسباب البقاء في العمل، أما الأرزاق هذه فكما ذكرت لك لا يمكن لأحد أن يغير فيها شيئا بإذن الله، ولكن الله جعل للوصول إلى الأرزاق أسبابا، والاجتهاد والاهتمام بالعمل إنما هو سبب من الأسباب، ولذلك لا تفكر في هذا الموضوع، فأنت الآن في قطر هنا لك رزقك، وإذا ما عدت إلى بلدك فرزقك سيظل معك حتى وإن كان فيه بعض المشقة، ولكنه لم ولن ينقطع أبدا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها.
أما فيما يتعلق بهذه الأخت، فأود ألا تتقدم إليها الآن حتى لا ترفض، وإنما تنتظر بعض الوقت حتى يتحسن وضعك المادي ثم تتقدم إليها، لأنك ما دمت تعرف فكر أهلها وتعرف ما يفكرون فيه وما يشترطونه فأنت لا تتقدم حتى لا ترفض فتصاب بنوع من الإحباط أو تفقد هذه الأخت الفاضلة، وإنما عليك أن تصبر ما دامت هي ليس لديها مانع في الارتباط بك ولم يتقدم لها أحد الآن، فأنت لا تعطيها كلمة، وما عليك إلا أن تهتم بعملك وعلى تطوير أدائك وتحسين مستواك، حتى تضمن بتوفيق الله تعالى الاستمرار في هذا العمل، وبالتالي تضمن هذا التدفق المادي الذي سوف يحسن وضعك الاجتماعي ويجعلك إذا ما تقدمت إليها لن تكون أقل من غيرك، فالحمد لله سيصبح لديك من المال ما تستطيع به أن تتزوج هذه الفتاة أو غيرها.
عندما تتوفر لديك القدرة المالية بإذن الله تعالى أعتقد أنهم لن يرفضوك، وإن رفضوك – لا قدر الله – فإنك ستجد أفضل منها بإذن الله تعالى؛ لأن الناس عادة يرغبون في الرجل المستور، الرجل الذي يستطيع أن ينفق على ابنتهم وأن يحسن معاملتها وأن يوفر لها متطلبات الحياة الضرورية والحياتية، ووجودك في قطر ووجود الدخل الطيب الذي يأتيك ستستطيع بإذن الله تعالى أن تحقق كل متطلبات الحياة الزوجية السعيدة، ولذلك أنا أتمنى ألا تشغل بالك بهذا الأمر كله، ولا تشغل بالك أيضا بقضية والديك واحتياجهم إليك؛ لأن الوالد والوالدة مع تقدم السن حاجتهم تكون من الناحية المادية أكثر من حاجتهم إلى وجودك معهم وأنت عاطل أو بلا عمل، يحتاجان إلى العلاج والدواء، ويحتاجان إلى الطعام الطيب، يحتاجان إلى الملابس الجيدة، يحتاجان إلى بعض المواد الأساسية في البيت، كالحاجة إلى ثلاجة أو غسالة أو إلى تجديد بعض الأثاث، هذا معظم الذي يحتاجونه من الماديات ما دام هناك أختين يقيمان في البيت يقومان على رعاية الوالد والوالدة والأمور طيبة، فأنا أرى أن تظل على ما أنت عليه وأن تهتم بعملك وتوكل على الله واستعن بالله ولا تعجز.
وأنا أنصحك بتطوير أدائك وتحسين مستواك في العمل، ودعاء الله تبارك وتعالى أن يبقيك على عملك وأن يحفظ لك عملك، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك)، وأن يرزقك رضا الوالدين، وكن على تواصل مستمر مع الوالدين شبه يومي عن طريق الإنترنت، وتستطيع أن تتكلم معهما وأن تراهما كما لا يخفى عليك، فيكون بينك وبينهم نوع من التواصل الدائم كما لو كنت تعيش معهما، وأن تشاركهما الأفراح والأحزان والهموم وإبداء الآراء وحل المشكلات، فأعتقد أن هذا هو المطلوب غالبا في مثل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها معظم الشباب في العالم العربي والإسلامي.
وأقول لك: رجائي ألا ترتبط نفسيا كثيرا بهذه الأخت، ما دامت هذه شروط أهلها، وإنما اجعل الأمر فيه قدرا من المرونة، واجعل لديك الاستعداد لأن تقبل غيرها بشروط أفضل من هذه الشروط، ولكن لا تتقدم لها إلا إذا وصلت إلى مستوى تشعر من خلاله أنك قد لا ترفض حتى لا تصاب بنوع من الإحباط أو نوع من رد الفعل النفسي، فما دمت تعرف شروطهم والآن بمقدورك بفضل الله تعالى أن تحقق هذه الشروط، وبعد سنوات معدودات سوف تتغير الحال، ونحن نعرف من أتوا هذه البلاد وكان وضعهم المادي سيئا للغاية فأكرمهم الله في سنة أو سنتين بوضع أحسن ومال وفير وتزوجوا وفتح الله عليهم من أبواب رزقه ما الله به عليم، وإن شاء الله تصبح قادرا على التقدم لأي فتاة في بلدك سواء كانت هذه الأخت أو غيرها، ولكن المهم كما ذكرت لك أن تأخذ بالأسباب وأن تهتم بعملك، وأن تحسن معاملة زملائك ورؤسائك ومرؤوسيك في العمل، وأن تكون شخصا متميزا حتى تضمن البقاء في هذا العمل بعد توفيق الله تعالى وتقديره، وتتوجه إلى الله بالدعاء أن يحفظ لك هذا العمل وأن يعينك على أدائه وعلى الإبداع فيه، وأن يبارك لك في رزقك، وأيضا تسأل والديك الدعاء لك بالتوفيق والسداد؛ لأن دعاء الوالدين لا يرد، وتحافظ على طاعة الله وتقواه، والمحافظة على الصلاة كأهم عامل من عوامل السعادة والأمن والأمان، وأن تحافظ على الصدقة مما رزقك الله يبارك الله لك فيما رزقك، فمن فتح باب صدقة فتح الله له أبواب رزق، وبذلك ستكون سعيدا في الدنيا وفي الآخرة.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، والهداية والرشاد.
هذا وبالله التوفيق.